هيئة الاتصالات والفضاء والتقنية تصدر تقرير إنترنت السعودية 2024    سمو ولي العهد يستقبل سمو وزير الرياضة ورئيس الاتحاد السعودي لكرة القدم ورئيس وأعضاء مجلس إدارة النادي الأهلي والجهازين الفني والإداري ولاعبي فريق كرة القدم بمناسبة تحقيقهم بطولة دوري أبطال آسيا للنخبة 2025    ٦٠ مراقبا ومراقبه في ورشة عمل مشتركة بين الأمانة وهيئة الغذاء    حفل ختام وحدة الثقافة والفنون بكلية الآداب في جامعة الإمام عبدالرحمن    المطلقة غير صالحة للزواج    ضبط مواطنًا لارتكابه مخالفة التخييم في محمية الملك عبدالعزيز الملكية    محافظ الطائف يكرّم الجهات المشاركة في برامج وفعاليات أسبوع المرور    المدينة في عيون الأدباء: أمسية أدبية تحتفي بجمال المدينة المنورة    "مبادرة طريق مكة".. تأصيل للمفهوم الحقيقي لخدمة ضيوف الرحمن    الصندوق الكشفي العالمي يثمّن تمديد دعم المملكة لمبادرة "رسل السلام"    المعرض السعودي للدهانات Saudi Arabia Coatings Show يفتتح أبوابه غداً في الدمام    ولي العهد يعلن إطلاق شركة "هيوماين" كرائد عالمي في مجال الذكاء الاصطناعي    الدكتور عبدالعزيز الهلالي يحصد الميدالية الفضية في معرض جنيف الدولي للاختراعات 2025    تخصصي تبوك يحتفل باليوم العالمي للتمريض    مجموعة فقيه للرعاية الصحية تحقق صافي ربح قدره 67.4 مليون ريال في الربع الأول من 2025 بنمو 11%    أمانة الشرقية تكثف الاجتماعات مع البلديات لتحقيق الاستدامة المالية وتحسين جودة الحياة    القصيم: انتاج طائر الكرك الاكحل المهاجر    ورشة "قرح الفراش" ترفع الوعي وتعزّز جودة الرعاية في منازل مستفيدي القصيم الصحي    جدة تشهد بطولتي العالم للبلياردو والماسترز للسنوكر يوليو وأغسطس 2025    وداعًا يا أمير التنمية والإزدهار    انخفاض الذهب بعد محادثات إيجابية بين الصين وأمريكا    "الأرصاد": أمطار غزيرة ورياح شديدة على منطقة الباحة    إنقاذ مريضة تسعينية من بتر الطرف السفلي    الجيش الهندي يعلن عن "أول ليلة هادئة" في كشمير    الناصر: أرامكو أثبتت قوة أدائها وأرباحها ر    اليوم..القمر يظهر بحجم أصغر في سماء السعودية لتزامنه مع نقطة الأوج    عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى    رياح نشطة على عدة مناطق بالمملكة وأمطار على الجنوب    استشهاد 16 فلسطينيًا    المنتخب السعودي للعلوم والهندسة ينهي تحضيراته ل "آيسف 2025"    حاجة ماليزية تعبر عن سعادتها بالقدوم لأداء فريضة الحج    40 مليون عملية إلكترونية لمنصة "أبشر" في أبريل 2025    عبدالعزيز بن سعود يرعى حفل تخريج 1935 طالبًا من كلية الملك فهد الأمنية    في الجولة 33 بدوري يلو.. 9 مواجهات في توقيت واحد.. النجمة للصعود رسمياً ل"روشن".. والعين لتجنب الهبوط    سورلوث مهاجم أتلتيكو يتفوق على ميسي ورونالدو    تحضيرًا لجولتي الحسم في تصفيات مونديال2026.. الشرقية تجهز الأخضر لمواجهتي البحرين وأستراليا    ديوانية الأطباء تكرم البحرينية بثينة عجلان    عودة «عصابة حمادة وتوتو» بعد 43 عامًا    أمريكية وابنها يحصلان على الماجستير في اليوم نفسه    الهروب إلى الخيال..    