رئيس هيئة الأركان العامة يتفقد وحدات القوات المسلحة وقطاعات وزارة الدفاع المشاركة في مهمة الحج    المملكة ترحب بالمستثمرين الدوليين بقطاع السياحة    إيقاف 12 محطة وقود وإغلاق نصف مضخات 185 أخرى    أرامكو توقع اتفاقية مبدئية لشراء الغاز من منشأة أمريكية    تشريعات الذكاء الاصطناعي حاجة ملحة للحماية    الأخضر في مجموعة متوازنة بتصفيات كأس آسيا تحت 20 عامًا    تتويج الاتحاد بدوري الدرجة الأولى لكرة قدم الصالات    «الداخلية»: السجن والغرامة والترحيل ل26 شخصاً نقلوا 124 مخالفاً ليس لديهم تصريح حج    الصحة للحجاج: حرارة الجبال بالمشاعر المقدسة تصل إلى 72 درجة    صحفيو مكة يشيدون بمضامين ملتقى إعلام الحج    النفط يتراجع بعد الزيادة المفاجئة في المخزونات الأمريكية ووفرة إمدادات الخام    الربيعة يستعرض جهود مركز الملك سلمان للإغاثة في قطاع غزة    تصعيد الحجاج المرضى من مستشفيات جدة إلى مستشفيات عرفات    المملكة تستعد للمشاركة بمعرض سيئول الدولي للكتاب 2024    البسامي يتفقد جاهزية قوات أمن الحج    «حفل بذكرى زفاف أقصر زوجين    الأرصاد: لا يستبعد تكون السحب الرعدية الممطرة المصحوبة برياح نشطة على الرياض والشرقية    اعتماد مهبطي الطائرات العمودية في أبراج الساعة للإسعافات الجوية    الدنمارك.. دراجة مسروقة تقود الشرطة إلى مفاجأة    وزير الحرس الوطني يطّلع على استعدادات القوات المشاركة بموسم الحج    تقرير: 4.5% وزن الأسهم السعودية في MSCI    «قوات أمن الحج»: تسخير تقنيات الذكاء الاصطناعي حفاظاً على سلامة الحجاج    كيف أُحبِطُ مَنْ حولي ؟    الذات والآخر    مهمة سهلة للكبار في دور ال 32    لأول مرة في الحج.. إطلاق «التاكسي الجوي» ذاتيِّ القيادة    «المهدرجة».. الطريق إلى أزمات القلب وسكتات الدماغ    الأمين العام للأمم المتحدة: مستوى الدمار في غزة وأعداد الضحايا لم يسبق لها مثيل    فاطمة تنال الماجستير من جامعة المؤسس    مدير مدرسة هشام بن حكيم يكرم الكشافين المتميزين    آل الفرحان يحتفلون بزفاف 3 عرسان في ليلة واحدة    القيادة تهنئ رئيسي روسيا والفلبين    سطوة ريال مدريد    أشعة الرنين المغناطيسي تكشف تعرّض "العويس" للإصابة في العضلة الخلفية للفخذ    مركز الملك سلمان يواصل مساعداته.. وصول الطائرة السعودية ال 53 لإغاثة الشعب الفلسطيني    25 فعالية لمركز "إثراء" في عيد الأضحى    دورة تأهيلية لجامعي البيانات لموسم حج 1445ه    منتجات فريدة للإبل    أعرب عن الاعتزاز بالعلاقة المتميزة مع الشقيقة الكبرى.. صباح الحمد يشكر خادم الحرمين الشريفين وولي العهد    خدمات متكاملة لراحة ضيوف الرحمن    ولي العهد يعزي ولي عهد الكويت في ضحايا حريق المنقف    العقيد الطلحي يتفقد مركز(911)    فريق طبي ينجح في إزالة ورم من رحم مواطنة في مستشفى الولادة والأطفال بالدمام    كشفته دراسة عالمية شملت 356 مشاركًا.. إدمان «ألعاب الفيديو» يؤثر على جودة النوم    الهلال يفتقد البليهي في السوبر السعودي    المملكة تعزي في ضحايا حريق «المنقف» في الكويت    لا حج بلا تصريح    تجمع الشرقية الصحي يشارك في مبادرة "خدمتكم شرف "    «البريكس» بديل عن نادي باريس !    الطواف صلاة ولكن !    تحريف الحج عن مقاصده التعبّدية !    الإعلام الرياضي    دموع رونالدو والنصر    «إش ذي الهيافة»    وزير الداخلية الكويتي الشيخ فهد اليوسف أنموذجاً    هل آن أوان مجلس أعلى للتعليم ؟    الرئيس الأوكراني يصل جدة وفي استقباله نائب أمير مكة    مركز 911 تلقى أكثر من مليون مكالمة في الحج الفائت    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تطغى على شخصيته الحاجة الى الابداع والتفوق . بيل غيتس : مستقبل الكومبيوتر بين يديه !
