الرميان: 250 مليار دولار مجموع صفقات مؤتمر مستقبل الاستثمار    الفالح يحث صندوق الاستثمارات العامة على خفض الإنفاق المحلي وإفساح المجال للقطاع الخاص    السعودية تدين الانتهاكات الإنسانية الجسيمة لقوات الدعم السريع في الفاشر    عبدالعزيز بن سعود يلتقي رئيس جمهورية سوريا    برشلونة غاضب من تصريحات لامين يامال قبل "كلاسيكو الأرض"    جامعة الإمام عبدالرحمن تطلق "رُعى" الصحية لدعم الإبتكار والاستثمار في القطاع الصحي    ولي العهد يرأس جلسة مجلس الوزراء في الرياض    الشورى يقر زيادة تعيين السعوديين في الوظائف النوعية ومرتفعة الدخل    عقار تطلق منتجها الجديد لتسويق المزادات العقارية    أمير تبوك يستقبل مدير شرطة المنطقة    أمير الشرقية يستقبل منسوبي المؤسسة العامة للري ويرأس اجتماع اللجنة العليا لمشروع مجتمع الذوق    محافظ الأحساء يكرّم المدارس المتميزة وطنياً    مفتي عام المملكة يستقبل وزير الشؤون الإسلامية    أمانة تبوك تنفذ 13 ألف متر طولي من خطوط التصريف    أمير جازان يستقبل المستشار الشرعي بفرع الإفتاء في المنطقة    انطلاق بطولة العالم لرياضة الإطفاء والإنقاذ 2025    المناطيد تكشف أسرار العلا    "بين الشرفات" معرض فني في متحف دار الفنون الإسلامية يجسّد التراث السمعي والبصري بجدة    تشكيل الهلال المتوقع أمام الأخدود    نائب أمير جازان يستقبل المستشار الشرعي بفرع الإفتاء بالمنطقة    مبادرة "أكتوبر الوردي" تزين لقاء الطائي والعلا    السعودية وباكستان تتفقان في بيان مشترك على إطلاق إطار تعاون اقتصادي بين البلدين    تصوير "الأسد" في سماء الإمارات    مندوب المملكة في الأمم المتحدة: موقفنا ثابت تجاه الشعب الفلسطيني والسعي إلى حلّ عادل ودائم لقضيته    برعاية وزير الثقافة.. "روائع الأوركسترا السعودية" تعود إلى الرياض في نوفمبر    مكتبة الملك عبد العزيز العامة تطلق جولتها القرائية ال7 إلى جازان الأحد المقبل    مركز الملك فهد الثقافي الإسلامي بالأرجنتين يُكرّم 40 فائزًا وفائزة    باكستان تغلق مجالها الجوي جزئياً    ارتفاع تاسي    كباشي: شكراً صحيفة «البلاد»    الدفاع المدني.. قيادة تصنع الإنجاز وتلهم المستقبل    لماذا يعتمد طلاب الجامعات على السلايدات في المذاكرة؟    القيادة تعزّي ملك مملكة تايلند في وفاة والدته الملكة سيريكيت    جناح يعكس تطور الخدمات والتحول الصحي.. الداخلية تستعرض حلولًا مبتكرة في الخدمات الطبية    اقتحموا مقرات أممية بصنعاء.. الحوثيون يشنون حملة انتقامية في تعز    بثلاثية نظيفة في شباك الباطن.. الأهلي إلى ربع نهائي كأس خادم الحرمين    هنأت حاكم سانت فنسنت وجزر الغرينادين ب«ذكرى الاستقلال».. القيادة تعزي ملك تايلند في وفاة والدته    « البحر الأحمر»: عرض أفلام عالمية في دورة 2025    العلا تفتح صفحات الماضي ب «الممالك القديمة»    350 ألف إسترليني ل«ذات العيون الخضراء»    في ختام دور ال 16 لكأس الملك.. كلاسيكو نار بين النصر والاتحاد.. والهلال ضيفًا على الأخدود    روسيا مستمرة في تطوير وإنتاج أسلحة جديدة.. وزيلينسكي: أوكرانيا تعمل مع الحلفاء على خطة لوقف القتال    الحوامل وعقار الباراسيتامول «2»    إنجاز وطني يعيد الأمل لآلاف المرضى.. «التخصصي» يطلق أول منشأة لتصنيع العلاجات الجينية    وزير الداخلية يدشن وحدة الأورام المتنقلة ب«الخدمات الطبية»    أكثر من 54 مليون قاصد للحرمين الشريفين خلال شهر ربيع الآخر 1447ه    التحالف الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب يستقبل وفدًا من جامعة الدفاع الوطني    اليوسف يلتقي عددًا من المستفيدين ويستمع لمتطلباتهم    اكتشاف يفسر لغز المطر الشمسي    نائب أمير الشرقية يطّلع على جهود "انتماء وطني"    "تجمع القصيم" يستعرض برامجه النوعية في ملتقى الصحة    الأميرة نجود بنت هذلول تتابع تطوير أعمال تنظيم وتمكين الباعة الجائلين بالشرقية    نائب أمير مكة يتسلم تقريرًا عن استحداث تخصصات تطبيقية بجامعة جدة    "التخصصي" يوقّع أربع اتفاقيات لتعزيز الوصول إلى الرعاية الصحية التخصصية    رئيس الجمهورية الإسلامية الموريتانية يغادر المدينة المنورة    أكثر من 11.7 مليون عمرة خلال ربيع الآخر    أثنى على جهود آل الشيخ.. المفتي: الملك وولي العهد يدعمان جهاز الإفتاء    المعجب: القيادة حريصة على تطوير البيئة التشريعية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الرحلة من القرية الى الضاحية الجنوبية لبيروت ... مروراً بالدكوانة
نشر في الحياة يوم 10 - 11 - 2006

في أواسط خمسينات القرن الفائت كان الحاج حسن قد بلغ الثلاثين من عمره، وكانت فكرة مغادرته قريته الجنوبية الحدودية حاضرة دائماً. فهو سبق له ان قصد فلسطين للعمل فيها في أربعينات ذلك القرن. وبعد قيام دولة إسرائيل، صارت بيروت هي الوجهة.