السعودية تقود المشهد من حافة الحرب إلى طاولة التهدئة    "اعتدال" و"تليجرام" يزيلان 16 مليون مادة متطرفة في 3 أشهر    بعد 50 عامًا في المدار… سقوط مركبة سوفيتية فاشلة    بتنظيم من وزارة الشؤون الإسلامية.. اختتام تصفيات أكبر مسابقة قرآنية دولية في البلقان    انطلق بمشاركة 100 كادر عربي وأوربي.. أمين الرياض: «منتدى المدن» يعزز جودة الحياة ويقدم حلولاً مشتركة للتحديات    أسرة الجهني تحتفي بزواج عمّار    91 % نسبة رضا المستفيدين عن أداء الموظفين بديوان المظالم    المملكة تواصل ريادتها الطبية والإنسانية    نادي القادسية يتوّج بكأس وزارة الرياضة لكرة الماء    القادسية يحسم لقب الدوري الممتاز لكرة القدم تحت 17 عامًا    لوران بلان: الاتحاد لا يخشى أحدًا!    جراحة روبوتية لإنقاذ طفل مصاب بفشل كبدي بالرياض    الأمير سعود بن نهار يطلع على الخدمات المقدمة للحجاج في مطار الطائف    الحصار الإسرائيلي يحرم مستشفيات غزة من توفير الغذاء للمرضى    أمير منطقة تبوك يرعى بعد غد حفل تخريج متدربي ومتدربات المنشات التدريبية    السعودية تقود جهود السلام كأول دولة ترسل مبعوثا إلى الهند وباكستان    الأمير ناصر بن محمد يرفع الشكر للقيادة بمناسبة تعيينه نائبًا لأمير منطقة جازان بالمرتبة الممتازة    تخريج الدفعة ال 19 من طلاب جامعة تبوك الأربعاء المقبل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قائد "الجيش الجنوبي" يطالب الحكومة باستفتاء . لحد "لبنان أولاً" أو الضربة القاضية
نشر في الحياة يوم 30 - 09 - 1996

منذ بدء الاحتلال الاسرائيلي في جنوب لبنان و"جيش لبنان الجنوبي" يعمل في المنطقة بالتنسيق مع اسرائيل وبالتعاون معها وبالاعتماد الكامل على دعمها ومساندتها. فأي مستقبل لهذا "الجيش" ولقائده الضابط السابق في الجيش اللبناني اللواء انطوان لحد؟ وأي مصير لضباطه وأفراده البالغ عددهم حالياً نحو 3 آلاف عنصر؟
وفي وقت نشط فيه الحديث عما سمي اقتراح "لبنان أولاً" وتصميم الحكومة الاسرائيلية برئاسة بنيامين نتانياهو على المضي قدماً في طرحه أساساً لأي مفاوضات في شأن انسحاب قواتها من الشريط الحدودي المحتل، كان ملاحظاً ان اللواء لحد خرج عن صمته وأطلق تصريحات دعا فيها الحكومة اللبنانية الى "التعامل بجدية" مع هذا الاقتراح، محذراً في الوقت نفسه من ان أي تصعيد في عمليات المقاومة ضد الاحتلال في الجنوب سيؤدي الى "رد اسرائيلي كبير". فهل كانت هذه "رسالة" أرادت الدولة العبرية توجيهها الى لبنان، ومن ورائه سورية طبعاً؟
هذا السؤال وأسئلة ملحة غيره طرحتها "الوسط" على اللواء لحد في حوار تحدث فيه عن مواقفه ومخاوفه وتصوّراته وردّ فيه على كثير من التهم الموجهة اليه. وهنا نص الحوار:
تصريحاتكم الأخيرة عن احتمال شن اسرائيل عملية عسكرية واسعة ضد لبنان، هل كانت مجرد تهديدات لفظية لفرض مناخ من الضغوط السياسية والنفسية على بيروت ودمشق، أم أنها كانت نابعة من معطيات فعلية تدفعكم الى توقع عملية من هذا النوع؟
- نحن الآن في وضع صعب جداً. فالأمور بين سورية واسرائيل تكاد تكون وصلت الى طريق مسدود، والمفاوضات عالقة. وما قلته كان من هذا المنطلق، لأن الدولة الاسرائيلية قد تقرر، اذا ظلت مفاوضات السلام متوقفة كما هي الحال الآن. واستمرت المقاومة في تنفيذ عملياتها ضد اسرائيل وتصاعدت هذه العمليات، القيام بعمل عسكري كبير لن يدفع ثمنه إلا لبنان. هذا هو بكل اختصار ما قلته في كلامي. لكن الحكومة اللبنانية، ويا للأسف الشديد، لا تريد ان تنظر الى الأوضاع بواقعية. نحن في لبنان، وهنا في الجنوب تحديداً، نواجه خيارات صعبة: فإذا استمر الوضع الحالي على ما هو سيعني ذلك بقاء الاستنزاف المالي الذي يتعرض له لبنان والجنوب. واذا تصاعدت عمليات المقاومة، فإن اسرائيل قد ترد عليها بعملية كبيرة سندفع نحن ثمنها. ولذلك لا يبقى أمامنا إلا خيار التفاوض وسيلة وحيدة للخروج من هذا المأزق. ويتم هذا على أساس طرح "لبنان أولاً" الذي اعتقد بأنه يشكل خطوة مهمة الى الأمام.
"لبنان أولاً"
ولكن ما هو طرح "لبنان أولاً"؟ حتى الآن لم يسمع أحد شرحاً تفصيلياً محدداً لما تقصده الحكومة الاسرائيلية بهذه الفكرة؟
- أنا لا أعرف تفاصيل "لبنان أولاً"، ولا تهمني هذه التفاصيل. ما أعرفه وما يهمني فيه انه طرح أمني لا يمس بسيادة لبنان ولا باستقلاله. فالمبدأ الأساسي في هذا الطرح هو تحرير لبنان من الاحتلال الاسرائيلي في مقابل توفير ضمانات أمنية لشمال اسرائيل وأيضاً لأهالي هذه المنطقة الذين تعتبرهم الدولة اللبنانية وتتعامل مهم كأنهم كلهم مجموعة من الخونة.
كل ما نريده ان تدرس الحكومة اللبنانية هذا الاقتراح، وان يتوافر لديها الاستعداد للبحث فيه بجدية. فليجربوا على الأقل، وحتى اذا كانوا لا يريدون التفاوض مع اسرائيل مباشرة في هذه المرحلة، فليتفاوضوا عن طريق وسطاء، سواء كان ذلك فرنسا أو مصر أو الولايات المتحدة أو أي دولة أخرى. من واجبهم ان يحاولوا وان يستكشفوا امكانات الوصول الى حلّ قبل فوات الأوان.
الحكومة اللبنانية أعربت مراراً أنها لم تتلق من جانب اسرائيل، أو حتى من الوسطاء الذين بحثوا في هذا الموضوع، أي مؤشرات الى نية اسرائيلية أو تعهد أو ضمانات بالانسحاب. ولذلك رفضت هذا الطرح.
- أنا أتحدى الحكومة اللبنانية اذا كلفت نفسها عناء البحث جدياً في هذا الاقتراح أو حتى الاستفسار عنه. هل أعربوا مرة واحدة عن استعدادهم للتفاوض في شأنه. هل يستطيعون تقديم تفسير واحد مقنع لسبب رفضهم إياه؟ أنا أعرف ما يكفي عن "لبنان أولاً"، وحسب معرفتي فإني استطيع ان أؤكد انه لا يتضمن اي بند يدعو الى توقيع معاهدة سلام منفصلة بين اسرائيل ولبنان، بل كل ما يتضمن هو التوصل الى اتفاق أمني ينطوي على انسحاب القوات الاسرائيلية من الجنوب، ومن كل شبر من الأراضي اللبنانية، في مقابل توفير الضمانات الأمنية اللازمة للمناطق الحدودية الاسرائيلية.