نشر في الحياة يوم 04 - 12 - 1995

وأخيراً، اضفت مجلة مصالح الأعمال الأميركية الرائدة "فوربس" الصبغة الرسمية على الخبر الذي كان يتردد منذ مدة وهو ان بيل غيتس الذي يبلغ الأربعين من عمره الآن أصبح احد اغنى اغنياء العالم. وهو جمع ثروة شخصية مقدارها 12 ألف مليون دولار من خلال شركة اسمها "مايكروسوفت". وحين نلقي نظرة فاحصة على غيتس نجد انه لم يكن شخصاً عادياً.
في السيرة الممتازة التي وضعها جيمس والاس وجيم إريكسون عن حياة بيل غيتس بعنوان "الجهد الشاق" يقول المؤلفان: "كانت تطغى على شخصيته وتستحوذ عليها الحاجة الى الابداع والتفوق على الآخرين".
التحق غيتس، الذي كان الابن الوحيد لمحام مرموق في سياتل بمدرسة ليك سايد المشهورة في المدينة. وكانت هذه المدرسة معروفة بجوها الاكاديمي التنافسي ما ساعد بيل على اظهار صفاته الشخصية الفريدة في تلك البيئة. ويشير الجميع الى ان عبقريته في التعامل مع الارقام كانت تدل على انه سيتجه الى دراسة الرياضيات البحتة. لكن هذا الموضوع كان مجرداً اكثر مما ينبغي بالنسبة الى طالب واقعي في تفكيره. فحتى في تلك الأيام المبكرة في المدرسة بدأ بيل يتجه نحو فكرة الكومبيوتر. كما ان سباق الفضاء في أواخر الستينات جعل تكنولوجيا الكومبيوتر موضوعاً مثيراً وجذاباً بالنسبة الى الكثيرين من الشباب الاميركيين. لكن المشكلة آنذاك هي ان اصغر جهاز كومبيوتر في العام 1968 كان بحجم ثلاجة كبيرة كما ان كلفته كانت تمثل عبئاً كبيراً حتى على موازنة مدرسة مثل ليك سايد. وهكذا توصلت المدرسة، التي كانت تحرص على توفير المعدات التي تعتقد انها تلزم الطلاب، الى حل وسط واشترت آلة رخيصة نسبيا للطباعة عن بعد تيليتايب. وأصبح في وسع من يدفع رسماً معيناً ان يستخدم هذه الآلة لطباعة التعليمات عليها ثم الاتصال باجهزة الكومبيوتر المحلية الأخرى عبر خط الهاتف.
البداية
الا انه كانت هناك مشكلة رئيسية. ففي تلك الايام كان شراء وقت الكومبيوتر باهظاً جداً. لذا كانت أمهات الاولاد الذين يدرسون في ليك سايد ينظمن من حين لآخر حفلات خاصة لجمع الاموال اللازمة لتغطية تلك التكاليف. ولا بد وان تكون والدة بيل بين اللواتي شعرن بالندم على تنظيم تلك الحفلات. اذ سرعان ما أصبح ابنها مدمناً على آلة تيليتايب الى درجة لم تُجدِ معها كل محاولات الوالد والوالدة لابعاده عنها.
