ليس صدفة أنه في الوقت الذي خطت فيه المملكة العربية السعودية قدماً، نحو إشراك المرأة في صنع القرار السياسي، المرادف لإدارة الشؤون المحلية ديموقراطياً، انبرت جهات متطرفة للتشويش على هذا المسار. فثمة ظلال لنبرة سوداوية، تسعى للنيل من هذا التوجه الذي يجمع بين التزام المرجعية الدينية المتسامحة والمتقدمة والانفتاح المسؤول على روح العصر. ودلت تجارب على أن بعض فواتير التوجهات السديدة، تدفع من أمن الدول المتمسكة بهويتها وتقاليدها، فيما أن الأطراف التائهة، أفراداً أو مجموعات أو دولاً حتى، تترك لحالها، لأنها تسير في غير الاتجاه الصحيح. وليس صدفة أنه بالمقدار الذي ارتبط فيه القرار السعودي السياسي بإرادة وطنية، تنم عن الحكمة ورجاحة الرأي، بالمقدار الذي جاءت محاولات التشويش عليه، متدثرة بعباءات خارجية، تروم الفتنة والغلو والتطرف. غير أن ما يضفي على هكذا قرارات مسحة الصدقية والجدية، أنها تكون نابعة من ضرورات تم استشعارها عن بعد. وميزة الإجراءات التاريخية أنها تصمد في مواجهة أي أخطار، إذ تتسلح بالإرادة والعزم ولا تخضع لأي مساومات أو مزايدات. تقاطع غريب، لكنه قائم ولم يخفت في أي فترة. فالخروج عن القانون في دولة إسلامية كثيراً ما يطاول الفهم القاصر للمرجعية الدينية، أو التعاطي السلبي مع المسألة النسائية، أو التأويل الخاطئ للمذاهب، مع أن الأصل فيها هو الاجتهاد الذي ينير الطريق، وليس نصب أعمدة الظلام أو التكفير أو زرع الفتن. وما يجمع أو يفرق بين هذه المفاهيم والقيم، أنها لا تنفصل عن كينونة الدول المتشبعة حضارة وعراقة، كونها توضع على مرمى سهام الفتنة والانفلات وإحياء النعرات التي لم تصنع مجداً ولا تاريخاً. مجرد حدوث أي نوع من المعاكسة لتيار انفتاحي أصيل، أثبت جدواه وأهميته في نقل البلاد إلى مصاف متقدمة، لناحية تكريس مبدأ الشورى والحوار والتقاليد الديموقراطية، يعني أنها تسير في الاتجاه الصحيح، وأن محاولات إشغالها عن التزاماتها الوطنية تندرج في سياق ثنيها عن المضي قدماً في تنفيذ ما اختارته منهجية وهدفاً. ومصدر الإزعاج في التوجه الإيجابي أن رياحه تهب في كل اتجاه، وتبشر بمواعيد واستحقاقات أرست ساعة الحقيقة على إيقاع نبض المجتمع. من جهة لأن قراراتها تنطبع بالاستقلالية والجرأة والواقعية. ولا تعير وزناً للعوارض الظرفية، كونها التزامات ثابتة لا تتزحزح عن أركان البناء الديموقراطي المتسم بالخصوصية والتطور. ومن جهة ثانية لأن لا مكان للفصل بين الالتزامات الوطنية لدى دولة مثل السعودية وأبعادها القومية والأممية، إذ ينظر دائماً إلى ما يحدث في المملكة كمؤشر إيجابي ينسحب على المنطقة العربية برمتها، في صورة إخاء وتضامن ووعي لدقة المرحلة. بسبب مركزها ودورها وصدارتها، فإن المبادرات التي تأتي من الرياض يكون لها الصدى الواسع على نطاق أكبر من الرقعة الجغرافية. فهي تقدم نموذجاً أمثل للاستقرار والاعتدال ونبل المساعي الحميدة، أكان ذلك على صعيد صون وحماية أمنها وسلامة مواطنيها، وفق المفهوم الشامل للأمن الروحي والثقافي والاقتصادي والاجتماعي، أو على مستوى الإشعاع بدور ريادي في الدفاع عن القضايا المصيرية للأمة العربية والإسلامية أو في نطاق بلورة أسس ثابتة لتحفيز المجتمع الدولي على نصرة قضايا السلم والعدل والتعايش. لن يضير حماة هذه المرجعية أنهم في الواجهة، فاللحظات الجزئية لن تستغرقهم بل ستدفع إلى المزيد من التمسك بالخيارات الكبرى التي ينهجونها في تعاطيهم مع كل التحديات والضرورات، وأبرزها القطع مع المعطيات الجامدة والمغلوطة التي تسعى إلى تحويل الصراع إلى فتنة. وربما جاز استخلاص أن الضربة السعودية أقرت مسافات أطول، مع كل أشكال التشكيك والتردد والإغراق في غير مواجهة القضايا المصيرية. وفيما يهمين موقف الدعم والمساندة والتأييد لخطوات المملكة في الأفق، يكون منطقياً أن ما عداه يعكس الانحراف وغياب الرؤية والتخبط في شراك العدمية وبؤس التفكير.