وأقول أكثر من ذلك ان اسرائيل مستعدة للقبول بتنفيذ هذا الاتفاق ثم الانتظار حتى توقيع السلام رسمياً مع لبنان وسورية معاً. وأنا أتحدى الحكومة اللبنانية ان تعرض هذا الاقتراح على اللبنانيين في استفتاء شعبي وان تشرح لهم فعلاً ما يعنيه. ولا يوجد شك لدي في انه سيحظى بموافقة الغالبية العظمى من الشعب اللبناني، بل بتأييد المسؤولين أنفسهم ضمنياً.
إذن، ما هو تفسيركم لرفض الحكومة اللبنانية المطلق هذا الطرح؟
- للأسف، قد تكون الدولة اللبنانية مقتنعة بفوائد هذه الفكرة، لكن قرار هذه الدولة ليس في يدها. فالطرف المسيطر على هذه الدولة ويوجه سياستها هو الرافض هذا الطرح. وعلى أي حال يجب ان نسأل الدولة اللبنانية هنا عن أسباب رفضها، فأنا لا استطيع الاجابة بالنيابة عنها. لكنني أريد ان أوجه سؤالاً واحداً: منذ عشرين عاماً ونحن نسمع ان الحكومة اللبنانية تريد تحرير الجنوب من الاحتلال الاسرائيلي، وأبناء الجنوب يتلقون الضربات والويلات، أفلم يعد تحرير الجنوب يستحق ان نتفاوض من أجله؟ لكنني على يقين بأنه لا يوجد لبناني، مسؤولاً كان أم مواطناً، لا يؤمن في قرارة نفسه بأنه من الضروري إزالة الاحتلال الاسرائيلي من الجنوب، ومن الضروري التفاو ض لتحقيق ذلك.
الحكومة اللبنانية حددت دائماً موقفها الصريح في هذا الشأن، وهو ان التفاوض يصبح ممكناً ومجدياً، حالما تتعهد اسرائيل الانسحاب وتنفيذ القرار 425، وما عدا ذلك ليس الا من باب المناورة، ألا تعتقد بأن بيروت محقة في مخاوفها هذه؟
- ولكن تتعهد لمن؟ وبماذا؟ أليس هناك حاجة الى اجراء مفاوضات بين الجانبين حتى الوصول الى هذا الهدف؟ فلتعلن الحكومة اللبنانية انها مستعدة للتفاوض، ولتسأل اسرائيل عما تقصده باقتراح "لبنان أولاً". وعندئذ يصبح في امكانها ان تعرض ما سمعته من الجانب الاسرائيلي على الملأ، وان تقول للعالم وللشعب اللبناني انها ترفض هذا الاقتراح لأن الشروط الاسرائيلية غير مقبولة. اما استخدام القرار 425 كعذر لعدم التفاوض فهذا أصبح أمراً غير مجد. والقرار 425 لا يتضمن في أي فقرة من فقراته الدعوة الى انسحاب اسرائيل "من دون قيد أو شرط"، وهو ليس قراراً دولياً ملزماً. هذا قرار يتطلب التفاو ض في شأنه من أجل تنفيذه برضى الجانبين.
مستقبل "الجيش الجنوبي"
وماذا بالنسبة الى مستقبلكم أنتم كپ"جيش لبنان الجنوبي"؟ هل ستصرون على ان يكون لكم دور أو موقع ما في إطار تسوية كهذه؟
- أولاً أود التأكيد أنني شخصياً، كقائد لپ"جيش لبنان الجنوبي"، لا أريد شيئاً على الإطلاق، ولا أطمح الى أي دور أو موقع أو منصب، فأنا لا أرغب في أن أكون لا "مختاراً" ولا رئيساً للجمهورية، ولم يعد عمري يسمح لي بذلك على أي حال. هناك "جيش لبنان الجنوبي"، فهل يريدون اعتباره لبنانياً أم لا يريدون؟ هذه هي القضية. للأسف، الدولة اللبنانية تريد اعتبار هذه المنطقة كلها خارجة عن لبنان. هناك 3 آلاف جندي من أبناء هذه المنطقة ومن كل الطوائف والمذاهب في هذا الجيش. وهناك 3 آلاف مواطن لبناني يعملون في اسرائيل ويعيلون أسرهم وعائلاتهم. وفي المنطقة ما يتراوح بين 160 و170 ألف مواطن لبناني، ماذا يريدون ان يفعلوا بهم؟ هل سيطلبون منهم الرحيل وطلب اللجوء الى اسرائيل أو الهجرة الى الخارج؟ هذا غير معقول.
