يمر عبدالله قطيان وزوجته بسوق الكندرة والصحيفة وسط ابتسامات متبادلة تحكي أيام التجهيز لزواجهما منتصف الثمانينات، وذكريات لا تنتهي يخجلان من سردها أمام ابنتهما ندى التي خطبت قبل أقل من شهرين، إلا أنهما لا يعلمان برفضها التبضع من هنا ومطالبتها بالتوجه شمالاً. ويبدو أن بنات جدة أصبحن"كلاس"أكثر من ذي قبل، لدرجة بلغت تحويل قبلة التجهيز ل"ليلة العمر"من أسواق حي الكندرة التي اشتهرت على مدى 27 عاماً بأنها مستودع فرح الجداويين وجيرانهم المقبلين من مدن وقرى الحجاز الأخرى. لم يتبق سوى 50 يوماً ويبدأ موسم حفلات الزواج في السعودية، في إجازة نهاية العام الدراسي، وتعود الكندرة أو"سوق الحب"، التي حولت قصص العشق إلى حفلات انطلقت مع حلوى"الملبس"، و"عربة الملكة"، انتهاء بالذهب والمجوهرات والفستان الأبيض. ومنذ 1979 تنتصب"العمارة الزرقاء"محتوية على ثلاثة طوابق يسكنها 200 محل تجاري منها 92 محلاً للخياطة النسائية معظمها تحيك فساتين الزفاف بأسعار تتراوح بين 100 إلى 10 آلاف ريال، وثمانية تتوزع أنشطتها بين بيع القماش وإكسسوارات فستان العروس، والأخرى المكملة لثياب السهرة الأنثوية. وتعتبر البناية ذائعة الصيت في جميع مدن البلاد، التي استمدت مسماها من لون واجهتها الزرقاء اللامعة، الأم الشرعية للسوق، إذ تجمع الروايات بأنها النواة التي تشكل حولها ما عرف بسوق"سيؤون"ثم الصحيفة الذي يفصل بينهما جسر الملك فهد. الاسم الأخير للسوق يطلقه عليها كبار الحضارمة الذين شكلوا فسيفساء يمنية خاصة، حولت تلك القطعة من جدة إلى أشبه بحي من أحياء صنعاء التجارية التي تفوح من أروقتها روائح المأكولات اليمنية، فلا تستغرب إن أتيت ليلاً وشاهدت فناناً أو أحد وجهاء المجتمع جالساً يتناول وجبة"المظبي"الشهيرة في أحد المطاعم العشرة. أما فترتا الصباح والعصر فتزدحم البوفيهات الثمانية الصغيرة المتخصصة في طبق الكبدة والفول صباحاً، والمقليات الحضرمية عصراً، والشاي العدني ذو النكهة الخاصة في تلك المنطقة. وبالعودة إلى أنشطة السوق الأصلية المتخصصة في تجهيز حفلات الزفاف من طريق 30 معرضاً، والملابس النسائية ومستلزمات منازلهن مثل البخور، والأواني، والأحذية، والعطور ذات الماركات العالمية والمقلدة، وحتى الملابس المستعملة. يقول محمد الملاح 34 عاماً:"عملت في هذه السوق منذ أن كان عمري 17 عاماً، وخلال الأعوام الماضية تطورت الملابس بأشكال غريبة، والموضات تتغير، وفي السنوات الأخيرة لم تعد السوق مرغوبة من أهل جدة، وأصبح زبائننا من البدو الذين يسكنون خارج جدة والوضع ممتاز وخصوصاً في رمضان". ومع ازدياد عدد"المولات"التي نبتت سريعاً في شمال جدة وتأثيرها، يرى الملاح :"أن الشريحة التي تأتي إلى السوق معظمهم من أصحاب الدخل المحدود والسوق مناسبة لأوضاعهم المادية، صحيح أن هناك فئة فقدناها ولكن في كل عام لدينا عملاء جدد". وعلى مدى 25 عاماً بقيت السوق ب20 محلاً للذهب والمجوهرات، إلا أنها زادت إلى الضعف مع تدشين مركز الذهب العالمي، الذي يتقاسمه كبار تجار الذهب والمجوهرات في جدة ووكلاء الماركات العالمية، ومكتب مجلس الذهب العالمي. ولم تغب التكنولوجيا عن تلك السوق بعد أن تراصت على أرصفتها 19 صندوقاً مزخرفاً تبيع أجهزة الهاتف الجوال وملحقاته، وبطاقات الخطوط الهاتفية، يجاورها مطعمان يحملان صفة"الفرنشايز"المحلية.