6 أشهر سجن و100 ألف غرامة لممارس صحي مزور    25 ألف قرار إداري بحق مخالفي الأنظمة    الأمير سعود بن نهار يبحث جهود تعزيز هوية العمارة السعودية بالطائف    الأخضر السعودي يخسر أمام كولومبيا في مونديال الشباب    "إثراء" يشارك بالنسخة الأولى لمؤتمر الاستثمار الثقافي كشريك إستراتيجي    ولي العهد يوجه بإطلاق اسم مفتى المملكة الراحل على أحد شوارع الرياض    مجلس الشورى يعقد جلسته العادية الرابعة من أعمال السنة الثانية للدورة التاسعة    وزير العدل يوجّه بإطلاق خدمة إصدار وكالة لقطاع الأعمال    السعودية تترأس أعمال الدورة الثانية لمجلس وزراء الأمن السيبراني العرب    جامعة الأميرة نورة تُشارك في معرض الرياض الدولي للكتاب 2025    القبض على 3 مصريات في رابغ لترويجهن «الشبو»    ملتقى مآثر ابن صالح.. خطوة نحو الإعلام الحديث    ولي العهد يتسلم أوراق اعتماد سفراء عدد من الدول الشقيقة والصديقة المعينين لدى المملكة    ميزانية السعودية 2026 تتوقع نفقات 1.31 تريليون ريال وإيرادات 1.14 تريليون ريال    الفضاء مداك حينما يتسع المدار    توقيع 5 اتفاقيات استثمارية بين السعودية وفيتنام    الرياض تستضيف بطولة آسيا للياقة البدنية الوظيفية 2025    الرِّفقُ في القيادة.. صناعةُ الولاء وبعثُ الإبداع    المملكة تؤكد التزامها بقيادة الابتكار المسؤول في الذكاء الاصطناعي خلال اجتماع وزراء مجموعة العشرين في جنوب أفريقيا    أمير الشرقية يشيد بتنظيم احتفالات اليوم الوطني ويطلع على تقرير هيئة الأمر بالمعروف    أمير جازان يستقبل مدير مركز جمعية الأطفال ذوي الإعاقة بالمنطقة    من أصالة التراث إلى أفق المستقبل... المملكة تقود حراك الثقافة الاستثمارية    الرزيزاء: تنظيم العلاقة الإيجارية بين المؤجر والمستأجر خطوة محورية في مسار تطوير السوق العقاري    النائب العام يستقبل سفير قرغيزستان لدى المملكة    الفاران إلى المرتبة الحادية عشر    مستشفى الملك فهد الجامعي يفعّل اليوم العالمي للتوعية بأمراض القلب    "هدية" تطلق معرض "تاريخ مجيد في خدمة ضيوف الرحمن"    ابن معمر: المملكة تضع الترجمة والابتكار في صميم رؤيتها الثقافية والتنموية    تشكيل النصر المتوقع أمام الزوراء    يحيى بن جنيد شخصية العام التراثية في احتفالية يوم المخطوط العربي 2025    "طبية" جامعة الملك سعود تسجّل براءة اختراع لأداة فموية متعددة الوظائف    الأمين العام لمجلس التعاون يُرحِّب بخطة الرئيس الأمريكي لإنهاء الأزمة في قطاع غزة    افتتاح معرض "صوت التناغم" الصيني بالمتحف الوطني السعودي في الرياض    أمَّن وصول المساعدات لأول مرة.. الجيش السوداني يكسر حصار الفاشر    جدة تتصدر جودة الحياة في السعودية    2.5 مليار دولار صكوك إعادة التمويل    مع ارتفاع نسبة مشاركة النساء.. سوريا تبدأ الدعاية الانتخابية لمجلس الشعب    الذكريات.. إرث يبقى بعد الرحيل    مستشفيات غزة محاصرة.. والموت يطوق المرضى    في ثاني جولات نخبة آسيا.. الهلال يتصدر بنقاط ناساف.. والأهلي يتعادل مع الدحيل    في الجولة الثانية من دوري أبطال أوروبا.. ريال مدريد وليفربول يبحثان عن التعويض.. ومورينيو يعود إلى «ستامفورد بريدج»    ميدفيديف يحذر أوروبا من حرب شاملة.. وزيلينسكي: روسيا لن تعيد رسم حدود أوكرانيا    «أحذية» تقود هنديين للفوز بجائزة عالمية    نوم أقل.. وزن أكثر (1)    المعلم أولًا..    