هناك أفكار تطرح في هذا الشأن مثل هجرة رموز معينة من أركان "الجيش الجنوبي" وتأمين اقامات لهم في دول معينة، هل توافقون عليها كجزء من الحل؟
- اعتقد بأن هذه جميعها تفاصيل يمكن ان تبحث عندما يحين الوقت المناسب. المهم الآن ان يوافقوا على المبدأ، وبعد ذلك تأتي التفاصيل. "جيش لبنان الجنوبي" لن يكون عائقاً أمام الحل. ومثلما تمكنوا من التوصل الى مخارج وتسويات لوضع الميليشيات، سيكون ممكناً التوصل الى صيغة لتسوية وضع جيش لبنان الجنوبي وعناصره. ألم تكن حركة "أمل" في حرب مع الدولة؟ ألم يكن وليد جنبلاط يقاتل ضد الدولة؟ ألم تكن "القوات اللبنانية" في حرب مع الجميع؟ وعلى رغم كل ذلك، عندما جاء الحل وجدوا الطريقة لإدخالهم في الدولة وحلوا الميليشيات وأصبحوا الآن جزءاً من التركيبة السياسية الحاكمة في البلد. فلماذا يجب ان يكون وضع "جيش لبنان الجنوبي" ومصيره مختلفاً عن غيره؟ في نظري ان الأهم كثيراً هو الاتفاق على خروج الاسرائيلي من هذه المنطقة وإعادتها الى السيادة اللبنانية وإعادة سكانها الى المواطنية اللبنانية، وعندها يصبح مصير جيش لبنان الجنوبي تفصيلاً صغيراً يمكن التوصل الى صيغة لتسويته. دعهم يتفقون على المبدأ أولاً.
ولكن أنتم تعاملتم مع اسرائيل وقاتلتم الى جانب قواتها، وهي دولة عدوة ومحتلة، ألا تعتقد بأن ذلك يجعل وضعكم مختلفاً عن غيركم؟
- هذا كلام للاستهلاك السياسي لا أكثر. نحن هنا منذ 13 عاماً نقوم بحماية هذه المنطقة وحماية أبنائها. أنا كنت ضابطاً في الجيش اللبناني، وقدمت استقالتي عندما لم يكن هناك جيش ولم تكن هناك دولة ولم تكن هناك كرامة للجيش أو للدولة. كان القصف والخطف والقتل على الهوية. وكانت الدولة اللبنانية في ذلك الوقت تخلت عن هذه المنطقة وتركتها تحت رحمة الفلسطينيين. فأصبح أهاليها وقراها عرضة للتهجير والاستباحة. وقفنا في مواجهة كل ذلك ووفرنا الحماية لها. وهذا ما نقوم به منذ ذلك الحين ولا نزال، وسنظل نقوم به حتى التوصل الى اتفاق يضمن أمنها وسلامتها.
