من مظاهر الأعياد عموماً, وعيد الفطر خصوصاً أن يرتدي الناس أحلى ما لديهم، ويشتروا ملابس جديدة يميزها بسهولة المقربون من الأهل والجيران والأصدقاء، لمعرفتهم المسبقة بخزانات ملابس بعضهم بعضاً. لكن في الوقت الراهن، لم يعد هذا الفرح متقاسماً بين الجميع، ولم يعد يهتم لمظاهر البهجة الشكلية سوى الأطفال وأولياء الأمور. هجر شباب اليوم هذا التقليد، وباتوا أحرص ما يكون على تجنب المصادفة يوم العيد، وارتداء أي لباس جديد، ولو لم يشتروه بنية حلول هذه المناسبة تحديداً. في الماضي القريب، قبل عقدين أو أكثر قليلاً، كانت الأسر تخصص موازنة ثقيلة لاقتناء ثياب عيد الفطر لكل أفرادها، ولم يكن من مجال للنقاش، أو التفكير حتى، في الاحتفال بالمناسبة بهندام قديم، مهما كان محافظاً على رونقه وجدته. وكل رب أسرة، كما كل فرد فيها، يبذل أقصى جهده، لكي يكون على الموعد، متمنطقاً بأبهى الحلل، وإلا حلت الكآبة وذهبت فرحة العيد. عيد فطر بلا ملابس جديدة كالاستمرار في الصيام من دون ثوابه، لذلك كانت الأسر المغربية تبدأ الاستعداد مادياً للمناسبة قبل وقت طويل، لأن توفير موازنة تجديد مقتنيات خزانات ملابس أفراد الأسرة مرتفعة ومكلفة جداً، لتزامنها مع مناسبة شهر رمضان الكريم، وارتفاع كلفة المعيشة خلاله. وعلى رغم ذلك، كانت الأسر تتدبر أمورها، وتكسو أفرادها كسوة العيد، فتبدو الشوارع والأزقة أيام عيد الفطر أقرب ما تكون إلى معارض للأزياء، حيث العارضون هم أنفسهم الجمهور. سر ذلك النجاح كان يكمن في أن مصاريف الأسر المغربية كانت مقننة ومنظمة، وموازنة الثياب والأحذية كان لها موعد سنوي ، مثل موازنة عيد الأضحى التي غالبا ما كانت تغيب فيها تلك الأشياء، فكان الناس يعملون خلال الشهرين الفاصلين بين المناسبتين الدينيتين على الحفاظ على جدة ملابس عيد الفطر، حتى يلبسوها أيام عيد الأضحى. في ذلك الزمان القريب على أية حال، كان اقتناء ملابس عيد الفطر حدثاً مهماً وسعيداً في حياة الأسرة المغربية، يتقاسم فيها الأفراد مشاعر الامتنان والتجدد والفرح. وكان الناس يحسبون مرور الزمن والسنوات من خلال ملابس العيد. كان للملابس عمر، وعمر مديد تطيله فرحة الاقتناء والارتداء والاستعراض والإعجاب. وأما اليوم، فقد انصرف الشباب عن هذه الفرحة، بل غدا التميز يوم العيد بالمظهر الجديد كأنه شتيمة ومصدر سخرية. يتذكر أنس 17 سنة، آخر مرة تسربل في ثياب العيد عندما كان طفلاً في ال12 من عمره، ويضحك من سذاجة الطفولة. ولبنى 18 سنة، تتندر على صديقتها التي تتأخر في تجديد ملابسها، وتبادرها بالقول حينما تراها بثياب جديدة"شوفوا يا ناس هذا البنت جاية لابسة حوايج العيد؟". أما رشيد 15 سنة، فلا يفوّت فرصة اقتناء ثياب العيد أسوة بصغار أخوته، لكنه لا يرتدي منها شيئاً حتى يمضي على عيد الفطر وقت يبدد الشبهات من حوله. ومن دون أن نفطن للأمر، طار منا أحد مصادر الفرح في زمن يعز فيه الفرح، لكن هيهات أن تقنع شاباً اليوم بمعنى أن نتقاسم في اللحظة نفسها الشعور بالرغبة في إبداء الفرح والتغيير مع جميع أفراد المجتمع. فقد تبدل نمط العيش بدخول المجتمع المغربي عصر الاستهلاك المطرد، وشباب اليوم له قناعاته الخاصة في شأن معنى التغيير، بخاصة بالنسبة الى مظهره الخارجي الذي أضحى في صلب اهتمامه. إنه يريد أن يخرج متجدداً، متألقاً، بمناسبة وبدونها، ولا يمكنه انتظار مناسبة سنوية تقليدية حتى يغير خزانته. ومع أن الكثير من الشباب فقدوا الشعور بالفرح المرتبط بتغيير المظهر في مناسبة دينية ذات مكانة خاصة كعيد الفطر، لتعودهم على تجديد رصيدهم الشكلي باستمرار، وتعرضهم للضغط المادي الذي يفرضه الحصول على ملابس وأحذية جديدة، فإنهم تواطأوا مع الضغط الاجتماعي الممارس عليهم في الشارع والمؤسسة التعليمية، مستجيبين لصيحات الموضة، أمام الفراغ الفكري والروحي الذي يحيط بهم. وبرزت ظاهرة استعارة الملابس بين الأخوة والأخوات، واتسعت نحو أبناء الجيران، ووصلت الى محيط الأصدقاء، في سياق منافسة محمومة للتميز ومسايرة"روح العصر"الشكلية.