لا يزال الكويتيون يذكرون جيداً حادث الحدود الكويتية - العراقية عام 1973 عندما تعرض مخفر "الصامتة" لهجوم من قوات الجيش العراقي. وعقب الحادث طلبت الحكومة الكويتية من عضو مجلس الأمة الدكتور احمد الخطيب السفر الى بغداد لاستطلاع اسباب الحادث بحكم علاقته الدراسية مع صدام حسين في مصر عندما كان الأول يقدم للثاني المساعدات المالية. وحسب مصادر مطلعة في الكويت فان قيادة حزب البعث بررت الحادث على اعتبار انه تصرف غير مسؤول لأحد قادة الجيش نتيجة لمعرفته المسبقة بقرار احالته للتقاعد وأراد بهذه العملية المحدودة الاساءة للعلاقات الكويتية - العراقية. ولم يقتنع الكويتيون فعلاً بهذا "التفسير" العراقي للحادث، لكنهم "تبنوه" حرصاً منهم على عدم تصعيد الأمور مع "الجارة الكبرى". بين حادث "الصامتة" واليوم وقع الغزو العراقي للكويت في آب اغسطس 1990. والكويتيون حاليا، كمسؤولين ومفكرين ومواطنين عاديين، لا يريدون العيش على الأوهام، بل ينوون اتخاذ اجراءات لا سابق لها لحماية بلدهم من اي عدوان عراقي محتمل في المستقبل القريب او البعيد. وعلى هذا الأساس برزت فكرة انشاء "جدار أمني" او "سور دفاعي" متطور للغاية لحماية الكويت. وقد وضع المسؤولون الكويتيون المعنيون بهذا الموضوع دراسات وتصورات أولية تقضي بإنشاء سور دفاعي على طول الحدود الكويتية - العراقية البالغة 207 كيلومترات والتي تبدأ من ميناء ام قصر على الخليج العربي وتنتهي في وادي العوجة عند مثلث الحدود الكويتية - السعودية - العراقية. وقد اطلعت "الوسط" على هذه الدراسات والتصورات التي تظهر ان حجم التسلل من العراق الى الكويت يكثر من منطقة ام قصر بسبب وجود المزارع والمباني السكنية، بينما يسهل كشف التسلل بواسطة السيارات في المناطق الصحراوية الاخرى. وتحدد الدراسة الرئيسية للمشروع ان متطلبات هذا السور تحتاج الى مساحات شاسعة لاقامة الخنادق الالكترونية المزودة بالالغام "تبلغ مساحة الواحدة منها الف متر مربع وتدار وفق احدث التكنولوجيا". وتقدر الدراسة ان التكاليف الاجمالية للمشروع قد تصل الى اكثر من مليار بليون دولار اميركي. "الوسط" التقت السيد سعود العصيمي وزير الدولة للشؤون الخارجية سابقاً وعضو اللجنة الوطنية للسور الدفاعي والتي تضم في عضويتها 13 شخصاً آخرين. وشرح العصيمي تفاصيل المشروع لپ"الوسط" فقال: "فكرة اللجنة تنبع من منطلق البحث عن قنوات المشاركة الشعبية الكويتية في مرحلة ما بعد التحرير، وان كانت الفكرة هي امتداد تاريخي للأسوار الثلاثة التي بنيت في بداية نشأة الكويت. وتهدف الى قيادة حملة داخلية لتذكير الشعب الكويتي، باستمرار، بأهمية بناء الكويت في مرحلة ما بعد التحرير". وأوضح ان السور الجديد لن يكون مجرد بناء كالاسوار السابقة، بل سيكون مزوداً بأحدث المعدات التكنولوجية وسيكون بمثابة مصيدة للمدرعات والدبابات، اذا فكر العراقيون بغزو الكويت ثانية. ويبدو واضحاً من كلام العصيمي ومن الدراسات المعدة لهذا المشروع ان السور الجديد او "جدار الكويت" يتألف من 4 خطوط دفاعية: 1 - الخط الأول يتألف من نقاط مراقبة مزودة بآلات تصوير فيديو الكترونية لمراقبة أية تحركات أو عمليات تسلل على الحدود. 