حتى بالتعاون مع اسرائيل؟
- لم يكن أمامنا خيار آخر. عندما توليت مسؤولياتي هنا خلفاً للرائد سعد الحداد كانت المنطقة مواجهة بخطر الخراب والفناء، ولم يكن في ذهني أي هدف سوى حمايتها والدفاع عنها. وأذكر انني اجتمعت آنذاك مع مسؤولي الحكومة الاسرائيلية، وكانوا من "ليكود"، وكان بينهم وزير الدفاع موشي أرينس. وقلت له: أنتم تؤمنون بمبدأ "اسرائيل الكبرى" وتريدون التوسع والاستيلاء على المزيد من الأراضي، ولذلك تحتلون جنوب لبنان. وإذا كان لديكم أطماع في أي شبر من الأراضي اللبنانية، فلن يكون لدي استعداد للتعاون معكم. فأجابني بما حرفيته: "نعم، نحن نؤمن بإسرائيل الكبرى، لكن هذا أمر لا ينطبق على جنوب لبنان. والحكومة الاسرائيلية على استعداد للتعهد خطياً أن لا أطماع لها في أي أرض لبنانية أو في أي موارد طبيعية لبنانية، وكل ما نريده من لبنان هو السلام والأمن". وكان ردي على ذلك: "حسناً، أنا مستعد للعمل على هذا الاساس، لأن كل ما نريده أيضاً هو السلام والأمن. نحن هنا لا نريد ان نقاتل أحداً ولا أن نهاجم أحداً أو نحتل أراضي أحد. فموقفنا دفاعي، وكل ما نحاول عمله هو منع الآخرين من مهاجمتنا والتسلل الى قرانا وأرضنا. قمنا بذلك عندما كان الفلسطيني هنا، وعندما كان السوري في جزين، والآن نقوم به في مواجهة حزب الله الذي تدعمه ايران ودمشق.
من كان المسؤول عن هذه المأساة؟ وما هو أصل المشكلة في الجنوب في نظرك؟
- الدولة اللبنانية في الدرجة الأولى، فالدولة تخلت عن الجنوب. في البداية تخلّت عنه للفلسطيني، فجاء الاسرائيليون ودخلوا ووصلوا في وقت من الأوقات الى بيروت، ثم عادوا وانسحبوا واحتفظوا بهذه المنطقة تحت شعار "حماية شمال اسرائيل". نحن الآن هدفنا إزالة حاجة الجيش الاسرائيلي الى البقاء في المنطقة، وهذا ما نحاول التوصل اليه. ولكن اذا كانت الدولة اللبنانية لا تريد التفاوض من أجل تأمين انسحاب اسرائيل من هذه المنطقة، فقد يظهر كأن هذه الدولة موافقة على بقاء الجيش الاسرائيلي فيها، وهذا لا يعقل. نحن لبنانيون أولاً وأخيراً ولا نريد إلا ان نظل جزءاً من لبنان وتحت سيادة الدولة اللبنانية. ماذا يريدون منا ان نفعل؟ نترك ونهاجر ونرحل وتبقى الأرض محروقة... لم نفعل ذلك في الماضي ولن نفعله في المستقبل.
يحمل كلامكم الكثير من الشعور بالمرارة حيال الدولة اللبنانية، لكن الحقيقة تظل أنكم تعاملتم مع اسرائيل الدولة العدوة والمحتلة، وهذه جريمة تعاقب عليها القوانين اللبنانية، وهناك فعلاً تهم قضائية موجهة ضدكم في هذا المجال، فكيف ترون المخرج من ذلك، وهل هناك أي اتصالات بينكم وبين المسؤولين في بيروت لتسوية هذا الأمر؟
- كانت هناك اتصالات مباشرة على امتداد أكثر من 9 سنوات. ونحن هنا بدأنا في الأساس كجزء من الجيش اللبناني، اذ كانت الوحدات المرابطة من الجيش في هذه المنطقة هي التي أخذت المبادرة على عاتقها وتولت حماية القرى فيها من الفلسطينيين. هذه هي بدايات جيش لبنان الجنوبي، وبعد ذلك عملنا على توسيع هذا الجيش وأدخلنا فيه عناصر من جميع الطوائف، فأصبح لدينا الآن جيش لبناني بكل ما في الكلمة من معنى، يضم شيعة وسنة ودروزاً وموارنة وأرثوذكساً وكاثوليكاً. وهم يتولون مناصب قيادية من كل الرتب، ومنهم قادة ألوية وكتائب وقطاعات ومواقع. ماذا تريد الدولة ان تفعل بهم؟ هل هم جميعاً خونة وعملاء؟ نحن هنا حافظنا على الصيغة اللبنانية عندما كانت هذه الصيغة تشارف على الانهيار في المناطق الأخرى، وكانت سلطة الدولة والجيش لا تتعدى قصر بعبدا والفياضية، وكان الناس يذبحون بعضهم بعضاً على الهوية. نحن لم نذبح أحداً ولم نقتل أحداً، وكل ما فعلناه اننا منعنا الآخرين من التسلل الى مناطقنا. وعلى أي حال، أعود وأؤكد ان المسألة سياسية أولاً وأخيراً، ولن يكون صعباً إيجاد حل لها في اطار حل سياسي لوضع الجنوب، فالمهم هو الاتفاق على المبدأ وايجاد الحل السياسي، أما الباقي فكله تفاصيل.
