على مساحة 40 الف متر مربع في وسط الريف البريطاني حقق ميشال خلاط ابن مدينة حيفا الحلم الذي كان يراوده في فلسطين حيث ولد وعاش في لبنان قبل ان ينتقل الى منطقة الخليج للعمل فيها. وحلم ميشال خلاط الذي بدأ حياته موظفاً في شركة الانترنيت في شكا - لبنان هو تربية الطيور والعصافير المعروفة مثل البلابل والحساسين والببغاوات والحجلان وفي العام 1973 انتقل الى العمل في السعودية مديراً لمصنع شركة سويسرية متخصصة في صناعة المواسير والأنابيب، وبعد فترة اصبح مالكاً للشركة مع عدد من زملائه. وأدت ضغوط العمل الى اصابة ميشال بذبحة قلبية في العام 1985، وهذا ما جعله يفكر ملياً بالتقاعد الى ان حسم امره وانتقل في العام 1991 الى بريطانيا للاهتمام بالطيور. وفي العام 1994 تعرض ميشال لذبحة قلبية ثانية، اقنعته بأن يسلم ادارة الأعمال التي يتولاها بشكل كامل لكبرى كريماته الثلاث باولا ويتفرغ للطيور في منزله في الريف البريطاني العام 1979. ولم يجد ميشال خلاط صعوبة في اقناع شركائه بتحويل هواياته في تربية الطيور واقتنائها الى تجارة، فوضع خطة راح يطورها تدريجاً حتى غدا منزله مركزاً متخصصاً في انتاج الطيور والمحافظة على نسلها. ولتحقيق حلمه كرّس ميشال وقته وماله لقراءة الكتب المتخصصة وانخرط في جمعيات تهتم بالطيور والبيئة، وسافر الى بلدان بعيدة وتبادل المعلومات مع حدائق الحيوانات المنتشرة في العالم حول آخر التطورات والاجناس والتكنولوجيا المستعملة في العناية بالطيور ومعالجتها والاشراف على تفقيسها وتربيتها في حديقته الفسيحة التي تعيش فيها الطيور آمنة شر الثعالب بفضل السياج المرتفع والتي تتوسطها بركة يسبح فيها البجع والاوز بحرية وارتياح. ويولي ميشال خلاط طيوره اهتماماً بالغاً لذا افرد لها ستة موظفين وموظفات يقومون باطعامها ونظافتها والعناية بها. حين يتحدث عن طيوره، يغرق السيد خلاط في التفاصيل كأنه يتحدث عن احد اطفاله او معارفه، فيقول عن احدها وهو من فصيلة الحجل الفضي انه سليل ستة اجيال ولدت كلها في حديقته التي يبلغ عدد اقفاصها حوالى 400 قفص، مئتان منها مخصصة لأزواج من الطيور المقيمة بشكل دائم، و200 قفص لصغار الطيور التي تلد من حين لآخر قبل ان يتم بيعها او مبادلتها. "أولاد عيل" يقول ميشال خلاط لا أبيع طيوري الا لحدائق الحيوانات او لمربي الطيور المحترفين. لأن الطيور التي املكها على اختلاف انواعها "أولاد عيل" ولكل طير يلد في مزرعتي حلقة يسجل عليها رقمه، ويتيح لكل ملم بعالم الطيور معرفة تاريخ اسرة هذا الطير وحسبه ونسبه ومكان وتاريخ ولادته. يذكر ميشال والده الذي كان يعمل في شركة نفط العراق بالخير، فيقول: في الخمسينات كان يحرص على ان يحضر لي انواعاً مختلفة من الحجل من سورية. عالم غريب ويقول مضيفاً: "في حديقتي اليوم معظم انواع فصيلة الحجل المعروف بالدراج او "الفازان"، فالتوركا يعيش في افريقيا والكوراسان في اميركا اللاتينية والطاووس وهو من الفصيلة نفسها من الهند وإيران اضافة الى التورالو الذي يعيش في شرق افريقيا بوجه خاص، والدراج الذهبي في سيريلانكا وهو معروف باسم Jungle Fowl وأنواع اخرى تنحدر من ماليزيا وتعرف باسم Great Argos. كثرة اعتنائه بالطيور دفعت احدها وهو من فصيلة التوراكو للاعتقاد ان ميشال هو امه، ويقول: ان هذا الطير لم يلد من نوعه خارج ادغال افريقيا الا في مزرعتين. وقد يكون الفضل في ذلك لاهتمامي الشخصي به وإطعامه ومداعبته. ويصف ميشال احد الطيور من فصيلة الحجل الذي يحمل اسم "Fire