وفي ليك سايد أقام بيل عدداً من الصداقات والعلاقات الشخصية التي دامت طوال حياته. ومع انه لم يكن محبوباً لدى جميع زملائه في المدرسة فإنه بنى حوله دائرة من الاصدقاء الذين كانوا يشاطرونه ذلك الافراط في الاهتمام بتكنولوجيا الكومبيوتر والخرافات والقصص العلمية. وكان بين اولئك الاصدقاء بول ألن الذي يكبره بعامين والذي اصبح فيما بعد شريكه في مايكروسوفت. ولجأت تلك المجموعة من الاصدقاء الى مختلف الحيل والخدع من اجل كسر الشيفرة السرية لشركة أو أخرى للتعرف على طرق عمل اجهزة الكومبيوتر وبرامج تلك الاجهزة. ولم تمض فترة طويلة حتى اكتشفت تلك الشركات ما الذي يسعى اليه اولئك الصبية. وكان في الوسع ان ينتهي كل شيء باكتشاف سر تلك المجموعة من الاصدقاء وتأنيب افرادها لكن بيل كان دائماً مفاوضاً من الطراز الأول اضافة الى انه كان مبرمجاً عبقرياً. وهكذا وجد شركة كومبيوتر محلية في سياتل اعربت عن استعدادها لتأمين الوقت المجاني اللازم له ولأصدقائه لكي يجدوا العيوب والثغرات الأمنية في برامجها. وحي انهارت الشركة تفاوض غيتس بجرأة على شراء أشرطة برامجها الثمينة بأبخس الاسعار ثم باعها بربح ممتاز.
ولما كان غيتس يتمتع بالمعرفة الاكاديمية والمهارة اللازمة للمغامرة في مشاريع الاعمال، فإنه لم يجد أي صعوبة في الالتحاق بجامعة هارفارد بعد تخرجه عام 1973 من ليك سايد. وكانت أواخر الستينات وأوائل السبعينات فترة تتميز بالاضطرابات الطلابية في اوروبا وأميركا. ولكن بينما كان زملاء غيتس يفضلون الاشتراك في الاحتجاجات والغياب عن المحاضرات كان هو يغلق الباب على نفسه في غرفة الكومبيوتر الرئيسية لاجراء التجارب والاختبارات التي لا نهاية لها على الشيفرات والمفاتيح. ويقول البعض انه كان في بعض الاحيان يتفحص سلات المهملات لكي يرى ما اذا كان زملاؤه او اساتذته اهملوا شيئاً ما يمكنه ان يستفيد منه. وفي هذا ما يدل على انه كان يبحث دائماً عن الفرص الجديدة لا سيما تلك التي ربما اغفلها الآخرون.
الثنائي الناجح
كذلك كان صديق طفولته بول ألن يبحث عن الفرصة الرئيسية. اذ انه كان درس في جامعة ولاية واشنطن ولكنه قرر السفر الى الشرق ليحصل على عمل في شركة الكومبيوتر المعروفة "هوني ويل". ونظراً لقرب بيل وبول من بعضهما شرعا في الالتقاء بصورة منتظمة ودراسة أفضل السبل لتحقيق احلامهما التكنولوجية. وكان كل منهما يؤمن ايماناً راسخاً ان الكومبيوتر سيغير حياتنا الى الافضل. ولهذا أدرك الرجلان، عندما نزل الكومبيوتر الشخصي "ألتير" Altair الى الأسواق عام 1975، حقيقتين اساسيتين: الأولى هي ان المستقبل يكمن في الانتقال من اجهزة الكومبيوتر ذات الاطار الضخم الى الاجهزة الصغيرة التي يمكن استخدامها في مكان العمل وفي المنزل ايضاً. والثانية هي ان اي شركة يمكنها بقدر بسيط من الذكاء ان تنتج اجهزة الكومبيوتر لكن الذي يلزم هو البرامج السهلة الاستخدام التي يستطيع الناس من خلالها استخدام تلك الاجهزة.
وهكذا أصبح لدى غيتس وألن مهمة اساسية هي كتابة البرامج التي ستساعد على تسيير عصر المعلومات الجديد. وشعر غيتس ان الجامعة تقف حائلاً في وجه تحقيق هدفه ولهذا قرر تركها قبل اكمال دراسته مما أغضب والديه.
مايكروسوفت
وفي صيف 1975 ظهرت شركة مايكروسوفت الى حيز الوجود. والاسم هو جمع للجزء الأول من كلمتي "مايكرو كومبيوتر" و"سوفت وير".