2 - خط الدفاع الثاني هو عبارة عن حواجز خرسانية ضخمة ذات قواعد صلبة توازي في قوتها ناطحات السحاب. وستقام هذه الحواجز على ارتفاع 120 متراً بمساحة اجمالية للحاجز الواحد تبلغ 300 متر مربع. وستكون هذه الحواجز على شكل اشخاص متشابكي الأيدي. 3 - خط الدفاع الثالث يتألف من اسلاك شائكة متحركة تقام على قواعد خرسانية ثابتة وتكون مكهربة الكترونياً بطاقة ذات تردد عال جداً تصعق من يقترب منها عن بعد 50 متراً ويبلغ الارتفاع المتوقع لهذه الاسلاك الشائكة نحو 100 متر. 4 - خط الدفاع الرابع هو عبارة عن خنادق الغام طويلة وعريضة وذات عمق يبلغ المئة متر مرتبطة بنظام الكتروني متطور يحول دون تقدم الآليات او الدبابات او القوات المعادية. وأوضح العصيمي لپ"الوسط" ان حملة جمع التبرعات لإنشاء هذا السور ستتزامن مع بدء لجان الأممالمتحدة بوضع علامات ترسيم الحدود بين الكويتوالعراق، ولذلك ستبدأ في ايلول سبتمبر المقبل وتستمر حتى كانون الأول ديسمبر 1992. وسيتم تسليم مساهمة الشعب الكويتي الى السلطة التنفيذية، واللجنة الوطنية لن تتدخل في تفاصيل التنفيذ. وأشار العصيمي الى ان بعض الترتيبات المقترحة تتضمن وجود مشاركة شعبية مباشرة في عملية بناء السور سواء بالجهد او بالدراسات والابحاث الفنية، وهناك اقتراح بفتح مجال المشاركة لطلبة المدارس والمتقاعدين والصيادين والجمعيات العامة والاندية الرياضية. وشدد على اهمية التركيز على ان فكرة السور ليست حكومية بقدر ما هي مبادرة شعبية، ولن تكون تجسيداً للاقليمية بين الدول العربية، كما تقول بعض الانظمة العربية، على اعتبار ان حقول الالغام موجودة في الوقت الراهن على الحدود بين بعض الدول العربية. أوضاع العراقيين والفلسطينيين والآخرين ما هي أوضاع الفلسطينيين والاردنيين والسودانيين والعراقيين انفسهم في الكويت حالياً؟ أثارت "الوسط" هذا الموضوع مع المقدم محمد الفهد مدير مكتب ارتباط المنظمات الدولية في وزارة الداخلية الكويتية. وقال الفهد لپ"الوسط" ان هناك عدداً من المواطنين العراقيين صدر بحقهم قرار يقضي بإبعادهم عن الكويت، لكن هؤلاء "لا يزالون في أرضنا يتنقلون بحرية وليسوا معتقلين في السجون"، موضحاً ان المفوضية العامة لشؤون اللاجئين أبرمت اتفاقاً مع وزارة الداخلية الكويتية لتزويد هؤلاء العراقيين وغيرهم بشهادات عدم تعرّض يطلب نصها مساعدة حاملها على التنقل داخل الكويت، على اعتبار انهم لاجئون الى حين موافقة إحدى الدول على منحهم حق اللجوء السياسي. وذكر ان وكالة غوث اللاجئين الدولية بحثت اخيراً مع وزارة الداخلية الكويتية مشاكل الفلسطينيين من حملة الوثائق المصرية لإيجاد حلول لمن لم يحصل منهم على اذن الاقامة داخل الكويت، وتم حصر 1200 عائلة حتى الآن، الا انه من المتوقع ان يصل عددهم الاجمالي الى عشرة آلاف شخص، خصوصاً ان بعضهم لم يعلن عن وجوده حتى الآن بانتظار ان يتم اتفاقه مع الكفلاء للحصول على اقامات جديدة. وقال المقدم الفهد انه ليست هناك قيود مفروضة على تأشيرات العمل للفلسطينيين والسودانيين والاردنيين للدخول الى الكويت، وأضاف ان مشكلة الاشخاص الذين يحملون جنسية "بدون" انحسرت بعد ان اثبتوا، بغالبيتهم، مواطنهم الاصلية