في بداية العام الدراسي تنقلب حياة كثير من البيوت رأساً على عقب لاستقبال الدوام الدراسي، لا سيما إن كانت الإجازة بعد رمضان كما هو الحال في هذا العام، ويتغيب كثير من الطلاب عن الدراسة في اليوم الأول في التعليم العام، ويمتد هذا الغياب إلى الأسبوع الأول في التعليم الجامعي، ويبقى أن ننظر إلى حال الأساتذة في التعامل مع هذا الأمر المزعج، سترى الأستاذ يرى القاعة الكبرى التي يتجاوز عدد مقاعدها المئة لا تحوي إلا على بضعة طلاب لا يتجاوز عددهم العشرة في معظم الأحيان، فيبقى بين شد وجزر في إعطاء المحاضرة من عدمها، ويبقى القرار مبيتاً في السابق على أن العدد لا يستحق الوقفة الطويلة، والصوت المرتفع، والجهد المهدر على عدد لا يتجاوز أصابع اليد، فيأتي القرار بمكافأة المهمل الذي التحف فراشه، وبات ليله على شاشات التلفاز يقلب القنوات، أو على الإنترنت مابين" ماسنجر، أو منتدى، أو بالتوك"، ويحتاج هذا الكسول إلى تقدير تغيبه، ومكافأة سهره وإهماله، وتؤجل المحاضرة لحضرته الكريمة، ويعاقب المجتهد الذي حافظ على موعد درسه، ووقت محاضرته بأن يبقى في الجامعة يقطع وقته مع المجتهدين أمثاله مابين قاعة الدرس، ومطعم الجامعة، وأفنيتها، ولسان حاله يردد:" ياحظ النايم في بيته". هذا على مستوى الطلبة، أما على مستوى الموظفين فالموظف المشهور بكسله يعفى عن كثير من الأعمال"لأن رئيسه قد أخذ انطباعاً عنه بأن الأعمال في يده ستتعطل، وستبقى حبيسة المكتب، ويكلف بعمله كل مجتهد، وتنسحب هذه الثقافة على الخدم في البيوت، حتى صار شعارنا في التعامل إعفاء المهمل، وتكليف المجتهد. بل لا تعجب حين ترى مستوى الأستاذ، أو المقرر بل وحتى الجامعات والمؤسسات يتدنى ذلك أن المهملين كثر سوادهم، وقويت شوكتهم، وعلى المجتمع بأسره احترامهم وتقديرهم، وكبش الفداء في مثل هذه الثقافة المجتهد، حتى حدا الأمر ببعض المجتهدين الانخراط في تيار الكسالى، واللحاق بركبهم حتى يحصل على الراحة والدعة، لأن الكل في المكافأت والترقيات والدرجات يتساوى، لكن الاختلاف في مقدار العمل المبذول، وفي شهادة التقدير الورقية التي قد ينالها في نهاية العام. ويبقى علينا بعد هذا كله أن ننصف المجتهد وأن لانقدم التنازلات من أجل كل مهمل كسول، إن على الأستاذ أن يقدم محاضرته حتى لو لم يحضر إلا طالب واحد تقديراً لاجتهاده، وأن نبذل قصارى جهدنا في تطوير اللوائح والأنظمة بما ينصف حق المجتهدين، ويعاقب الكسالى والمهملين، وأن ننهج نهج الشريعة في التعامل مع المجتهد، وعقوبة الكسول، ونسعى لنشر ثقافة الإسلام في الجد والاجتهاد، وتأمل آي القرآن في ذلك، يقول تعالى:"ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن"وقوله:"سابقوا إلى مغفرة من ربكم"وقوله:"هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُور"وقد تعوذ رسول الله من العجز والكسل، وأخبر أن البركة في البكور. قال بعض الحكماء:"لا ترفهوا السفلة فيعتادوا الكسل والراحة، ولا تجرئوهم فيطلبوا السرف والشغب" والخيبة نتيجة مقدمتي الكسل والفشل، وثمرة شجرتي الضجر والملل. والسيادة في الدنيا والسعادة في العقبى لا يوصل إليها إلا على جسر من التعب، قال يحيى بن أبي كثير: لا ينال العلم براحة الجسم. فهل سيترقى المربون على اختلاف أضربهم في مصاف المجتهدين حتى لانكتوي بجيل يتقلب في ثنايا الدعة والكسل. * داعية وأكاديمية سعودية. Nwal_al3eeed @ hotmail.com