كان لطامحين وحالمين بمستقبلٍ أفضل موعد خلال عطلة نهاية الأسبوع في بيروت، وللمرة الأولى، مع مؤتمر «تيد - إكس» TED. معايير المشاركة في هذا الحدث مختلفة عن مثيلاتها من المؤتمرات التي تعقد عادة في لبنان. «تيد» ليس زعيماً سياسياً أو طائفياً، ولا شروط حول الانتماء المذهبي والسياسي. الشرط الوحيد هو أن تكون مُلهِماً أو طالب إلهام! ومع أن «تيد» هي جمعية بلا فرد أو زعيم، يستقطب المؤتمر جمهوراً من أصحاب الأفكار، أي أفكار، والسماء هي الحدّ، في بيروت والقاهرة وفي كل نسخه التي تقام في عواصم عربية وغربية. «تيد» (www.ted.com) جمعية لا تتوخى الربح، هدفها نشر أفكار تساهم في إلهام الآخرين، كما وقعت إلهاماً على أصحابها. أُسست الجمعية في عام 1984 لجذب أشخاص من ثلاثة مجالات، هي العلوم والتسلية والتصميم، قبل أن تتوسع لتضم كل المجالات المهنية. وقد بدأت في الولاياتالمتحدة لتنشئ في ما بعد فروعاً عدة، تحت إسم «تيد - أكس» (Ted - X). ويرمز الحرف «أكس» في التسمية إلى منظِّمين مجهولين، يتكفّلون بتنظيم تلك المؤتمرات في أنحاء العالم. لكن الهدف لا يتغير، وهو إنشاء مركز، بلا مركزية، لتبادل الأفكار ونشر معلوماتٍ وخواطر أو مواد من أي نوع شرط أن تكون مُلهِمة ويودّ مبتكروها تشاطرَها مع الآخرين والتأثير فيهم. عُقد مؤتمر «تيد إكس - بيروت» السبت الماضي، في جامعة القديس يوسف في المنصورية قرب بيروت. غصّت الطرق بالسيارات والحافلات لنقل الوافدين بالآلاف إلى المؤتمر، من دون أعلامٍ ترفرف، أو أصداء أناشيد حزبية، على عكس المألوف في لبنان الذي اعتاد مهرجانات سياسية وحتى فنية لا تخلو من الشعارات منذ عام 2005 حين اغتيل رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري. من مجالات مختلفة أتوا لحضور المؤتمر، طلاباً وصحافيين وأصحاب شركات وأطباء ومهندسين وعلماء وباحثين. كلٌ أتى مدفوعاً بحافز خاص به. لكن المشترك بين الجميع كان التعرف إلى أشخاص جدد والاستماع إلى تجارب غنية قد تضيف إلى النفوس التماعة ما. هي الحرية المطلقة والحفر بحثاً عن نبع إنساني، وفي الغالب شبابي، لا ينضب. هو الوجدان العادي، اليومي، الذي قد يدور من حوله عالم بأسره. استمر «تيد أكس - بيروت» من التاسعة صباحاً ولغاية السادسة مساءً. المنظمون متطوعون، لا يجنون منه شيئاً سوى تجربة المشاركة التي كانت كفيلة بدفعهم إلى بذل كل طاقاتهم لإنجاح المؤتمر. وهذا ما ساهم في تميزه، من حيث التنظيم الدقيق والتعويض عن غياب بعض المتحدثين من أصل 21 متحدثاً سجّلوا أسماءهم ليقولوا ما عندهم. غير أن المداخلات المقدّمة لم تثبت جدواها، ولم ترق غالباً إلى المستوى المطلوب والذي يفترض أن يتلاءم مع غاية المؤتمر ورسالته. فعلى رغم موازاة بعض الكلمات والتجارب بتقنيات «مبهرة» للفت الانتباه، غلب الطابع الكوميدي على الكثير من المداخلات التي حاول أصحابها إيصال تجاربهم إلى الحضور، ما أفرغها من مضمونها المتوخّى لتتحول عرضاً فكاهياً أشبه بعرض كوميدي منفرد أو ما يعرف ب «ستاند أب كوميدي». لكن بعض المحاضرين أتقنوا هذا الأسلوب، وجيّروه لمصلحة المضمون - الهدف، وفي اللحظات الصحيحة، فأضفوا شيئاً من الفكاهة التي كسرت الرتابة في رصانة التجربة أو جدّية الموضوع، كما فعل المهندس البيئي زياد أبي شاكر خلال عرض تجربته مع مشروعه لتدوير النفايات في لبنان. قدّم موضوعه مغلّفاً باستعارة لعلاقة حب، إذ إشار إلى النفايات ك «حبيبة»، وسلّط الضوء على المشكلات التي واجهها مع «أهلها»، في إشارة إلى عامة الناس، أي نحن منتجي النفايات، خصوصاً من لا يعون فائدتها الكامنة كمصدر للطاقة والزراعة بعد معالجتها. كما قدّم خلال عرضه مجموعة من الآلات التي صنعها بنفسه لتحويل الزبالة على أنواعها إلى مواد مفيدة. الخشبة التي اعتلاها المتحدثون حملت أيضاً 21 صندوقاً، كأنها ديكور لمسرحية. وراحت عريفة المؤتمر، خلال تقديمها لكل من المشاركين على التوالي، تفتح صندوقاً واحداً قبل أن يطلّ كل متحدث على الحضور، في تلميح إلى «الإفراج عن أفكار هي ملكية لأصحابها لكنها تُفتح على المشاركة مع الموجودين». فتحدثت هلا فاضل، مثلاً، إلى الجمهور، عن تجربتها في الانتقال من وظيفة في أحد المصارف إلى ترؤس «جمعية أم أي تي للمتعهدين العرب»، وذلك بعدما طرح عليها زوجها سؤالاً بسيطاً: «هل أنت سعيدة؟». بساطة السؤال دفعتها إلى إعادة تقويم طموحها، وعدم الاكتفاء بالخيارات الآمنة في عملها. وكانت إجابتها على ذلك السؤال البسيط عملية، فأسست واحدة من أهم جمعيات التعهد والتعاون في العالم العربي. ولخّصت نجاحها باستعارة من قول أدبي للنحات الروماني قسطنطين برانكوزي مفاده «اعمل مثل عبد، قُدْ مثل مَلِك، وابتكر كمبدعٍ فوق الطبيعة».