على مدى المئة والعشرين سنة من عمر مجلة "ناشيونال جيوغرافيك" National Geographic الأميركية ظهرت المئات من المطبوعات العلمية وغابت. وأحياناً يبدو التوقف النهاية الطبيعية لمئات المشاريع التي يبدو أنها تملك عمراً محدداً، يتعلق أساساً بالمهمات التي تضطلع بها تلك المطبوعات والتكنولوجيا التي تستخدمها والأهداف والآفاق التي ترودها، والتي تنعكس على أدائها ومبيعاتها. في هذا المعنى، يكون احتفال مؤسسة"ناشيونال جيوغرافيك"بالسنة العشرين بعد المئة من انطلاق مجلتها العلمية الشهيرة هذا العام، احتفاء ايضاً بقدرة هذه المؤسسة غير الربحية على إيجاد روح متجددة، قادرة على الابتكار المستمر. ولا يعني ذلك التخلي عن كثير من الأساسيات المهمة، خصوصاً تقديم مادة علمية خاصة بروح صحافية مميزة، والالتزام بقوانين صارمة حول جودة المادة المنشورة، وحتى الحفاظ على شكل الغلاف الذي يكاد يكون ثابتاً بحيث تحوّل الى علامة مميزة للمجلة، حتى حين تصدر بغير لغتها الأنكليزية الأم. وبسبب نجاح المجلة، بدأت المؤسسة منذ بدايات سبعينات القرن الماضي، البحث عن منافذ أخرى للوصول الى الناس. والمعلوم أنها أطلقت في عام 1975 مجلة خاصة بالأطفال والشباب، ثم غيّرت إسم هذه المجلة الخاصة في عام 2001. وشرعت المجلة الشبابية في الصدور في ثماني عشرة لغة، ومنها العربية. في ظلال التلفزة أطلقت المؤسسة قبل أقل من 10 سنوات، وبالتزامن مع المجلة الشبابية، قناة"ناشيونال جيوغرافيك"التلفزيونية، التي بدأت الانتشار عالمياً. ولعل من اللافت أن تتعاطى المجلة مع الشباب في الوقت ذاته الذي ارتدت فيه حلّة تلفزيونية، كأنما للقول إن اللغة البصرية هي أيضاً مكرسّة للشباب. ولاحقاً، توزعت القناة التلفزيونية الى مجموعة من الأقنية المتخصصة. وعلى الشاشات الفضية، تُقدّم"ناشيونال جيوغرافيك"برامج علمية، وسفراً ورحلات ومتابعة لعيش الحيوانات، بأسلوب لا يختلف كثيراً عن الأسلوب الذي تقدم فيه المواد العلمية في المجلة الأصلية. كذلك يحظى موقع المؤسسة على شبكة الإنترنت بشعبية كبيرة، إذ نجح في صنع هويتة الخاصة، التي تختلف قليلاً عن المجلة وقناة التلفزيون. ولا يقتصر الموقع على تقديم مواد المجلة الشهرية، بل صنع طرقاً متميزةً لربط القراء به، مثل إنشاء منتديات و"غرف دردشة"للتواصل بين المجموعات المتشابهة من القراء الذين يرغبون في التعمّق في نقاش مواضيع علمية معينة. كذلك ابتكر الموقع قسماً يتيح تبادل الصور بين الجمهور وإدارة الموقع، إضافة الى إمكان تبادل الصور بين القراء أنفسهم. وعلاوة على ما تقدّم، تُنتج مؤسسة"ناشيونال جيوغرافيك"الأفلام العلمية والتسجيلية. ومثلاً، حقق أحد أفلامها الاخيرة"طريق البطاريق"والعنوان مقتبس من"طريق الحرير"الشهير نجاحاً تجارياً وفنياً كبيراً لدى عرضه في 2005. وعلى رغم شهرة المجلة العالمية في العالم العربي، وبيع النسخ الأنكليزية من المجلة في بعض الأسواق العربية، إلا ان النسخة العربية ما زالت بعيدة من تفكير المؤسسة الأميركية. والمعلوم ان مجلة"ناشيونال جيوغرافيك"تصدر في اكثر من 32 لغة عالمية. وربما يرجع إحجام المجلة عن الصدور بالعربية لأسباب مثل عدم توافر جهة عربية مهتمة بإصدار النسخ العربية وتتولى الشؤؤن الفنية والقانونية المتعلقة بإصدار نسخ محلية من مجلة عالمية. ومن المعلوم أن فروع المجلة تضم محررين من هذه الدول نفسها، لتعديل وتغيير بعض التفاصيل التي ربما لا تلائم سياسة البيع محلياً. ومثلاً، حدث في إحدى النسخ الهولندية الأخيرة من المجلة، أن وضعت صورة جوية لهولندا ، بدل صورة مدينة شيكاغو الأميركية والتي وجدت في النسخة الأصلية. ومن آخر إصدارات مؤسسة"ناشيونال جيوغرافيك"، مجلة خاصة للسفر تنشر مواضيع عن السفر والاكتشاف، وهي المواضيع التي تحظى بمتابعة خاصة من قراء المجلة الأم، كما تبيّن من خلال استطلاعات عامة لإدارة المجلة. وبعد الاستطلاعات، تشجّعت المجلة على إصدار مجلة تباع في شكل مستقل، تتوجه بالأساس الى الطبقة المتعلمة والقادرة على السفر غير التقليدي، أو تلك التي تستهويها كتب الرحلات. وعلى رغم العمر القصير للمجلة الجديدة، بدأت الدول الأوروبية بالانتباه الى هذه المجلة الجديدة. ووُقّعَت اتفاقات لإصدار نُسخ أوروبية محلية من هذه المجلة، كان آخرها اتفاق مع دار نشر هولندية على إصدار نسخة بتلك اللغة توزع في الأسواق الهولندية في مطلع السنة المقبلة.