وسرعان ما اكتشف بيل ان الحياة العملية ليست على تلك الدرجة من السهولة. اذ كان على شركته ان تكافح من اجل البقاء. وأدرك بذكائه البالغ ان خير وسيلة امام شركته هي ان تتحد مع احدى الشركات الكبرى. ومن حسن حظ غيتس ان اكبر شركات الكومبيوتر في العالم وهي "آي. بي. إم" كانت تواجه مشكلة آنذاك. اذ كانت الشركة تعتزم انزال كومبيوتر شخصي الى الاسواق لكنها كانت تفتقر الى المفتاح الملائم الذي يلزم لكي يعمل هذا الكومبيوتر الشخصي بفعالية وبساطة. وهنا ظهر غيتس ب "MS-DOS". ورحب به مدراء "آي. بي. ام" المعروفون بحذرهم الشديد بصفته المنقذ الذي كانت تنتظره الشركة. وهكذا بدأ بيل غيتس هيمنته على سوق البرامج لمدة عشرين عاماً. ولم يقتصر الأمر على استخدام اكثر من 120 مليون كومبيوتر في مختلف انحاء العالم MS-DOS فحسب، بل وأصبحت شركة مايكروسوفت اغنى واكثر ربحاً من "آي. بي. ام" نفسها.
وغيتس على درجة كبيرة من الذكاء وبعد النظر. واذا ما قررت أي شركة في العالم ان تغزو ميدانه فإنه يمكنه ان يجند موظفيه الذين يزيد عددهم على 15 ألف شخص خلال ثوانٍ لخوض المعركة التكنولوجية. فحين خرج المبتكرون العباقرة في شركة أبل بكومبيوتر شخصي جديد بنظام عمل أفضل وأبسط كثيراً من نظام MS-DOS وهو نظام يعتمد على حركة الرموز على الشاشة بدلاً من الاوامر المجردة في MS-DOS سارعت مايكروسوفت الى الرد على ذلك بنظام مماثل أطلقت عليه اسم "نوافذ" "Windows" ونظراً للعدد الهائل من اجهزة الكومبيوتر المختلفة والكومبيوتر الشخصية من صناعة آي. بي. ام في جميع انحاء العالم فقد حققت نوافذ مايكروسوفت نجاحاً أكبر كثيراً من نظام أبل. وهي مركبة الآن في حوالى خمسين مليون كومبيوتر. ومعنى ذلك ان مايكروسوفت باعت من البرامج خلال العام الذي ينتهي في تموز يوليو 1995 ما قيمته 5940 مليون دولار وحققت أرباحاً تزيد على 1450 مليون دولار. ومع نزول "نوافذ 1995" فمن المرجح ان ترتفع الارباح الى أرقام خيالية جديدة. والشيء الذي يثير الاعجاب في ذلك هو ان كل هذا النجاح يعود بالدرجة الاولى الى بعد نظر شخص واحد. وليس من المبالغة القول ان غيتس بالنسبة الى عصر المعلومات أشبه بروكفيلر بالنسبة الى عصر النفط وهنري فورد بالنسبة الى عصر السيارة. فقد كان كل واحد من هؤلاء الرجال الثلاثة يمثل مزيجاً نادراً من "الاستراتيجي والعالم ورجل الاعمال".
والسؤال الذي يسأله الكثيرون هو عن طبيعة شخصية غيتس. والحقيقة هي ان الاجابة عن هذا السؤال صعبة. اذ ان صوره الرسمية تظهره كشخص هادئ جداً. وهذا المظهر يدل الى درجة كبيرة على طبيعة الرجل الداخلية. فزملاؤه في مايكروسوفت يتحدثون عن رئيسهم الذي لا يسمح لنفسه أو لكبار المدراء في شركته بالتعامل مع عملهم بأي عاطفة. فهو يصر على اتخاذ القرارات من منطلق المنطق والعقل البحت. لكن هذا لا يعني عدم اقدامه على المغامرة أو المجازفة. فقد عرف عنه انه كان مقامراً وكان يمضي ليالي حتى ساعات الصباح في لعب القمار في هارفارد. وهو يعرف جيداً ان المنافسة في دنيا برامج الكومبيوتر على أشدها وان منتجات شركته هي التي تقرر مدى جودتها. ولذا فالضغوط في المقر الرئيسي للشركة مستمرة لا سيما وان جميع العاملين في شركة مايكروسوفت يعرفون جيداً ان رئيسهم يمكنه ان يقوم بعمل أي واحد منهم بل وبصورة أفضل منهم جميعاً.
