طريقة اعتقال الزعيم السابق لصرب البوسنة رادوفان كاراجيتش تشبه إلى حد بعيد طريقة اعتقال الرئيس الراحل صدام حسين. لكن كاراجيتش كان أكثر مهارة، فهو استطاع الاختباء 11 عاماً. وخلال هذه الفترة غير اسمه وملامحه، ليعيش حياة عادية، ويخالط الناس، ويعمل في عيادة للطب البديل. وكان في إمكانه الإفلات من العدالة بسهولة، لكن إصرار الأوروبيين على محاكمته، حمل الصرب على تتبعه حتى تم الإمساك به. ان الجدية في ملاحقة كاراجيتش لمدة 11 عاماً دليل على ان الأوروبيين ماضون في طي صفحة يوغوسلافيا السابقة، وتطهير وحدتهم الجديدة من إرث الأحقاد والعنصرية وضيق الأفق. كما أن سعي الحكومة الصربية الى القبض على الرجل الذي قاد الحرب ضد المسلمين والكروات، يؤكد أن الصرب جادون في طي صفحة الماضي، وحماية مصالح البلد التي تعطلت بسبب إفلات هذا الرجل من العدالة. وهذه الجدية في التعامل مع الماضي المثقل بالكراهية، لم تكن حكراً على السياسيين، فرد الفعل في الشارع الصربي على اعتقال كاراجيتش، لا يقارن بردود الفعل الغاضبة التي رافقت اعتقال الزعيم الصربي السابق سلوبودان مليوسوفيتش الذي مات في السجن، ما يعني أن هذا النوع من الزعامات السياسية لم يعد مقبولاً في اوروبا الجديدة. لا شك في أن القبض على كاراجيتش، وتقديمه إلى العدالة، والتخلي عن حمايته من اجل مصالح الشعب الصربي يمثل لنا في العالم العربي درساً بليغاً. فنحن ضحينا بملايين العراقيين الأبرياء، ودمرنا العراق من اجل حماية صدام ونظامه. وحين قبض عليه، اقتتلنا من أجله. وبعدما أعدم بطريقة انتقامية، تحوّل موته إلى وقود لسفك المزيد من الدماء، واطلاق المشاعر المذهبية. فظلمنا أنفسنا بحمايته والدفاع عنه حياً وميتاً. واليوم يبدو أننا أمام وضع مشابه، فردود الفعل في الشارع العربي على اتهام الرئيس عمر البشير، لا تختلف كثيراً عن موقفنا عن تلك التي رافقت محاصرة العراق، كأننا نتهيأ للتضحية بالسودان والسودانيين من أجل الزعيم. يوغوسلافيا دخلت في حرب شرسة وقودها الأحقاد الدينية والقومية، لكنها خرجت من تلك الحرب أمة مختلفة. والمحزن اننا نخرج من كل حرب أشد تخلفا، فنخوض الحروب بيننا من أجل تكريس الأوجاع والتعصب الديني والمذهبي. ومقارنة حال اليوغوسلافيين، بحال اللبنانيين والعراقيين يؤكد أننا أمة تستحق الشفقة.