الحاج حسن هو الابن الأكبر لوالد أنجبه وانفصل عن زوجته ليتزوج مجدداً وينجب بقية الأشقاء. علماً ان الوالد من عائلة ميسورة الى حد ما وكان وجيه القرية ووجهها، لكن حسن لم ينله من يسر والده ووجاهته ما نال أشقاءه، أبناء الزوجة الثانية. فهؤلاء تعلموا في مدرسة القرية أولاً ثم انتقلوا الى صور ومنها الى بيروت ودمشق حيث نالوا شهادات جامعية في وقت كانت تلك الشهادات نادرة.
الحاج حسن وهو بكر والده أمضى سنوات قليلة في مدرسة القرية ثم غادرها الى العمل في فلسطين أحياناً وفي القرية أحياناً أخرى. وهو الى جانب اجتهاده ومثابرته في العمل حمل بعضاً من مرارة التمييز بحق ابن الزوجة الأولى. وبين العمل في فلسطين وفي القرية، وبين مشاعر المرارة والتمييز تمكن حسن من اكتساب خصال تمكنه من خوض غمار الحياة بعيداً مما تؤسسه المدارس في حينها، والتي كانت تعد روادها ليصيروا موظفين في دولة ناشئة.
غادر الحاج حسن قريته الى بيروت، وكان بلغ الثلاثين من عمره، برفقة زوجته وأولاده الذين كان عددهم في حينها ستة. استأجر دكاناً صغيراً في منطقة الدكوانة واستثمر فيه مبلغاً صغيراً من المال كان ادخره من أعمال متفرقة في القرية. كان كثيرون من أبناء بلدته ومن قرى مجاورة لها سبقوه الى بيروت وأقاموا في الدكوانة وفي غيرها من الضواحي الشرقية لمدينة بيروت. لكن معظم هؤلاء عملوا في أسواق بيروت في مهن دنيا، ومثل لهم مجيء الحاج حسن ابن الوجيه وإنشاؤه دكاناً بينهم وان كان متواضعاً علامة استيطان وألفة.
أتاح الدكان للحاج حسن اختبار مواهب في التعامل اليومي والتجارة، ومع الوقت توسعت تجارة الحاج وتوسع معها موقعه في ضاحية العمال الشيعة. وفي هذا الوقت كان أشقاء الحاج بدأوا يتخرجون في جامعاتهم ويتسلمون وظائف في المؤسسات الرسمية. وانتقل عدد منهم الى بيروت وأقاموا في شوارع أخرى غير المكان الذي اقام فيه حسن. اقاموا في مناطق كورنيش المزرعة ووطى المصيطبة والشياح. احدهم كان بعثياً وصار لاحقاً أحد قياديي الحزب، وآخر كان قريباً من الحزب الشيوعي اللبناني.
ترافق توسع تجارة الحاج حسن مع تحوله الى وجيه العمال الشيعة في منطقة الدكوانة شرق بيروت، فصار محله نقطة لقاء يومي لهؤلاء بعد إنهائهم أعمالهم. وصارت سيارات"السرفيس"القادمة من القرى الجنوبية تقصده لإيداع أغراض أرسلها أهل لأولادهم أو أقاربهم. وكان الحاج وخلافاً لأشقائه حافظ على وجه أهلي وديني لحضوره في تلك المنطقة. فبعد ان اشترى بناية في الدكوانة ونقل محاله اليها واسكن عائلته التي كان بلغ عدد أفرادها 14 ابناً وابنة في إحدى طبقاتها، قرر ان يباشر مع وجهاء آخرين من الجنوب إقامة نادٍ حسيني في المنطقة، وهذا ما تحقق في أواخر ستينات القرن الفائت.