وبيل يثمن الوقت ولذا فهو يكره اضاعة أي ثانية سدى. ويقول الكثيرون انه لم يصل الأربعين من عمره، لكن الواقع هو ان صوره الشخصية تجعله يبدو أصغر كثيراً من سنواته الاربعين. وهو يستمتع بلعب التنس والشطرنج مع ان ادارة شركة ضخمة مثل مايكروسوفت لا تتيح له الوقت الكافي لممارسة الكثير من الهوايات. وحين تزوج بيل في الآونة الاخيرة من ميلاندا فرينش وهي مديرة تسويق في مايكروسوفت اعتقد منافسوه ان هذا الزواج سيفقده تلك الرغبة في التفوق على الآخرين ومنافستهم. كذلك اعتقدوا ان بناء قصره الجديد المعروف باسم "المدينة" بكلفة أربعين مليون دولار سيحول اهتمامه عن الشركة. لكنه خيّب آمالهم حين أعلن ان كل هذه الامور لن تؤثر في شيء. وليس في وسع المرء الا ا ن يشعر بالاعجاب تجاه غيتس وتجاه تصميمه وعنفوان شخصيته وبعد نظره وما الى ذلك من الصفات التي ساعدته على تحقيق تلك الاحلام. الا ان هناك من يشعرون بالقلق من تركيز كل تلك القوة في يدي رجل واحد، يسيطر على اتخاذ الكثير من القرارات الرئيسية التي يمكن أن يكون لها مضاعفات خطيرة على معظم سكان هذه المعمورة. ويقول هؤلاء انه يفتقر الى رقة الاحاسيس كما أن الجوانب الجمالية لا تؤلف جزءاً مهماً من حياته ووجوده. وهم يشيرون الى أن الشخص الذي يزور مركز مايكروسوفت في سياتل سيجد بيئة عملية لا تختلف عن صفات بيل القاسية. لكن كل هذا يشكل انتقادات بسيطة نسبياً بالمقارنة مع الانطباعات التي خرج بها برايان أيليارد مراسل صحيفة "صنداي تايمز" الذي أجرى حواراً مع غيتس وبعض كبار مساعديه في مايكروسوفت. اذ يقول أيليارد: "هؤلاء الناس ليس لديهم أي سحر شخصية أو نضج... فهم أشبه بالصبية ويفتقرون الى نوع من الاتصال الحاسم مع العالم. وهناك الكثير من القصص عن الألعاب المفاجئة الصاخبة الرامية الى تبديد التوتر في مايكروسوفت، كما أن تاريخ بيل الخاص في مجال الترفيه تاريخ عنيف وصبياني ويتسم بالاكراه". أضف الى ذلك القصص التي تتحدث عن قسوة غيتس وعدم شعوره بأي رأفة حين يتعلق الأمر بالمنافسة فانك تخرج بصورة تبعث على القلق بسبب النزعة الاحتكارية الشديدة في مايكروسوفت. وهناك الكثيرون في الحياة الأميركية العامة ممن يشتركون معك في هذا الرأي. ومنذ سنوات عدة ومايكروسوفت تتعرض للتمحيص المركز من مكتب المنافسة التجارية الاتحادي في واشنطن. لكن المكتب لا يعرف ما الذي يجب عليه أن يفعله لا سيما وأن مايكروسوفت أصبحت بعد انهيار آي. بي. إم النقطة المركزية التي تبرز الجرأة التكنولوجية الأميركية كما أنها أصبحت مصدراً رئيسياً لتأمين الأعمال وللتصدير.
