من السهل تكذيب أساطير وأقاويل يتبادلها الناس بين الفينة والأخرى، إلا أنها حينما تحظى بدعم أضغاث أحلام، تغدو قابلة للتصديق وللارتقاء إلى درجة"الكرامات"والإصطفاء الرباني، وضرب من المعجزات أحياناً. وفي المواسم الخيرة مثل رمضان والحج، ينتظر الكثيرون، أية بارقة حلم، تكون تمهيداً لفرج ينتظرها ولو على جناح تفسير لا يمت إلى الحقيقة بصلة. ومع أن الإمام أحمد بن حنبل يقول:"الرؤيا تسر المؤمن ولا تغره"، إلا أن واقع حياة أعداد من الحالمين عكس ذلك، إذ وجد من أصيب بأرق جراء رؤيا عابرة، فأصبحت تصاحبه في كل مكان. وإذا كانت التفسيرات المنطقية والعقلية دوماً للأحلام تنهزم أمام نقيضتها عند المعبرين الذين يخوضون في الغيب بلا تردد، فإن السؤال الذي يطرح على الاختصاصين... هل أصبحت تأويل الرؤى نوعاً من ادعاء الغيب أم التنجيم المذموم شرعاً؟ يقول معبر الرؤى الدكتور محمد العصيمي:"الناس تبالغ في شأن المعبرين، ولا يراعون أنهم بشر مثلهم يصيبون ويخطئون ولا عصمة لهم، وليس لديهم إلهام، بل الإلهام للأنبياء والرسل، وعلى الناس عدم الجزم بما يقولون لهم". وذكر نماذجاً من الجهل التي يقع فيها الناس بحجة الرؤى،"وجد من الناس من دخل إلى الحرم المكي، وظن أنه مسحور بسبب حلم، وطلّق زوجته بسبب حلم منامي"، معتبراً أن اتكال الناس عليها يوسع دائرة الجهل. وشدد على حرمة ادعاء الغيب، أو محاولة كشف ما وراء الحجب، واستشراف المستقبل عن طريق قراءة الكف أو الاستعانة بالكهنة، مستثنياً تفسير الرؤى منها،"لأنها الباب الوحيد لمعرفة ما ينتظر"، وإن رفض ما تقوم به بعض القنوات الفضائية من استضافة الدجالين والمشعوذين. واستند في نقده من يسميهم الدجالين من المعبرين إلى تناقضات لهم وأكاذيب نشروها ولم تتحقق،"مثل تفسير أحدهم لرؤيا بأن القدس ستحرر في 22-2-2002 فلما أتى التاريخ سئل مرة أخرى فقال أو مضاعفات هذا العدد". ولم يجد حرجاً في الإقرار بأنه يتقاضى مقابلاً مادياً على ما يقوم به من تعبير الرؤى وتعليم تفسيرها. وبرر ذلك بأن"معلم الناس القرآن والراقي يأخذان مالاً، وما يجوز لهم يجوز لغيرهم"، موضحاً أن التفاؤل هو منهجه، الذي يتبعه في الرؤى. واعتبر الداعية الإسلامي الدكتور سلمان العودة الرؤيا قدراً مشتركاً وعلامة على أن وراء هذا الكون تقديراً وتدبيراً، وقال:"ما من أحد إلا ورأى في منامه ما يقصّه في يقظته، بل ما يجد تعبيره في المستقبل، وأطبقت كل الأمم على وجود الأحلام والرؤى، وتعاطت معها". وقسّم العودة الرؤى إلى ثلاثة أقسام بناءً على حديث الرسول صلى الله عليه وسلم:"الرؤيا ثلاثة، فرؤيا صالحة بشرى من الله، ورؤيا تحزين من الشيطان، ورؤيا مما يحدث المرء نفسه"، موضحاً أن النبي صلى الله عليه وسلم، عبر عن القسم الأول المحمود من الرؤيا ب: الرُّؤْيَا الصَّالِحَةِ وأنها بُشْرَى مِنَ اللَّهِ, وقال: هي جزء من خمسة وأربعين أو ستة وأربعين جزءاً من النبوة وقال: من رأى رؤيا تعجبه فليحدث بها فإنها بشرى من الله عز وجل، وهذا القسم: هو الرؤيا الحق وهي بشرى من الله تسر الرائي ولا تغرّه، كما قال الإمام أحمد. لافتاً إلى أن على الرائي ألا يعتقد في نفسه أنه أكمل من غيره"لأنه رأى رؤياً حسنة،"المزيّة لا تقتضي الأفضلية". وأضاف:"القسم الثاني حديث النفس"وسببه ما ينشغل به الإنسان في يومه من همّ لمسؤولياته، وتفكير في ضروريات حياته ومتطلباتها سواء في حاضره أم مستقبله، فيشتد ويجمع نفسه لذلك من بيع أو شراء أو زواج إلى غير ذلك، فيرى في منامه ما يناسبه"مؤكداً أن"هذا القسم لا يقدم ولا يؤخر شيئاً، وهو بمنزلة التفكير في اليقظة، وهو أكثر منامات الناس وأحلامهم"، والقسم الثالث، هو تحزين من الشيطان، إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا، مشيراً إلى أن شأن الشيطان مع الإنسان في اليقظة هو شأنه معه في نومه.