أربعة قتلى بنيران مسلح في ميشيغن.. وترمب يصفه بجزء من "وباء العنف"    ‏قائد قوة جازان يزور المنطقة الخامسة ويشيد بالجاهزية القتالية للوحدات العسكرية    «محمية الإمام تركي» تنضم لبرنامج الإنسان والمحيط الحيوي    أمير الرياض يلتقي نائب وزير الحرس الوطني    أمير حائل: المبادرات تدعم الحراك الرياضي والسياحي    لبنان: «إسرائيل» تقصف مخزن أسلحة ل«حزب الله»    أمير جازان يطلق فعاليات منتدى فكر    «العظام والمفاصل» بمستشفى الدكتور سليمان الحبيب بالمحمدية في جدة.. رعاية صحية وفق أعلى المعايير.. أميز الكفاءات.. وأحدث التجهيزات    الصندوق السعودي للأفلام يعتمد ريفيرا كونتنت اسما جديدا    فضيلة المستشار الشرعي بجازان يلقي كلمة ضمن برنامج تماسك في الكلية التقنية بصامطة    بحضور الأمراء.. نائب أمير مكة يشارك في صلاة الميت على الأميرة عبطا بنت عبدالعزيز    نائب أمير تبوك يستقبل القنصل العام لجمهورية السودان    أول محمية ملكية سعودية ضمن برنامج اليونسكو    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



منحه المغرب أخيراً جائزة الاستحقاق الوطني . عمران المليح : الذاكرة المتجددة
نشر في الحياة يوم 14 - 10 - 1996

نال الكاتب المغربي اليهودي عمران المليح جائزة الاستحقاق الوطني التي تمنحها وزارة الثقافة المغربية. وهذا التقدير في محله، وان كان جاء متأخراً بعض الشيء. فالكاتب الثمانيني احد المثقفين العرب اليهود الذين رفضوا الاستجابة للدعوة الصهيونية الهادفة الى اقتلاع اليهود من أوطانهم وحملهم الى "الأرض الموعودة"! ولا بد من التوقف ملياً عند الدور الذي لعبه وما يزال، على ساحة الأدب المغربي المعاصر، من خلال الروايات الأربع التي نشرها، وكذلك مقالاته ودراساته عن الفن التشكيلي وعن كتاب جان جينيه "أسير عاشق".
أتى عمران المليح الى الكتابة متأخراً في الستين بعد تجربة طويلة في الكفاح والمقاومة من اجل الاستقلال، وبعد خبرة سياسية طويلة أوصلته الى قيادة الحزب الشيوعي المغربي في الخمسينات. مع استقلال المغرب في آذار مارس 1956. اكتشف عمران ثغرات سياسة حزبه، وثقل الدوغماتية الحائل دون استيعاب خصوصية المجتمع وتحولاته المتسارعة. عندئذ بدأ يجهر بالنقد، ثم آل به الامر الى الاستقالة والتفرغ للتدريس في الدار البيضاء. بعد ذلك، هاجر الى باريس هو وزوجته، حيث اقترب من الكتابة التي ظلت مكبوتة في نفسه طوال سنوات النضال.
عندما نشر إدمون عمران المليح روايته الاولى "المجرى الثابت" 1980 - ماسبيرو، اعتبرها النقد المغربي حدثاً أدبياً لافتاً، ليس فقط لأن صاحبها أول قائد سياسي يكسر شرنقة الحزبية ليتكلم لغة متحررة، منتقدة، بل ايضاً وبالأخص، لأن شكل الرواية وكتابتها يشتملان على عناصر خصبة من شأنها ان تزحزح مفهوم الأدب السائد القريب من استنساخ الواقع وانطاقه بدلالة احادية. في "المجرى الثابت" يضع عمران مسافة استاطيقية بينه وبين ما عاشه في الطفولة والشباب والكهولة. انه لا يكتب لاحياء الماضي، وانما يحول سيرته الذاتية الى تجربة مستقلة تُعطى فيها الاسبقية لجمالية الكتابة وتعدد مستويات اللغة الفرنسية المخترقة بكلمات وتعابير عربية دارجة واسبانية.
كما تحتل الذاكرة، بمعناها البروستي، في الرواية، مكانة اساسية. هكذا يتشخص الانتماء الى الوطن عبر التفاصيل المسرفة في الدقة التي يصوغها عمران في شكل شذرات وفقرات متشظية، لا تكتمل إلا من خلال مساهمة القارئ في ملء الثقوب وابتكار الشخوص والفضاءات. في مقابل الخطاب السياسي، الحزبي، القاطع والممتلئ باليقين، يلملم عمران نُتف الذاكرة وأصداء الاصوات والحيوات، ليستحضر جزءاً من الوجدان الذي دثرته غلائل النسيان. وهذه الخصائص في الكتابة والتركيب والتشكيل، ستلازم رواياته الاخرى: "إيلان أو ليل الحكي"، "ألف عام في يوم واحد"، "عودة أبو الحاكي".
