قد يكون بديهياً أن يجدد الرئيس الإيراني محمود احمدي نجاد في الإمارات عرضه توقيع معاهدات عدم اعتداء مع دول الخليج، وحرص الجمهورية الإسلامية على أمن الخليج الذي ما زالت تسميه فارسياً... وأن يستفيد خصوصاً من الوهج الإعلامي لأول زيارة للإمارات يقوم بها رئيس ايراني منذ العام 1971، لطمأنة الجيران الى النيات السلمية لطهران المصرّة على التمسك ببرنامجها النووي، وإلى عدم سعيها الى مواجهة عسكرية مع الأسطول الأميركي في الخليج. تدرك طهران بالتأكيد ان دول الخليج لا تتمنى حرباً جديدة في المنطقة، فيما نتائج الحرب على العراق وفيه تنذر بتمدد الرياح المذهبية. وتعرف طهران ايضاً ان معظم دول مجلس التعاون لا يبرّئ الأميركي من مسؤولية تداعيات الحرب ونتائجها، مثلما يرتاب كذلك بالنيات الإيرانية، وما اذا كانت مصالح الجمهورية الإسلامية تتقاطع مع مخطط الأقاليم التي قد تشرذم العراق جمهوريات متناحرة. لكن ذلك، لا يبدو أول أهداف الجولة الخليجية لنجاد، التي ستكون مسقط محطتها الثانية، بمعنى إبلاغ الإمارات وسلطنة عمان رسالة حسن نية في العراق والمنطقة عموماً، شكك فيها نائب الرئيس الأميركي ديك تشيني الذي بدا واثقاً بأن واشنطن لن تسمح لإيران بفرض"هيمنتها"على الخليج. أما تزامن بدء زيارة نجاد لأبوظبي مع إعلان طهران الإعداد لإرسال"فرق تفاوض"مع الأميركيين في بغداد، لتحسين أمن العراق، فهو أبعد من مجرد مصادفة، أو مجرد رد على تشكيك تشيني في طموحات"الهيمنة"... إنه رسالة مزدوجة: الى المنطقة فحواها ان الجمهورية الإسلامية ستساعد في إعادة الإمساك بحبل الأمن في العراق بعد عجز حكومة نوري المالكي ومن ورائه الأميركيون المحتلون عن إنجاح أي خطة أمنية... وإلى واشنطن ايضاً التي ما زالت تصر على ان"قناة بغداد"للحوار مع الإيرانيين لن تتعدى ذلك الملف. وإذ تمد طهران يدها الى إدارة الرئيس جورج بوش، بعد تلكؤ طويل، وحساب إمكانات تكرار الإدارة السيناريو الأفغاني أي قبض التعاون الإيراني في إطاحة"طالبان"ومن ثم إنكار أي ثمن، واضح ان حكومة نجاد لم تجد بداً من المخاطرة بتكرار التجربة، على أمل تفادي ضربة عسكرية لمنشآتها النووية. تشجع طهران على ذلك،"مرارة"مع الروس الذين تنصلوا"فجأة"من استكمال تشييد مفاعل بوشهر النووي، بذريعة تأخرها في دفع أقساط مالية. وتشجع حكومة نجاد على الذهاب الى ما يسميه الأميركيون"قناة بغداد"، مخاوف من التزام الكرملين"الحياد"والاكتفاء بالتنديد البلاغي كما في الحرب على العراق في حال لجأ البيت الأبيض الى الخيار صفر مع الجمهورية الإسلامية أي ضرب المنشآت النووية الايرانية. وإذا كان لافتاً اعتراف مسؤول رافق تشيني في زيارته الإمارات بإثارة مسألة زيارة نجاد قبل ساعات من وصوله، أي وضعها على جدول اعمال نائب الرئيس الأميركي، فربما تكون زلة لسان إشارة المسؤول نفسه الى"رسائل"ستبلغها القيادة الإماراتية الى ضيفها الإيراني. والسؤال بداهة، ما اذا كانت ابوظبي ستلعب أي دور للوساطة بين واشنطنوطهران، بطلب اميركي ام من دونه، أم لديها مثل هذا الاستعداد، هي التي لم تتلق أي إشارة إيجابية من حكومة نجاد او حتى حكومة سلفه الرئيس محمد خاتمي، بتسوية لملف الجزر الثلاث الإماراتية التي تحتلها ايران. لم يتحدث نجاد بالطبع عن الجزر عشية مغادرته طهران، بل كرّر اللازمة المعروفة في الأدبيات السياسية لإيران أي درس"التعاون الإقليمي في ما يتعلق بالخليج الفارسي وأمنه، ومسائل تهم العالم الإسلامي". وإذا كان الهدف كما قال هو"الاستثمارات المشتركة والتعاون في التجارة والطاقة"، فلعله يصلح اكثر برنامج عمل للجنة مشتركة اقتصادية. لكن العارفين بحجم رؤوس الأموال الإيرانية التي تدوَّر في الإمارات، وحجم التبادل التجاري بين البلدين الذي يقدّر ببلايين الدولارات، يستعيدون احتمالات نجاح واشنطن في استصدار قرار لمجلس الأمن يفرض حصاراً اقتصادياً على إيران. لذلك، لا يبدو نجاد في غنى عن قناتين: بغداد وأمنها لإغراء واشنطن بمزيد من التجريب لنيات طهران، ما دامت"الصفقة"الشاملة متأخرة لظروف إقليمية متشابكة... والقناة الخليجية تحسباً لحصار قد تخفف وطأته مصالح إيرانية على الضفة الغربية.