وعادوا لمزاولة اعمالهم بوثائقهم الاصلية. وكشف عن موافقة وزير الداخلية الكويتي احمد الحمود الصباح على قبول ألفي شخص من هذه الفئة في قطاعات وزارة الداخلية. عمليات التسلل وأوضح المقدم الفهد ان منطقة الحدود الكويتية - العراقية شهدت عمليات تسلل كثيرة إلا انها انخفضت بسبب وجود شريط الالغام والذخائر غير المنفجرة على طول الحدود مع العراق، وقال ان "التحقيق مع المتسللين، وعادة ما يكونون هاربين من تدني مستوى المعيشة في جنوبالعراق، يتم بإشراف اللجنة الدولية للصليب الاحمر التي تقرر امكانية ترحيلهم الى دول اوروبية كلاجئين او الى معسكر رفحاء في السعودية، ان كانوا من العسكريين، وإعادة من لا خطر عليهم الى العراق". وأوضح ان قوات الاممالمتحدة لحفظ السلام العاملة في المنطقة المنزوعة السلاح، بواقع خمسة كيلومترات داخل الأراضي الكويتية وعشرة كيلومترات داخل الاراضي العراقية، حددت برنامج عملها لمنع وجود اي جنود في هذه المنطقة سوى 20 مركزاً للشرطة الكويتية ومثلها عراقية تدعم عملها وتراقبه ثلاثة مراكز مراقبة رئيسية للقوة الدولية تسجل مشاهداتها لأية انتهاكات يمكن حدوثها، وتعقد اجتماعات دورية مستمرة مرة كل اسبوع مع كبير العسكريين من القوة الدولية. وطلب المقدم الفهد عدم استعجال الاجابة على تقارير منظمة العفو الدولية التي سجلتها بعد التحرير مباشرة عن الممارسات الخاطئة، وقال ان الإجابة على هذه التقارير "تحتاج الى وقت كاف حيث لا يمكن تحديد المسؤولية في بعض القضايا بشكل سريع من دون التأكد من وقائعها التفصيلية، فأحياناً نكتشف ان شخصاً ورد اسمه في قائمة المطلوب الاستفسار عنهم من اللجنة الدولية للصليب الأحمر قتل على يد شخص آخر تصفية لحسابات شخصية بينهما، وما زالت القبور التي دفن فيها الموتى اثناء الاحتلال العراقي للكويت بحاجة الى لجنة من الخبراء في علم الوراثة والأدلة الجنائية لحصر الموتى الموجودين فيها ومعاينتها بموجب فتوى شرعية". وقال ان "سجون الكويت مفتوحة لأي مراقب وليس لدينا ما نخفيه". وكشف ان نظام أمن الدولة الذي يفترض، ان يكون سرياً، تطلع لجنة الصليب الأحمر الدولية على أعماله اسبوعياً، بينما يبقى ما يثار من قضايا الخادمات "غير واقعي" على اعتبار انها مشكلة طبيعية تمت دراسة حلولها منذ عام 1988. واعتبر ان طلب رئيس لجنة الصليب الاحمر الدولية في الكويت تزويد المساجين بالصحف والشاي هو "دليل واضح على توفير المتطلبات الاساسية للحفاظ على كرامة الانسان داخل هذه السجون". وأشار المقدم الفهد الى الانجاز السريع الذي حققته الكويت في اسبوع واحد للتغلب على مشكلة مخيم اللاجئين العراقيين في منطقة العبدلي "الذي كان يضم 460 لاجئاً" حيث قامت اللجنة الدولية للصليب الاحمر والهلال الاحمر الكويتي بالبحث عن اقارب لهؤلاء اللاجئين داخل الكويت، وبالفعل تم استيعاب اعداد كبيرة منهم وإسكانهم في منازل حكومية، وساهمت المفوضية العليا لشؤون اللاجئين بدفع بعض الاعانات المالية مع ما قدمته الحكومة الكويتية من بطاقات تؤمن لهم الخدمات الصحية والغذائية، عدا 26 شخصاً منهم تم توطينهم كلاجئين في السويد والنروج بسبب المخاطر التي تهددهم في حال عودتهم الى العراق.