تتنوع الفضاءات والثيمات، لكن الكتابة تظل مشدودة الى اختياراتها الجمالية واللغوية، والى علاقتها بالذاكرة واستحضارها عن طريق الشذرية، والاستطراد، وتبطين المحكيات، لتوليد الالتباس والمفارقة، وتحطيم منطقية السرد وانتظام الازمنة... ان العشيرة اليهودية المغربية حاضرة باستمرار في نصوص عمران المليح، وهو حضور لا ينفصل عن فضاء التعايش والصداقة والتفاعل مع حياة المغاربة المسلمين. وهذا ما يقدم شهادة قوية على تلك الذاكرة المتعددة لمغرب الأمس القريب. هذه الذاكرة التي تعرضت للشرخ والتشويه على يد دعاة الصهيونية.
لكن عمران المليح، في استيحائه للذاكرة وابتداعه طرائق لتشخيصها، لا يُغمض العين عن مغرب اليوم وعن مشكلاته وصراعاته. هكذا نجد في روايته "أيلان او ليل الحكي" صفحات ومشاهد تلتقط التبدلات الاجتماعية واضطراب السلوكات، واهتزاز القيم. غير انه، وهو يقترب من الماضي / الحاضر، يظل مشدوداً لأسئلة الكتابة وصعوباتها، ما يجعله يشكك في قدرته على الحكي، لأن قوة خفية تجعله لعبة في يد الحكاية بينما يتوهم انه هو خالقها. وبقدر ما يتقدم السرد ويلف في حركات حلزونية، بقدر ما يأتي صوت السارد ليُفضي بتأملاته حول حدود الكتابة.
الى جانب القيمة الأدبية المتميزة لروايات إدمون عمران المليح ودراساته، هناك شخصيته الموسومة بالعذوبة والدماثة وقدرته على الاستماع الى الآخرين والتحاور معهم. وأذكر انني عندما كنت مسؤولاً في "اتحاد كتّاب المغرب"، خلال نهاية السبعينات، لم يكن عمران المليح يبخل علينا بحضوره في المؤتمرات واللقاءات الأدبية والفكرية، مشاركاً في النقاش والحوار مع الكتّاب الشباب. وهذا ما أتاح للجيل الجديد التعرف عن قرب، الى هذه الذاكرة الحية المستندة الى تكوين فلسفي متماسك والى ثقافة فنية وأدبية واسعة. وكان وما يزال في لقاءاته وندواته، حريصاً على ان يتكلم بعربية دارجة يعتبرها اللغة الأم التي تشربها منذ ولادته في مدينة آسفي.
إن عمران، في نصوصه وحواراته، لا يطمح الى تقديم اجوبة. فتجربته السياسية علّمته ان التغيير لا يتم فقط من خلال التنديد والفضح واقامة المؤسسات، وإنما يمر اساساً، عبر مواجهة ما يبدو مستتراً، متلبداً في الزوايا، متحفزاً لتبديل الظاهر من دون تغيير الرؤية والحلم. من ثم، فإن ما يحصر عمران المليح على الاسهام في انجازه، من خلال الكتابة والحوار، هو صوغ اسئلة "بديلة" تنبش المسكوت عنه وتحث على الارتياب في ما يبدو واضحاً. كل ما ورثناه، وكل ما نعايشه من احداث ووقائع يستدعي التحليل والتفكيك بعيداً عن شعارات الموضة وعن المفاهيم الجاهزة التي تؤبد الاستلاب تجاه الماضي وتجاه الغرب. بل ان عمران المليح لا يرتاح الى المناهج والقراءات التي تتكئ كثيراً على المصطلحات والمنظومات الفكرية. انه اقرب الى استنطاق الذاكرة والوجدان والاحتفاء بتجربة المعيوش. والقراءة المتفاعلة، عنده، هي التي تتيح للذات القارئة ان تُغامر وترتج من خلال الانفعال مع النصوص واللوحات ومقطوعات الموسيقى.
وبهذا الموقف الخالي من الأوهام، المستند الى تجربة وثقافة واسعتين، يتبوأ إدمون عمران المليح مكانة مرموقة في الثقافة المغربية الحديثة. اكثر من علامة: إنه أخ أكبر يجدد ذاكرتنا ويخصبها، من خلال نصوصه الجميلة وحضوره الأجمل.
* كاتب وناقد مغربي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.