فديتك انا... بقلبي فديتك... بروحي فديتك". يكاد عبد الله يغني. تتلبّسه حالة استعراضية من الانفعال العاطفي وهو يخاطب ريما بلهجة إماراتية طالما أحبتها، وألحّت عليه أن يغازلها بمفرداتها وكلماتها وروحها. وصلات الغزل التي تحدث بين عبدالله وريما تحدث بين أي زوجين في العالم. لكنهما ليسا كأي زوجين في العالم. بينهما، ما يسميانه،"هوّة تصنيفات": هو"مواطن"وهي"وافدة"، أو، بنعت آخر،"أجنبية". القصة قد تكون، لوهلة أولى، معروفة: زواج المواطنين، أي أبناء الدولة الاماراتيين، من الأجنبيات. لكنها حكاية متجددة، لا تهمد لها فوهة بركان حتى تتفجر أخرى، في مجتمع يسير فيه كل شيء بنظامية دقيقة، الا تركيبته السكانية التي تهتز كل يوم ويمعن هرمها في الانقلاب رأساً على عقب. الظاهرة، التي تفتح ملفات شائكة تطاول العادات والتقاليد والاقتصاد والبطالة والعنوسة وغلاء المهور وذوبان الهوية ومافيات"الرقيق الشرعي"وهروب الأمهات مع أطفالهن و"إغراق الفتيات الآسيويات"هي حديث المجتمع الاماراتي، وتحديداً في إمارة دبي"المتهمة"قبل غيرها باحتضان أكبر عدد من الزيجات المختلطة. تقول أرقام المحاكم الشرعية إن العام الماضي شهد 280 حال زواج اماراتيين من أجنبيات في إمارة دبي: 17 حالة مع خليجيات، 106 حالات مع نساء من الدول العربية و157 حالة مع أجنبيات. وتتخذ الظاهرة بعدها المقلق في أوساط المجتمع الاماراتي لدى مقارنة أرقام الزيجات المختلطة مع الزيجات التقليدية، أي التي تحصل بين اماراتيين واماراتيات. إذ تشير أحدث الاحصاءات المتوافرة في هذا المجال، والتي تعود الى العام 2003، الى أن هناك 4622 حال زواج بين مواطنين في مقابل 4538 حال زواج أخرى، أي ما يقارب النصف. وإزاء تزايد شكوى المواطنات من تفضيل المواطنين الأجنبية على"بنت جلدتهم"، وارتفاع معدلات العنوسة في مجتمع يوصف بأنه مجتمع"رفاه"، وفي ظل تأكيدات تسوقها جهات رسمية حول فشل تجارب الزواج المختلط متسلحّة بأرقام معدلات الطلاق الحاصلة في مثل هذه الزيجات 31 في المئة وفق هيئة رسمية اماراتية تدعى صندوق الزواج، أخذت الدولة على عاتقها تحمّل المسؤولية وعدم ترك الأمور"تفلت"على غاربها لأمزجة الشباب الشخصية و"وصلات الغزل"! الترغيب والترهيب "كل شيء بالخناق، الا الزواج بالاتفاق"، يقول عبدالله معترضاً على الدعوات المطالبة بسن تشريعات قانونية تعاقب المواطنين الذين يتزوجون من نساء أجنبيات وتحرمهم من الكثير من الامتيازات التي تقدمها الدولة عادة لمواطنيها الأصليين. وكان صندوق الزواج، الهيئة الرسمية المنظمة لمسألة الزواج في الدولة، قد شنّ حملة للضغط على الحكومة الاتحادية لإصدار قانون مشابه. وعلى رغم كون القانون يجيز الزواج من غير الاماراتيات بعربيات فقط، وضمن شروط"مقنعة"، فإنه لن يجيز الزواج من غير العربيات:"أنا ايرانية وغير متجنّسة، في هذه الحال سيعاقب القانون عبدالله ويحرمه من امتيازات عدة..."