مايكروسوفت - الشركة
"نحن نحدد المعايير والمستويات". هذا هو شعار مايكروسوفت منذ تأسيسها قبل عشرين عاماً. وحين نلقي نظرة على منتجات الشركة نرى أن هذا الشعار ليس مجرد كلام. والواقع ان غيتس يواصل تردىد الشعار الى أن يصبح جزءاً من التركيبة النفسية للعاملين في شركته. ولكن مع أن التفكير الايجابي سلاح فعال جداً فإنه ليس سوى جزء من ترسانة مايكروسوفت. اذ تشير الأبحاث التي أجرتها كلية سلون للإدارة التابعة لمعهد ماساشوستس المرموق للتكنولوجيا الى أن من بين العوامل المهمة التي جعلت مايكروسوفت أنجح شركة لبرامج الكومبيوتر في العالم استراتيجية عبقرية قائمة على خمس مراحل:
أولاً، الحقيقة المعروفة وهي ان الشركة لا تستخدم سوى أفضل المواهب في المجال التجاري ومجال الكومبيوتر. وثانياً عدم السماح بانغلاق الموظفين أو الدوائر على أنفسها. ففي الأيام المبكرة كانت مايكروسوفت تتألف بالدرجة الأولى من مجموعة من الشباب الموهوبين القادرين على تحليل أسرار الكومبيوتر. أما اليوم فقد أصبحت الشركة تفتخر بما لديها من كتّاب برامج وموظفي تسويق وواضعي استراتيجيات، وهي تشجع الجميع على الحديث الى الآخرين لكي يفهم كل شخص ما الذي يجري على الجبهة التجارية من سوق البرامج وما الذي يجري أيضاً في ميدان الأبحاث والتطوير. وهكذا قضت مايكروسوفت على تلك الحواجز المتزمتة الموجودة بين الأقسام المختلفة في الشركات الأخرى لأن هذه الحواجز وعدم الاتصال بين الأقسام والدوائر المختلفة يمكن أن تؤدي الى ارتكاب أخطاء جسيمة.
أما شعار مايكروسوفت في مجال التطوير فربما يثير الدهشة لدى الآخرين وهو: "لا تفرطوا أبداً في طموحكم". فالمرحلة الثالثة من استراتيجية الشركة هي البدء بمفهوم بسيط وتطويره مع مرور الزمن. وحين نلقي نظرة على طريقة الشركة في تحسين "النوافذ" نرى بوضوح أننا نحصل على "نوافذ" أفضل وأكثر فعالية كل سنة. وفي سياسة التطوير هذه ما يقلل من عناصر المجازفة الى أدنى حد وما يساعد الشركة بالتالي على استرداد استثماراتها الهائلة بسرعة والبدء في تحقيق الأرباح.
وفي جوهر استراتيجية مايكروسوفت المرحلة الرابعة وهي التفكير والعمل في مختلف دوائر الشركة بصورة متوازية لا بصورة متعاقبة أو متتالية. وبهذه الطريقة تنجح الشركة الى درجة كبيرة في تفادي الطريقة التقليدية في تطوير منتوج ما خطوة خطوة، في مرحلة التحليل، ومرحلة التصميم ومرحلة البرمجة وأخيراً في مرحلة الاختبار والتجربة. اذ أن غيتس يفضل أن تعمل أعداد كبيرة من الناس في جميع هذه المراحل في الوقت نفسه. أما المشكلات فيتم حلها عن طريق عقد الاجتماعات الدورية والمنتظمة لتسوية الخلافات وضمان الاتساق والتجانس بين جميع الدوائر. وفي هذه الاستراتيجية ما يعطي الشركة القدرة على انزال منتوجها الى السوق بسرعة تفوق كثيراً سرعة منافسيها.
وأخيراً، ليس من المهم أن تنزل الشركة الى السوق بمنتوج ناجح أو فاشل لأن هناك دائماً مرحلة التقويم والتحليل لمعرفة أوجه الفشل وأسبابها. ويصر غيتس على أن يواصل موظفوه عملية التعلم مهما كانت النتيجة.
هذا الاستعداد للارتجال والابتكار والتغيير في منتصف الطريق، يتنافى مع الأعراف التجارية المألوفة. وعلى رغم النجاح الخيالي الذي حققته مايكروسوفت فإن غيتس يحرص على عدم تقاعس موظفيه، كما ان الشركة تختار الكثيرين من واضعي برامجها من الشباب الذين يظهرون تفانياً في عملهم وهوساً تجاه الكومبيوتر واحساساً بالمغامرة. وهناك الكثير من القصص عن بعض العاملين في مايكروسوفت الذين ينامون في أماكن عملهم. لكن غيتس يعرف أن هؤلاء لا يقضون كل تلك الساعات لمجرد حبهم لشركتهم وانما يتوقعون المكافأة عن تلك الجهود. ومع أن الشركة لم تكن تدفع رواتب اكثر من منافساتها اطلاقاً فانها سجلت نجاحاً فريداً عام 1986 حينما طرحت اسهمها للاكتتاب العام وأعطت الفرصة لموظفيها ليصبح الكثيرون منهم أصحاب ملايين، عن طريق شراء تلك الأسهم.
