العام الفائت، عرضت فرقة "إيحاء للفن المسرحي" في الجامعة الأميركية في بيروت، مسرحية "فيلم أميركي طويل" لزياد الرحباني 1981. لاقت المسرحية إقبالاً شديداً، وسُربت على شكل كاسيتات مصورة، بيعت لاحقاً في الأسواق من دون علم الفرقة. العام الحالي تقدم الفرقة نفسها مسرحية "بالنسبة لبكرا... شو؟" الّتي تعتبر من أجمل مسرحيّات زياد الرحباني 1978، ويقدم تلامذة الجامعة مساء اليوم العرض الأخير. "طيب وبالنسبة لبكرا... شو؟"، تسأل الشابة. "مثل اليوم، أصلاً حياتنا صارت... فيلم أميركي طويل"، يجيب صديقها. يتخذ الصديقان مكانيهما بين الرفاق في باحة الجامعة الأميركية في بيروت، استعداداً لحلقة حوار تطغى عليها اللغات الأجنبية. الشاب على الجانب الأيسر لا يبدو راضياً عن سير الأمور، يتململ معترضاً، قبل أن يفجر ما يدور في خلده. "بالمدرسة كنت ضعيف باللغات، هيدي شغلة بعترف فيها... كنت عم رك عالعربي"، يسخر من رفاقه مقتبساً عبارة استخدمها زياد الرحباني في إحدى مسرحياته. الشبان السابقون ليسوا إلا عينة من كثيرين، لبنانيين وعرب، لا تغيب "سكيتشات" زياد الرحباني المسرحية عن حياتهم اليومية، فيستعينون بأقوال وتعليقات ولد معظمها قبل ولادتهم بأعوام. وان جاءت مقتبساتهم في غير مفهومها ومحلها أحياناً، إلا أنها دائماً تخدم الهدف الأسمى، في السخرية من الواقع والآخر. "كيف ننظر إلى لبنان؟" وعلى رغم انطلاق معظم مسرحيات زياد في سبعينات وثمانينات القرن الماضي، وعلى رغم الفارق العمري بين زياد المولود في العام 1956، وبين جمهوره الذي يتشكل بغالبيته من الجامعيين، ينظر وائل 23 سنة إلى زياد كزميل: "أصلاً زياد ولد قبل وقته بخمسين سنة، هذا يجعله قريباً من جيله وجيلنا". أما رامي 24 سنة فيكفي انه تعلم "من خلال مسرحيات زياد وأغنياته السياسية التي اسمعها منذ الطفولة كيف أنظر إلى لبنان، كيف اسخر من الطبقة السياسية الحاكمة واكشف ألاعيبها"، لينظر إليه كمثل أعلى و"نموذج يحتذى به". في حين تبدو دانه 27 سنة اكثر اهتماماً بفن زياد "الفذ، الذي أعطى للموسيقى العربية بعداً جديداً وغيّر نظرة العالم إليها. معه أصبحت الموسيقى جزءاً من حياة الناس... صارت تحاكي همومهم وتعبر عنهم". وكذلك الحال مع علي الذي يعتبر انه "لا يمكن تحديد اللغة التي يخاطب بها زياد جمهوره، هو يستعمل لغة القلب لمخاطبة العقل". بالنسبة لبكرا... شو؟ الأهمية البارزة التي يوليها الشبان إلى مسرحيات زياد الرحباني لا تقف عند حدود سماعها على شرائط مسجلة، بل تتعداها إلى حد إعادة تمثيلها، من خلال ممثلين جدد. إذ تقدم فرقة "إيحاء للفن المسرحي"، مسرحية "بالنسبة لبكرا... شو؟"، مستعينة بممثلين جامعيين "تأثروا بزياد فأصبحت أقواله جزءاً من نكاتهم وتعليقاتهم اليومية"، كما يقول مؤسس الفرقة المخرج أياد وهبة. المسرحية التي تعرض على مسرح قاعة "وست هول" في الجامعة الأميركية في بيروت حتى الأربعاء المقبل، والتي نفذت بطاقات الدخول إليها قبل بدء العرض بأسبوع، لم تتعرض لانتقادات تذكر في صفوف المشاهدين. "في البداية لم تعجبني فكرة أن أشاهد مسرحية سمعتها مئة مرة، بخاصة وأنني احب زياد كثيراً ولا أرضى أن يقلده أحد. لكن العرض غير نظرتي هذه. الديكور والحركات تتطابق مع ما أخبرتني إياه والدتي التي شاهدت عرض المسرحية الأصلية عام 1978"، تقول إحدى الحاضرات. مسرحية "إيحاء" أفضل! وحول قدرة الفرقة على تقديم عرض شبيه إلى حد كبير بالعرض الأصلي، يوضح وهبه انه استعان "بالمقالات والمواضيع المتعلقة بالمسرحية، جمعنا الصور الموجودة فيها، فكونا بذلك بعض الأفكار الإخراجية التي انطلقنا منها لتشكيل المشهد". وكان الفنان بطرس فرح الذي أدى دور المسيو انطوان في المسرحية الأصلية، أبدى إعجابه بالعرض، "لم يصدق أنني لم احضر مسرحية أل1978. لم يكن لديه أي ملاحظات على العرض، إلا انه أشار إلى غياب بعض اللمسات الفنية، إذ كان زياد مثلاً يمسك النظارات من جانب واحد كلما أراد الكلام. كما أن ثريا الأصلية قالت بعد العرض إن الفرقة أدت المسرحية بطريقة افضل مما أداها الممثلون الأصليون"، كما يقول وهبة. وكان تميز في الأداء الممثل باسل شمس الدين بدور زكريا زياد الرحباني، واشرف مطاوع بدور رامز جوزيف صقر، وجمال ملاعب بدور الشيخ دعفوس. ويذكر أن الممثلين الثلاثة احترفوا التمثيل في سن مبكرة، "كانوا تلاميذي في إحدى المدارس، ولاحظت قدرتهم على التمثيل وموهبتهم في المرحلة التعليمية المتوسطة، وبخاصة باسل زكريا كان مميزاً وموهوباً"، يضيف وهبة. ولوحظ أن المخرج اكتفى بالتسجيل الصوتي للممثل المطرب جوزيف صقر بسبب عدم قدرة الممثل الشاب على تأدية الأغنيات فضلاً عن التكلفة المادية الباهظة للإنتاج الموسيقي. ومن أعمال الفرقة: غربة محمد الماغوط ودريد لحام، فيلم أميركي طويل زياد الرحباني، وبالنسبة لبكرا شو زياد الرحباني. ينهي الرفاق حديثهم اليومي في باحة الجامعة. و"بدي امشي بس بدك حجر الداما هونيك يمشي"، يقول الشاب مشيراً إلى صديقته قبل أن ينصرف مودعاً الرفاق.