، تنفعل ريما، قبل أن يقاطعها عبدالله بوصلة الغزل الشهيرة:"فديتك أنا، فديتك بروحي وقلبي". يضحكان، قبل أن يتابع مزاحه:"ان سجنوني، ستأتينا اليّ بعيش وحلاوة. بشرط أن تكون حلاوة اماراتية والا صودرت". ويستعيد جديته:"افضل أن تظل مسألة الزواج شخصية من دون تدخّل أي جهة، سواء بالترغيب أو الترهيب". لكنّ حال ريما وعبدالله ليست نموذجاً نهائياً للحكاية. ماذا يوجد على الضفة الأخرى؟ فاطمة سيدة اماراتية تعمل مدرّسة في إحدى روضات الأطفال في دبي. تعترض بشدة على زواج الاماراتيين من غير مواطنات. أدعو كل مناصر للزواج المختلط أن يزور روضة الأطفال التي أعمل فيها. هناك أطفال مواطنون من أجنبيات لا يعرفون التحدّث بالعربية. يتكلمون الفيليبينية أو الهندية أو الروسية أو التايلاندية أو الكينية أو الايرانية ولا يعرفون لغة آبائهم... هذه كارثة". تركّز فاطمة على المشكلات الثقافية، واللغة إحدى أبرزها، بينما تذهب ميساء الى اتهام الشبان الاماراتيين بالكذب والخداع:"يقولون إننا أي المواطنات نغالي في طلبات المهور وتكاليف الزواج. لكنها حجج واهية. وأسألهم: كم هي تكاليف المهور والزواج مقارنة بتكاليف قروض السيّارات التي يئنون تحت وطأتها؟". تعتبر سارة، الناشطة في مجال الدفاع عن حقوق المرأة الاماراتية، أن هناك ظلماً واقعاً على الفتاة الاماراتية، لكون القانون منذ العام 1996 يمنع زواج الاماراتية من غير الاماراتي بينما هو، حتى اليوم، يجيز زواج الاماراتي من غير الاماراتية:"نريد المساواة في هذا المجال، مهما كانت الصيغة، كي لا نشعر بأننا مغبونات"! "مغبونات؟"، يستهجن علي هذا التعبير ويظهر سخرية منه. هو شاب إماراتي في الثلاثين لم يتزوّج بعد، لذا يلقّب نفسه المصاب ب"فيروس العزوبية". يقول:"الأزمة ليست الزواج بأجنبيات. إنها أزمة عادات وتقاليد محلية بالية. منذ سنوات، رغبت بالزواج من مواطنة. سألني أهلها عن راتبي فأفصحت. كان آنذاك عشرة آلاف درهم حوالى ثلاثة آلاف دولار أميركي. قالوا: آسفين، اخوي نصيبك مو عنا، لأننا ندوّر على رجال جيبه مليان مو حافي. في الواقع، طلبوا مني مهراً يعادل راتبي لثلاث سنوات"! وفي السياق عينه، يروي محمد حكايته التي انتهت بالزواج من آسيوية:"نعم تزوجت من آسيوية لأنها لم تشترط ان يكون لديّ سيارة لا تقل قيمتها عن 300 ألف درهم، وفيللا في الجميرا، وملابس غالية، وعطور من شتى الأنواع". بين المؤيد والمعارض، يعيش المجتمع الاماراتي أزمة زواج حقيقية. وتجد في هذا الجو الكثير من الحكايات المثيرة وبيئة خصبة للتناقل والانتشار. حكايات عن"سوق رقيق شرعي"ينشط فيه تجار يؤمنون الزوجات الأجنبيات صغيرات السن للمواطنين كبار السن لقاء مؤخرات صداق عالية. تفتعل الزوجة بعد ذلك مشكلات لتطليقها والحصول على المبلغ المالي الذي يحصل التاجر على عمولة كبيرة منه... زواج بين مواطنين في الخامسة والسبعين وآسيويات في الثامنة عشرة.. هروب الأجنبيات بأولادهن الذين يحملون الجنسية الاماراتية الى مواطنهن الأصلية... وحكايات اخرى من الصعوبة التحقق من صدقيتها أو زيفها في مجتمع لا تزال فيه قضية الزواج، على رغم كل الصخب الذي يلفّها، مسألة حبيسة الجدارن المغلقة.