Back" بأنه مثل الانسان اذ ان الذكر منه يغار على انثاه، حين يرى رجلاً يخاطبها او يداعبها، ويعبر الدراج عن غيرته بنفش ريشه والتنقل حول انثاه بشكل لافت للنظر. ويكاد المرء يضيع وهو يتنقل من قفص الى آخر لرؤية الانواع المختلفة من الطيور التي تنحدر من سلالة الحجل وربما كانت مزرعة ميشال خلاط الأهم في العالم لوفرة انواع الحجلان التي تعيش فيها. ونجح ميشال في تجهيز مزرعته بمعدات الكترونية تحفظ الطيور الحديثة الولادة في اقفاص خاصة خوفاً من تعرضها للموت او الأذى على يد الطيور الاخرى. ويراقب ميشال وعماله على مدار الساعة كل طير في المزرعة، وينقلون اليه كل بيضة يعثر عليها في قفص من الاقفاص ليعطيها رقماً قبل ان يضعها في اماكن مجهزة بآلات تحفظ للبيضة الحرارة المطلوبة، كما يتابع بشكل يومي نمو الطير داخل البيضة ويسجل وزنه على شاشات الكومبيوتر بحيث يضمن نموه بشكل طبيعي قبل ان يرى النور، ويعدل في درجة الحرارة اذا وجد انها قد تشكل خطراً على ولادة الطير سليماً معافى. الطير هتلر ويطلق ميشيل على احد طيوره لقب هتلر، ويتهمه بأنه وراء قتل شركائه من الطيور وأطفالها بعد ان ينتف ريشها ويصيبها بأذى شديد. ويقول عن آخر انه "الكابوت" الوحيد الذي يعيش خارج بلاد الصين، في حين يعتبر التوراكو الازرق الكبير الوحيد الذي ولد خارج افريقيا. لكنه يضيف "انا شخصياً اهتم بالدراج الفيتنامي وسبب اهتمامي هذا هو ندرة هذا النوع من الطيور. ويروي انه قبل 5 سنوات ارسل الى حديقة الحيوانات في هانوي اربعة ازواج من الدراج الفيتنامي بعد ان كاد ينقرض لولا محافظة الاوروبيين عليه في الاقفاص. وتتراوح اسعار الطيور بين 30 وألف جنيه استرليني. فالتوراكو مثلاً يأكل انواعاً من الفاكهة المرتفعة الثمن كالجوافي والتين والاكي دنيا والبوباي وهو بحاجة الى عناية فائقة، وكذلك الكابوت خصوصاً اذا كان من النوع الصيني. وتقدر جمعية حماية الطيور العالمية تقديراً عالمياً جهود ميشال خلاط، وهذا التقدير ساعده في الحصول على تسهيلات لنقل اي من انواع الطيور النادرة والمهمة، وذلك بسبب معرفة السلطات في الدول المعنية بموقعه ودوره في حماية هذه الطيور ورعايتها، وهو امر لا يتوافر للانسان العادي. ويقول ميشال خلاط "هناك جمعية تطلق على نفسها اسم الجمعية الدولية لمربي الحجلان او الدراج، وهي تعتبر مزرعته المعروفة دولياً بحديقة "اولد بيرد هاوس" فريدة من نوعها. اذ ان هناك مزارع اكبر منها، ومزارع اصغر منها، لكن ما يميز "اولد بيرد هاوس" عن هذه وتلك، هو التكنولوجيا التي تستخدم في رعاية الطيور وتربيتها. ويطمح ميشال الى التخصص في العناية بالفازان المعروف بالدراج والمحافظة على نقاوة عرقه من خلال فحص المادة الوراثية المعروفة بپDNA. ويشيد الخبراء المعنيون بتربية هذا النوع من الطيور ومن بينهم كيث هومان المدير العام للجمعية الدولية لتربية الدراج او الفازان، بالمجموعة التي يعتني بها خلاط. ويقول خلاط ثمة 15 نوعاً من الدراج، يتفرع منها 49 صنفاً مختلفاً، املك منها 40 صنفاً وأسعى الى استكمالها جميعاً في اقرب فرصة. ولعل تعاون خلاط مع المهتمين بالطيور والعناية بها والخوف عليها من الانقراض سيساعده في مسعاه الى جمع هذه الطيور التي يمتاز ريشها بألوان جميلة هي متعة للمتنقلين في ارجاء المزرعة. ترى هل ينجح ميشال خلاط في استكمال بناء مملكته التي يتوزع في عدد من اقفاصها اشجار ونباتات كالموز، راعى فيها الاجواء التي اعتادت انواع الطيور المختلفة التي يقتنيها العيش فيها؟.