1 لن أكتب عن رواية ماركيز "الحب في زمن الكوليرا"، ولا عن عيد الحب "الفالنتاين" الذي مضى الأسبوع الماضي على البشرية من دون أن ينقص كراهية الكارهين. سأكتب اليوم عن عيد الكراهية، فإذا كان قسط من البشر قد احتفل الأسبوع الماضي ب"فالنتاين الحب"فإن قسطاً اكبر من البشر قد اكتوى ب"فلتان الكراهية"! الكراهية، يا سادة، هي مرض أشد فتكاً بحياة الإنسان من الكوليرا التي هددت قصة حب غارسيا ماركيز. الكراهية وباء معدٍِ مثل الكوليرا، وعلاجها أعقد كثيراً من علاج الكوليرا، والذين فقدوا حياتهم من البشر بسبب الكراهية أكثر بكثير من الذين فقدوا حياتهم بسبب الكوليرا. وباء الكوليرا يذهب ويعود... يختفي ثم يظهر، أما وباء الكراهية فهو الوباء المستديم في الأرض، يصيب الآلاف ويقتل الملايين. الكوليرا مرض مكشوف ومنبوذ، وبالتالي فهو مستهدف ومحارب من لدن البشر كافة، أما مرض الكراهية فلا أحد يعرف أنه مصاب به، وإن عرف فلن يعترف! فكل إنسان مصاب بداء الكراهية يضع اسماً آخر لهذا المرض، فهو: الثأر أحياناً أو العزة أو الكرامة وأحياناً أخرى الشهامة. تخيلوا الكراهية تسمى بالشهامة أحياناً؟! هذه المقارنة بين داءي الكوليرا والكراهية مخيفة، وتدعو إلى الإحباط. لكن لحسن الحظ أن الكوليرا ليست وحدها التي يتوفر الإنسان على لقاح مضاد لها، بل حتى الكراهية يوجد لها لقاح مضاد وفعّال بدرجة مذهلة حتى للذين كانوا مصابين بداء الكراهية ثم شفوا منها! اللقاح المضاد لوباء الكراهية هو"التسامح". لا يمكن أن تكون قادراً على التغاضي عن إساءات الآخرين لك إلا إذا كنت إنساناً لديه جرعة كافية من التسامح. ولا يمكن أن تستوعب فروقاتك عن الآخرين أو اختلافات الآخرين عنك ما لم تكن لديك جرعة فائضة من التسامح. ولا يمكن أن تجعل الأصل في موقفك من الآخر هو الحب، لا التوجس الذي يتحوّل إلى كراهية، ما لم تكن إنساناً متسامحاً فوق العادة. نتحدث عن التسامح المنشود والمأمول الآن أكثر من أي وقت مضى، ونحن نرى كيف تفتك الكراهية بالبشر... أفراداً وشعوباً. أفراداً، بدافعية حميم الرأسمالية وماراثون الاستهلاك الذي لم يجعل من علاقة بريئة خالية من المصالح بين فردين من البشر إلا حالة نادرة، توصف سخرية بالملائكية. وشعوباً، بدافعية حميم الامبريالية التي تريد أن تقتطع أكبر قدر ممكن من كعكة الكون... حتى لو جاع الآخرون! 2 يستخدم الكارهون أحياناً الدين لقتل التسامح، وأحياناً أخرى يستخدمون القومية لفعل ذلك. وفي الآونة الأخيرة ظهرت فئة من الناس لا تقاوم توظيف الدين أو القومية في الفرقة والاستعداء، بل هي تقاوم وتسخر من الدين الذي يوحّد أو القومية التي تجمع، لأن شعارات مثل الاسلاموية والقومجية لم تعد صالحة لهذا العصر البراغماتي. حتى أصبحنا أمام وطنية توشك أن تتحوّل إلى شوفينية وطنجية تنقاد وتوقد كل خلاف بين دولتين أو شعبين شقيقين، بأدوات الكراهية نفسها التي تعاب على الإسلاموية والقومجية، من منطلق مبدأ نبيل هو: وطني... ومن بعده الطوفان. رغم أن هناك ما هو أكثر تسامحاً مع الآخرين من زجهم في"الطوفان"! 3 لا أحد يطالبك، أيها الإنسان، أن ترتقي من الحالة الإنسانية إلى الحالة الملائكية... لكن الجميع يتمنى عليك، أيها الإنسان، أن لا تهوي من الحالة الإنسانية إلى الحالة الشيطانية. لا تضع شروطاً للتسامح... لا تقل إنني لن أتسامح مع الذي تعمّد الإساءة إليّ، أو لن أتسامح مع الذي أساء إليّ أكثر من مرة، أو لن أتسامح مع الذي لا يستحق ولا يفهم التسامح. التسامح المشروط هو تسامح مشوّه لم تكتمل أعضاؤه! لا شك أن شيئاً من التسامح خيرٌ من لا شيء، لكن التسامح النقي التام، إن كنا أقوياء بما فيه الكفاية، هو التسامح مع الذين لا يستحقون التسامح. لنتذكر دوماً أنه ليس بالضرورة أننا نتسامح مع الناس لأنهم أهلٌ لذلك، بل لأننا نحن أهلٌ للتسامح. * كاتب سعودي