لم يتجن على الحقيقة من قال : "لا فرق بين سارق عملة وسارق جملة"، ذلك أن كلاً منهما تعدى على مفهوم الملكية الفردية أدبية كانت أو مالية. وتتنوع السرقة كماً وكيفا، وتتطور بتطور العصر، وتوافر وسائل التقنية، وانفتاح المجتمعات على بعضها. ويؤكد علماء المقاصد أن تحريم السرقة شرعاً لا يهدف إلى حفظ أموال الأثرياء فقط، بل يقصد أيضاً حماية الضعفاء والفقراء من مهانة السرقة، وذل الاعتداء بمد اليد لنيل حظوة محرمة. وإذا كنا نتفق على أن السارق في الغالب عاجز، وعاطل من أي عمل، إلا أنه يدخل دائرة الإجرام من أوسع أبوابها، حين يسلب بمهارته الكسولة ثمرة العامل الكادح. ولا تختلف الحال كثيراً عند لصوص الأفكار وسراق الإبداع، إذ أنهم يعرفون حجم البلادة في دواخلهم، ويدركون مستوى الضعف الذي يحجم قدراتهم إلى ما دون الصفر، فيشعرون بالقصور عن كتابة مقالة، أو تدوين قصيدة، أو تأليف كتاب، ما يدفعهم بوعي أو من دونه، إلى التسول من صفحات الرواد، فيقتحمون موائدهم الفكرية لنيل ما يسدون به جوع المباهاة، وهؤلاء الواهمون ينخدعون بحسن ظنهم في أنفسهم، لكنهم لن يخدعوا جميع الناس على مدار الوقت. وكم حفلت الأزمنة بصور لصوص الفكر الذين وضعوا أسماءهم على مصنفات لا تمت لهم بصلة، متجاهلين سنوات البحث والجهد التي يبذلها المكافح في طريق الإبداع. إلا أن الجميل دائماً هو سرعة انكشاف أمرهم، وكثيراً ما أنصف التاريخ الحقيقة وخذل الأدعياء. ويرى الناقد علي أحمد الغامدي أن تجارب البشر الفكرية والأدبية تتكامل وتتواصل على مر العصور، ولا يرى بأساً في تشابهها في بعض الأحيان، فالنص الإبداعي في الغالب فكرة مشتركة مرت بأكثر من ذهن، وتشكلت في أكثر من رحم، بنمط يمكننا من خلاله معرفة المنتج الحقيقي والأب الشرعي للنص. ويرى أنه من الممكن للإنسان العفو عمن يسرق أمواله، لكن لا يمكنه أن يسامح من يسرق أعماله. ويوضح أنه كما ساغ أن تقطع يد سارق المال، فلا بد من سن عقوبات لتجريم ومحاسبة سارق الفكرة ومنتهب الإنتاج الحضاري، كما أن التشهير باللص من شأنه تقليل نسبة اللصوص.