في بداية السبعينات كانت الحرب اللبنانية بدأت تلوح، الضواحي الشرقية لبيروت كانت إحدى مناطق الاحتقان الأساسية بفعل نسيجها الاجتماعي والسياسي. وكانت تجارة الحاج حسن في ذروة صعودها وازدهارها.
في عام 1975 دقت ساعة الحرب. الدكوانة واحدة من المناطق التي تولت الميليشيا المسيحية"تطهيرها"من سكانها الشيعة، واختلطت القذائف التي تستهدفها بين راغب في"الدفاع"عنها وضاغط لاحتلالها. وفي هذا الوقت قتل نجل الحاج حسن الذي لم يكن تجاوز الثلاثة عشر عاماً وكان واقفاً أمام مبنى والده في الدكوانة، بقذيفة عشوائية. جمع الحاج عائلته وجثمان نجله واتجه بهم الى قريته الحدودية. ومع اشتداد المعارك دُمر المبنى بالكامل واحترقت المحال التجارية والبضائع التي كان أمضى اكثر من 25 عاماً في إنشائها وتوسيعها.
عاد الحاج الى منزل والده في القرية الحدودية. تحولت قصة مقتل نجله وانهيار تجارته الى دراما عامة راح يتداولها الأقارب وأبناء البلدة الذين تقاطروا الى المنزل لتقديم العزاء. جلس في غرفة كبيرة الى جانب أولاده. رجل اسمر الوجه ذو لحية خفيفة وجسم نحيل ونظرات غائرة. راح يقول للأقارب المعزين: غادرت البلدة"قاروط"والكلمة تعني في القاموس المحلي ابن الزوجة المطلقة او المتوفية وعدت اليها"13 قاروط".
لم تطل إقامته مع عائلته في البلدة كثيراً، ففي عام 1977 كانت بوادر الحرب الأهلية بدأت تصل الى المناطق الحدودية الجنوبية. إسرائيل كانت باشرت بإعداد الأوضاع لإنشاء ما سمي لاحقاً الشريط الحدودي، وبدأت الاشتباكات بين التنظيمات الفلسطينية وميليشيات مسيحية في قرى حدودية محاذية لقرية الحاج.
عاد الحاج الى بيروت، ولكن هذه المرة الى منطقة وادي أبو جميل في غرب بيروت، وكانت تعرضت الى تهجير مقابل، وحلَّ فيها مهجرون شيعة من مناطق مختلفة. افتتح دكاناً متواضعاً في"الوادي"على ما كانت تسمى، ورضي بفقدانه ما كانت جادت عليه الحياة به. كان الدكان عودة الى لحظة وصوله الأولى الى بيروت، يوم افتتح دكانه في الدكوانة، مع فارق جوهري يتمثل في ان العمر لم يعد يتيح للحاج ما أتاحه له في المرة الأولى، إضافة الى ان سنوات الازدهار اللبناني كانت ولت، وحلت محلها حرب مدمرة. لكن لا بأس من المحاولة والصبر هو دأب الحاج منذ نشأته.
راحت السنوات تنقضي والحاج حسن جالس في دكانه في الوادي والأولاد يكبرون، ومنهم من يتزوج ومنهم من يسافر ثم يعود، الى ان اقترب موعد جديد من مواعيد الحرب اللبنانية. انها ما سمي في حينها بپ"انتفاضة 6 شباط"والتي ترافقت مع صعود حركة"أمل"وسيطرتها على أجزاء واسعة من بيروت الغربية والضاحية الجنوبية، كما ترافقت مع تصاعد أعمال المقاومة ضد القوات الإسرائيلية التي كانت تحتل الجنوب اللبناني بعد ان انسحبت من بيروت وجبل لبنان بين عامي 1983 و 1984.
في عام 1985 استشهد نجل ثان للحاج حسن أثناء تنفيذه عملية ضد القوات الإسرائيلية في الجنوب اللبناني وكان ضمن مجموعة تابعة لحركة"أمل"، وكان الوادي في حينها يعج بالپ"حركيين"محازبي أمل. دفن الحاج نجله الثاني في قرية شيعية في جبل لبنان وديعة ريثما يتم نقله الى بلدته بعد ان تنسحب إسرائيل منها. وفي هذا الوقت كان الدكان يؤمن له دخلاً راح يقتطع جزءاً منه ويدفعه قسطاً لشقة اشتراها في الضاحية الجنوبية لبيروت التي كانت تتحول في ذلك الوقت الى معقل"حزب الله"اللبناني.
بقي الحاج في وادي أبو جميل حتى عام 1993 وتوفي هناك، وانتقلت العائلة الى منزلها الجديد في الضاحية، وهناك انخرط معظم الأبناء والبنات واحداً بعد الآخر في"حزب الله"أو في مؤسسات قريبة من هذا الحزب.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.