الاحتلال والمقاومة
لكن هناك الآن دولة مركزية عملت على اعادة توحيد لبنان وهي تعمل على إعادة تعميره، فيما الشريط الحدودي لا يزال تحت الاحتلال الاسرائيلي، وانتم تتعاونون مع هذا الاحتلال، بينما تدعم الدولة جهود المقاومة الهادفة الى تحرير الأرض اللبنانية؟
- أولاً، لا يمكن ان تكون المقاومة لبنانية اذا كانت قائمة على فئة واحدة، وتعمل لتحقيق أهداف هذه الفئة ومصالحها. وثانياً، حتى تكون هذه المقاومة لبنانية عليها ان تتلقى تعليماتها من الدولة اللبنانية. هل تتلقى المقاومة أوامرها من الدولة اللبنانية؟ واذا طلبت منها الدولة ان تقوم بعمل ما أو ان تمتنع عن عمل ما، هل تستجيب؟ المقاومة تتلقى أوامرها وتعليماتها من الخارج، فهي تحصل على المال والدعم والسلاح والذخيرة والتدريب من ايران عن طريق سورية التي تتحكم بعملياتها وتحركاتها. ايران هي مصدر الدعم والتمويل، وسورية هي "المايسترو" الذي يقود "الاوركسترا"، فأين الدولة اللبنانية، وكيف يمكن ان تكون هذه المقاومة لبنانية؟
الدولة اللبنانية وسورية متفقتان على مواجهة اسرائيل وتنسقان في المفاوضات وتعتبران ان نشاط المقاومة يصب في اطار هذا التنسيق. ورفض اقتراح "لبنان أولاً" جاء من هذا المنطلق لأنه كان سيعني فصل المسارين السوري واللبناني واضعاف الطرفين وتعريض لبنان لأفكار كبيرة هو في غنى عنها، ألا توافق على ذلك؟
- وماذا إذا استمر السجال السوري - الاسرائيلي 20 سنة اخرى؟ ألا يعرض ذلك لبنان أيضاً لمخاطر كبيرة؟ وهل يعني عدم التوصل الى اتفاق سوري - اسرائيلي ان على الجنوب ان يظل تحت الاحتلال؟ ولماذا يجب ان تظل المقاومة ناشطة في لبنان فقط من دون غيره؟ أليس الجولان محتلاً وسورية تعمل على تحريره؟ ولماذا لا توجد مقاومة هناك؟ هل كتب فقط على اللبنانيين ان يموتوا، وعلى أرضهم ان تحرق وتدمر بينما الحدود العربية الأخرى هادئة؟ هذا "خلط" لم يعد أحد يقبله. عندما نفذت اسرائيل عملية "عناقيد الغضب" لم يخسر الآخرون شيئاً، فالذين خسروا وتضرروا، وماتوا كانوا أهل الجنوب. هم دفعوا ثمن "هوبرة" الآخرين.... نحن الطرف الأضعف في المعادلة، والطرف الأضعف هو الذي يدفع الثمن دائماً. وكل ما نحاول ان نفعله الآن هو عدم تكرار هذه المأساة.
