من هي بشاير محمد؟ سألت نفسي هذا السؤال الصغير والبسيط كثيراً وأنا أتابع الصعود الصاروخي لهذا الاسم الجديد الذي بدأ في اجتياح المشهد الثقافي والأدبي السعودي في الفترة الأخيرة، وكأنه - أي ذلك المشهد - بدأ في التنازل عن شعرائه وروائييه وكتابه ومثقفيه ورواده من أجل عيون هذه الفتاة القادمة من أطراف الهفوف في الأحساء بلد التمر والعلم والأدب والشعر والتاريخ والتجارة والطيبة والحضارة، هذه الواحة المسكونة بعبق الأصالة، ونبوغ المستقبل، وليس عجباً ولا مستغرباً وجودها الطموح والملفت بين 77 بيئة طبيعة لاحتلال مركز متقدم في قائمة عجائب الطبيعة السبع في العالم! أترك الأحساء الجميلة وأعود لفتاتها النجيبة"بشاير محمد"المتخصصة في اللغة العربية، والمعلمة في إحدى المدارس الثانوية للبنات، فقد صدر ديوانها الأول"خيلاء العتمة"قبل فترة قصيرة واحتفت به معظم الأوساط الأدبية والثقافية، ووجد فيه النقاد والمهتمون بالشعر بشارات قوية لمولد شاعرة واعدة تُثير الدهشة والإعجاب... ولكن سرعان ما دفعت هذه الشاعرة الفتية الرائعة أشرعتها لتبحر في غير"بحور الشعر"، الصاخبة أمواجها، والمتلاطمة تياراتها، والبعيدة أعماقها، - بعد مفاجأتها الجميلة والرائعة بإصدار ديوانها الأول- لتأتي مفاجأتها الثانية التي لا تقل جمالاً وروعة عندما أصدرت روايتها الأولى ثمن الشوكولاتة لتلج بها إلى عالم الرواية الأكثر رحابة والأوسع أفقاً... رواية ما أن تقرأ سطورها الأولى حتى تمسك بتلابيبك وترغمك على متابعة رحلة الضياع مع شخوصها القلقين التائهين في دروب الحياة! ديوان، ورواية، ومقالات متفرقة هنا وهناك وبعض الأمسيات الناجحة، هو كل ما نعرفه عن الپ"بشاير"ولكن الإحتفاء الذي تنعم به هذه المثقفة الموهوبة من النقاد والمثقفين، وكذلك الحضور الطاغي لها في وسائل الإعلام المختلفة يُثير الدهشة والاهتمام، فما الذي تحمله هذه الفتاة التي لم تستطع أضواء الشهرة والإعلام أن تُغير من لكنتها الاحسائية الجميلة لتستحق كل هذا الاحتفاء والاعتراف والإشادة؟ الدكتور معجب الزهراني، وهو أحد أهم النقاد السعوديين والعرب، يضع بعض النقاط على مسيرة هذه الروائية الشابة في معرض نقده لروايتها"ثمن الشوكولاتة"بمقال رائع في صحيفة"الرياض"أورد جزءاً بسيطاً منه"لقد ولت تلك الأزمنة السعيدة التي كانت تمنح حكاية واحدة معينة كامل القدرة على سرد العالم وتفسير ظواهره، وتأويل أسراره، كأننا نقول إن الحكايات التقليدية بكل أشكالها لم تعد تكفي أو تقنع هذا الجيل الجديد الذي ينتمي إليه كتابنا وكاتباتنا، فهؤلاء"الشبان والشابات"هم أبناء الراهن وليسوا أبناء الماضي كأسلافهم الأقربين، وتلك السرديات العريقة التي تولد الطمأنينة، وتستدرج مشاعر الفخر والاعتزاز لدى جيل سابق أصبحت تبدو لهم مجرد حكايات عتيقة لا كبير مفعول لها خارج نطاق الاستثمار الأدبي، والذي غالباً ما يتم من منظور نقدي ساخر، سواء جاء جريئاً مباشراً أم ماكراً متكتماً... من المنطقي تماماً إذن أن يتشكل خطاب روائي جديد مختلف عن السائد ومعارض له، فالرواية هي هكذا في كل المجتمعات الحديثة، من لديه حكاية فردية أكثر إغراء وإقناعاً من الحكايات الجماعية لا بد من أن يتمسك بها، وقد يتجرأ فيسردها على قارئ مثله يراد له أن يستمتع بها ويستمر فيها ويحاور ذاته وعالمه من خلالها... والنتيجة هي هذه"الرواية الجديدة"التي تشبه خطاب الابن العاق الذي يثير قلق العائلة بفضائحه بقدر ما ينبه إلى مواطن الخلل في حياتها وعلاقاتها، إنها إعادة تشكيل أدبي متفاوت المهارة والإتقان لثقافة يومية مختلفة تقرأ كلمات في الكتاب والمجلة والصحيفة وتسمع أخباراً في الراديو والمسجل والهاتف الثابت والجوال، وتشاهد صوراً في التلفاز والفيديو، وقد يختزل الانترنت كل هذه العمليات في اللحظة ذاتها كما نعلم"! وفي مكان آخر من الحفلة الصاخبة للاحتفاء بهذه المبدعة يضعنا الأديب الأستاذ مبارك بوبشيت في تقارب بديع مع بشاير محمد الشاعرة، وذلك في معرض دراسته الرائعة عن ديوانها"خيلاء العتمة". وقائمة المحتفين بهذه الرائعة طويلة جداً ولا يمكن الوصول لنهايتها، الكتابة عن بشاير محمد الشاعرة والروائية والكاتبة والإنسانة تحتاج إلى فضاءات أوسع ومساحات أرحب لا تتحملها مساحة صغيرة مثل هذه. [email protected]