أشخاص قديرون
وعلى رغم الدور الفريد الذي قام به غيتس في الشركة فإنه لا بد من ذكر بعض الاشخاص الذين تستحق مساهماتهم فيها الاشادة. وفي وسعنا أن نقول انه ما كان للشركة أن تحقق ذلك النجاح لولا المساهمة المبكرة فيها من بول ألن الذي أسسها مع غيتس، وأصبح يركز نشاطه مع مرور الأيام على الجوانب الادارية للشركة. وفي أوائل الثمانينات تولى المسؤولية عن أنظمة تشغيل الشركة والمنتجات التطبيقية فيها. وكان آخر مشروع كبير يعمل فيه هو تطوير نسخة من نظام "بيسك" يمكن تكييفه بسرعة ملاءمة أي كومبيوتر خلال ساعات قليلة. وربما كانت الطبيعة المرهقة للعمل في مايكروسوفت اكبر من أن يتحملها ألن. ففي العام 1982 اكتشف أنه يعاني من مرض هوجكن وهو نوع من السرطان الليمفاوي. وبفضل العلاج الذي تلا اكتشاف اصابته بالمرض ظل على قيد الحياة، بل وأخذ المرض ينحسر. وأسس ألن شركة خاصة به لتطوير برامج الكومبيوتر وهي آسيمتركس. لكن اسهمه في مايكروسوفت جعلته واحداً من أثرى الناس في الولايات المتحدة. اذ تشير التقديرات الى أن ثروته تزيد على ألفي مليون دولار. كما أنه يتمتع بهوايته الرياضية وهي كرة السلة. وبلغ من حبه لهذه الهواية أن اشترى فريقه الخاص وهو بورتلاند تريل بليزارز بحوالي سبعين مليون دولار.
ونظراً لكثرة انتشار من يدعون أنهم مبرمجون ممتازون أدرك غيتس وألن انهما بحاجة الى مسؤول ممتاز عن التسويق. وهكذا انضم ستيف بالمر الى الشركة عام 1980. وكان بالمر صديقاً لغيتس في هارفارد، لكنه واصل دراسته، على عكس غيتس، وبعد تخرجه من هارفارد تابع دراسته العليا في مجال ادارة الأعمال في جامعة ستانفورد. وهو أقل شهرة من غيتس وألن، لكنه صاحب الفضل في تحويل الشركة الى احدى الشركات الاميركية العملاقة. واستفاد في تحقيق هذه المهمة من خبرته السابقة مع احدى كبريات الشركات الاميركية وهي شركة "بروكتار أند غامبل". وقد بدأ العمل مع مايكروسوفت براتب أكبر من راتب غيتس نفسه، وحصل على نسبة خمسة في المئة من الاسهم. وسرعان ما أثبت جدواه للشركة حين تفاوض مع آي. بي. إم على اتفاق تزويدها بالبرامج. وكان بالمر هو الذي أغرى شارلس سيموني بالانضمام الى مايكروسوفت. وكان سيموني مشهوراً في مجال صناعة الكومبيوتر بسبب عمله في كومبيوتر "برافو" وهو أول جهاز كومبيوتر في العالم يستخدم الرسوم في مركز "زيروكس بالو ألتو" للأبحاث. وهكذا كان ستيف بالمر واحداً من أبناء ذلك الجيل الفريد في مايكروسوفت الذين أصبحوا جميعا أصحاب بلايين.
أما سيموني فقد ساعد بما لديه من خبرة مايكروسوفت على تطوير برامجها انترفيس مانيجر في كانون الثاني/ يناير 1992 وتطوير النماذج المبكرة من "النوافذ" لعام 1990 قبل أن يفاجئ العالم "بنوافذ 1995".
وبمثل هذا الفريق الفذّ يمكن أن نقول ان غيتس لا يزال يتمتع بفرصة ممتازة لاحتكار سوق البرامج العالمية. لكن الضغوط ليست سهلة. ففي الكلمة التي ألقاها في شباط فبراير 1993 للاحتفال في مناسبة الذكرى السنوية الخامسة والعشرين لاقامة دائرة علم الكومبيوتر في جامعة واشنطن ألمح غيتس الى بعض مشاعر القلق لديه ولدى مساعديه. اذ قال: "اننا نشعر بالخوف طوال الوقت. وفي كل يوم نتساءل: هل وصلنا الى ذروة ما يمكن أن نصل إليه؟".