وهل تعتقد بأن هذه المأساة، كما تسميها، أصبحت مرشحة لأن تتكرر أكثر من السابق نتيجة وجود تكتل "ليكود" في الحكم واتباع زعيمه بنيامين نتانياهو سياسات أكثر تصلباً من رئيس الحكومة العمالية السابقة شمعون بيريس؟
- بالنسبة إلي لا يوجد فارق جوهري بين سياسة حزب العمال وسياسة "ليكود"، سواء حيال لبنان أو حيال الوضع في المنطقة عموماً. الفارق الأساسي هو ان الحكومة الحالية أكثر "صراحة" في تحديد ما تريده. منذ مؤتمر مدريد لم تحقق المفاوضات بين سورية واسرائيل أي تقدم، ولو خطوة واحدة. وقد يكون ذلك لأسباب لا نعرفها تخص الجانبين السوري والاسرائيلي. ولكن في ما يخص لبنان هناك الآن عرض واضح، هو "لبنان أولاً"، يقوم على مبدأ أمني بسيط: الأمن لجنوب لبنان في مقابل الأمن لشمال اسرائيل، ويحقق الانسحاب الاسرائيلي من الجنوب، ولا يشترط توقيع معاهدة سلام شاملة، فلماذا ترفضه الحكومة اللبنانية حتى قبل البحث فيه أو التفاوض عليه؟ وهل أصبح التفاوض يمس الكرامة اللبنانية أكثر من بقاء الاحتلال الاسرائيلي في الجنوب؟
ولكن هل يمكن ان توافق اسرائيل فعلاً على الانسحاب من دون الاصرار على معاهدة سلام؟ أليس مثل هذا العرض من باب المناورة ولا يهدف إلا الى إثارة البلبلة وإرباك موقف الحكومة اللبنانية في عملية السلام عموماً؟
- دعهم "يلحقوا الكذاب..." فليفاوضوها أولاً، وعندما يكتشفون ان اسرائيل تكذب وتناور "يلعنوا أبوها" أمام العالم أجمع، ويقولوا للناس الحقيقة، وعندئذ لا أحد سيلومهم. أما الوضع الحالي فلا يمكن ان يستمر.
وكيف تفسرون إذن الهدوء الملحوظ الذي شهدته المنطقة خلال الفترة الماضية؟
- "الله يرضى على الانتخابات" التي أتاحت مثل هذا الهدوء، فالهدف منه كان "تمرير" الانتخابات بسلام لا أكثر ولا أقل.
بالتالي، أنتم تتوقعون عودة نشاط المقاومة الى التصاعد؟
- طبعاً، وإلا ما هو مبرر وجود "حزب الله" وسلاحه؟ اذا لم تستأنف العمليات لا يعود هناك مبرر لوجوده، و"حزب الله" يعرف ذلك.
هذا يعني انكم تتوقعون تصعيداً عسكرياً في المنطقة خلال الفترة المقبلة؟
- لا أستطيع ان أحدد الفترة، ولا أريد ان أتنبأ. لكنني لا أرى ان الاجواء مريحة بين سورية واسرائيل. وعندما يكون هناك توتر يدفع لبنان دائماً الثمن لأنه الأضعف، والضعيف يدفع دائماً الثمن. وأعود فأكرر: حان الوقت لكي تسعى الحكومة اللبنانية الى ترتيب الأوضاع الأمنية في الجنوب والتفاوض في هذا الموضوع مع اسرائيل مباشرة أو بالواسطة. أما استمرار الوضع الحالي فسيؤدي عاجلاً أم آجلاً الى كارثة جديدة. ولكن للأسف الشديد لا يبدو ان الدولة اللبنانية قادرة أو مستعدة حتى الآن على رؤية ذلك، مع أنني لا أزال أتمنى ان نتلافى هذا الاحتمال. وأنا أقول بكل صراحة، من منطلق لبناني بحت، ان علينا ان نتدارك الأمر ونحول دون وقوع الكارثة لأنها قد تكون هذه المرة قاضية لا يستطيع لبنان تحملها. علينا ان نجد حلاً للوضع في الجنوب من أجل لبنان ومستقبله، أما أنا فلا أريد شيئاً.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.