هذه الپ"تي شيرت" الغريبة تربطني بها علاقة حب - كراهية من نوع خاص، لونها غريب وموديلها اغرب، اما مقاسها فما عاد يمت إليّ بصلة. كل من يراها يصفها بكلمة تزيد من تمسكي بها:"غريبة""مزرية"،"من مخلفات الحرب العالمية الأولى"،"سخيفة"، ولكن الصفة الأفظع هي"مسخرة"! ولعل هذه الصفة الاخيرة هي التي جعلتني اتراجع في اللحظة الحاسمة عن قرار اعدامها وإحالتها على التقاعد لتقوم في المطبخ بمهمة ازالة البقع والاوساخ من على الأرض. رآها زوجي وأنا أحملها بين تل الملابس الصيفية خلال المهمة الموسمية في رفع ملابس الشتاء الى اعلى الخزانة وإحلال ملابس الصيف مكانها. منذ تزوجنا وهو يرى هذا المشهد يتكرر: أحمل الپ"تي شيرت"ذات اللون البرتقالي الفاقع المزركشة بالزهور الحمر والخضر والبيض ونحلة بلاستيكية مثبتة على اكبر زهرة فيها كنوع من اضفاء الاحساس بالطبيعة. وفي نهاية الموسم، أعيدها الى حيث كانت سابقاً الى أن كان هذا العام الذي أصر فيه زوجي على ان يطلع على كنزي الثمين. انتهز فرصة خروجي من الغرفة، وفعلها، عدت الى الغرفة على صوت ضحكه الهستيري، كان مستلقياً على ظهره وممسكاً ببطنه الذي بدأ يؤلمه لفرط الضحك والپ"تي شيرت"الحبيبة ملقاة الى جانبه على الأرض. وبعد دقائق من هذا المشهد الهزلي سألته عن سبب ضحكه فقال وهو يجفف دموعه"إيه المسخرة دي؟"، فهمت قصده، ولكني تظاهرت بالغباء وعدم الفهم حتى أعطي نفسي بعض الوقت لأدافع عن احدى أعز مقتنياتي، وقلت بلهجة تحفز يشوبها الهجوم"مش فاهمة". فأمسك بالپ"تي شيرت"وقال ساخراً:"دي عبارة عن ايه بالضبط؟ والنحلة دي محنطة ولا متصبرة؟". خطفت الپ"تي شيرت"من يده وشعرت بتأنيب ضمير فظيع لانني كنت قررت ان اتخلص منها بعد ثلاثة عقود كاملة امضيناها معاً، كانت خلالها نعم الصديقة، لم تشك أو تتململ حتى حين اهنتها اهانة بالغة وجعلت"روكي"الكلب يرتديها في الشتاء. كنت بعد طفلة في السابعة من عمري حين ابتاعتها لي والدتي مكافأة لي على تفوقي في الصف الثاني الابتدائي، وهو التفوق الذي تزامن وخضوعي لعملية جراحية لإزالة اللوزتين، كانت والدتي تعلم مدى عشقي للألوان الفوسفورية الفاقعة، كما كنت اميل الى كل ما هو غريب في الملابس ظناً مني أنه الأجمل. لن أنسى اللحظة التي افقت فيها من تأثير المخدر وشعرت بأن منطقة الفم والحلق التصقت ببعضها وانني لن استطيع ان افتح فمي مجدداً. كان الألم شديداً وعدم القدرة على الصراخ اشد، خصوصاً أن الممرضة وقفت خلفي قابضة على يدي تحاول دس كوب من الليموناضة في فمي، وانا ارفس في كل مكان. وفجأة دخلت والدتي وفتحت حقيبتها واخرجت الپ"تي شيرت"بسرعة وبدأت النحلة البلاستيكية المثبتة على احدى الزهرات ترفرف بجناحيها بفعل الهواء الذي تحرك في الغرفة فجأة. حدثت المعجزة وفتحت فمي فرحة فسارعت الى دس الليموناضة في حلقي، وبغض النظر عن ما حدث بعد ذلك من قيء شديد، الا انني احتفظت بالپ"تي- شيرت"التي لم تفارقني منذ ذلك اليوم. كنت ارتديها نهاراً، وأغسلها ليلاً قبل أن آوي الى الفراش كي تجف حين أصحو، حتى أنني كنت أضعها في حقيبتي المدرسية بين الكتب ظناً مني ان الفراشة ستشعر بوحشة ان تركتها وحيدة. وفي الشتاء ابتدعت موضة ارتداء قميص بكم طويل أسفلها حتى لا تشعر بأن وجودها في حياتي موقت. والأدهي أنني منحتها اسماً حتى لا تشعر بأنها اقل من بقية أفراد الأسرة، فأسميتها"تي تي". واحتفظت"تي تي"باسمها حتى بعدما كبرت وبدأت انحشر في داخلها، ولكني قاومت الزمن ومعه التعليقات السخيفة التي كنت اسمعها في الشارع. لكن هرمونات النمو عاندتني واستمر نموي اكثر الى أن استحال حشري في داخلها، فأحيلت الى المعاش المبكر. لكن ذلك لم يمنعني من معاملتها أفضل معالمة، فشهدت احلى ذكريات الطفولة، وشقاوات المراهقة، حتى أني أحضرتها معي الى بيتي الزوجي! والآن، وكلما تذكرت وصف زوجي لها بأنها"مسخرة"اشعر برغبة دفينة في افتعال مشاجرة. لذا ستظل"تي تي"في خزانة ملابسي معززة مكرمة على رغم حقد الحاقدين وفي يوم ما قد تعرف طريقها الى خزانة ابنتي أو حفيدتي...