ولكن على رغم مشاعر القلق هذه فإن المستقبل يبشر بالخير لشركة مايكروسوفت على المدى القصير والطويل أيضاً: فخلافاً لشركة آي. بي. إم قصرت مايكروسوفت كل جهودها على البرمجة ولم تدخل عالم الأجهزة. وقد أصبحت صناعة البرامج لا الأجهزة هي التي تهيمن هذه الأيام على صناعة الكومبيوتر العالمية. وكما يقول والاس وإريكسون في كتابهما عن سيرة حياة غيتس: "لقد استطاع غيتس بذكائه وانتهازيته ومثابرته وعنفوانه وخداعه، وبفضل الحظ الذي حالفه أن يهيمن على السوق".
ولكن هل هذا صحيح؟
الواقع ان على غيتس ان يواصل المقامرة لكي يحافظ على بقاء شركته في الصدارة. ففي الآونة الأخيرة قام بأكبر مقامراته وهي نوافذ "إن تي" NT، وهي اختصار لكلمتين بالانكليزية معناهما التكنولوجيا الجديدة. ويقول تقرير لبنك فيرست بوسطن عن تطوير نوافذ "إن تي": "ان ما تحاول مايكروسوفت فعله في الواقع هو انتاج أجرأ برامج الكومبيوتر التي يضعها الانسان حتى الآن". وإذا ما سارت الأمور على ما يرام فإن "إن تي" لن تطغى على "DOS" فحسب، بل وستصبح الرمز المشترك بين جميع اجهزة الكومبيوتر من كبيرة وصغيرة. بمعنى آخر ستسيطر مايكروسوفت على بيئة نظام تشغيل الكومبيوتر من أصغر الأحجام حتى أضخمها. ويبدو مرة أخرى ان غيتس أوجد المنتوج المناسب في الوقت المناسب. وقد بدأت الشركات المختلفة فعلاً تقلل من ضخامة حجم عمليات الكومبيوتر فيها وتلغي نظام المركزية من تلك العمليات مما يعني أنها تحتاج الى حل برامجي شامل. ويعتقد الكثيرون من رجال الصناعة أن نوافذ "إن تي" هي الحل!
وحيثما يذهب بيل غيتس تذهب على الأغلب معظم مصالح أعمال الكومبيوتر. وفي كتاب غيتس الجديد يقول ان شبكة المعلومات الجديدة "سوبر هاي واي" المعروفة لدى الناس باسم شبكة انترنيت، هي التي ستهيمن في نهاية المطاف على كل شيء: إذ أنها ستتفوق على الهاتف والتلفزيون والصحف والمجلات. والواقع انه قرر المقامرة بجزء كبير من مستقبل مايكروسوفت على شبكة انترنيت. فهو يرى أن العائلات العادية في المستقبل ستكون على اتصال بشبكة انترنيت من خلال أجهزة "فيديو ذكية... تكون عبارة عن تطوير لأجهزة الكومبيوتر الشخصية المتوفرة هذه الأيام... وسيكون هذا بشيراً بتغييرات في قطاع واسع من المجالات، كيف نفكر في التسوق وفي الحصول على المعلومات وفي التسلية والتعلّم أو ادارة مصالح الأعمال والحياة في المدن وما الى ذلك".
ويقول غيتس ان البشر سيشكلون في المستقبل مجتمعات عفوية من الناس الذين يشتركون في الاهتمامات أيضاً وليس من الناس الذين يشتركون في الحيز الجغرافي وحده. وهو يتوقع أن تكون المضاعفات الاجتماعية لذلك هائلة. إذ أن الناس سينزحون عن المدن لأنه لن يعود هناك ضرورة لديهم للسفر بالقطارات أو السيارات الى مراكز عملهم. وستصبح عملية التسوق عبارة عن طلب السلع والبضائع من خلال الكومبيوتر الشخصي. وستصبح الديموقراطية أيضاً أمراً ممكناً من خلال الاستفتاءات الالكترونية.
وهكذا قامر غيتس بسمعته وبجزء هائل من أمواله الضخمة على حدوث كل ذلك في المستقبل. والزمن هو الوحيد الذي سيكشف لنا عما إذا كان غيتس مصيباً أم لا في تلك التوقعات.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.