برنامج تعاون بين "كاوست" والمركز الوطني لتنمية الحياة الفطرية    نائب أمير الشرقية يستقبل قائد قوة أمن المنشآت أمير الفوج التاسع    نائب أمير الرياض يرعى ورشة العمل التطويرية لجائزة الرياض للتميز    المزرعة الإنجليزية "فالكون ميوز" تُشارك ب 100 صقر في المزاد الدولي لمزارع إنتاج الصقور 2025    نائب أمير القصيم يطلع على جهود الجمعية الأهلية بعنيزة    "كرنفال التمور" في بريدة يوفّر فرصًا ريادية ويعزز حضور الشباب في القطاع الزراعي    الغامدي يرعى إطلاق النسخة الأولى من جائزة التنمية الشبابية    الشيخ أحمد بن محمد بشير معافا.. قامةُ قضاء ورفعةُ خُلُق !    أمير الشرقية يستقبل منسوبي هيئة الأوقاف ورئيس اللجنة الوطنية وقائد قوة أمن المنشآت    أمير منطقة جازان يعزي في وفاة الشيخ أحمد بشير معافا    الشؤون الإسلامية في جازان تشارك في الحملة الوطنية للحد من ظاهرة التسول    تعرف على دوكوري لاعب نيوم الجديد    تفاصيل عقد النصر مع الفرنسي كينجسلي كومان    سيرة من ذاكرة جازان.. الفريق ركن عمر حمزي رحمه الله    مفردات من قلب الجنوب 10    تصريف 5 ملايين م³ من مياه سد وادي ضمد لدعم الزراعة وتعزيز الأمن المائي    مجلس الوزراء: تعديل بعض مواد تنظيم الهيئة السعودية للمحامين    شركة "البحري" السعودية تنفي نقل شحنات أسلحة إلى إسرائيل    خيط الحكمة الذهبي: شعرة معاوية التي لا تنقطع    المياه الوطنية : 6 أيام وتنتهي المهلة التصحيحية لتسجيل التوصيلات غير النظامية    الإدارة الروحية لمسلمي روسيا تحدد شروط تعدد الزوجات    مدير الشؤون الإسلامية في جازان يناقش شؤون المساجد والجوامع ويطلع على أعمال مؤسسات الصيانة    المجر ترفض الانضمام لبيان الاتحاد الأوروبي    محافظ الطائف يشهد انطلاق المرحلة الثالثة من برنامج "حكايا الشباب"    محافظ الطائف يستقبل المدير التنفيذي للجنة "تراحم" بمنطقة مكة المكرمة    امطار خفيفة الى متوسطة وغزيرة في عدة مناطق بالمملكة    ترمب يوقّع أمرًا تنفيذيًا بتمديد هدنة الرسوم مع الصين 90 يومًا أخرى    المنتخب السعودي الأول لكرة السلة يودّع بطولة كأس آسيا    السعودية ترحب بالإجماع الدولي على حل الدولتين.. أستراليا تعلن نيتها الاعتراف بدولة فلسطين    ضبط 17 مخالفًا بحوزتهم 416 كلجم من القات    السنة التأهيلية.. فرصة قبول متاحة    بحث مع ملك الأردن تطورات الأوضاع في فلسطين.. ولي العهد يجدد إدانة المملكة لممارسات الاحتلال الوحشية    بعد خسارة الدرع الخيرية.. سلوت يعترف بحاجة ليفربول للتحسن    برشلونة يسحق كومو ويحرز كأس غامبر    وزير لبناني حليف لحزب الله: أولويتنا حصر السلاح بيد الدولة    عشرات القتلى بينهم صحافيون.. مجازر إسرائيلية جديدة في غزة    افتتاح معرض الرياض للكتاب أكتوبر المقبل    «ترحال» يجمع المواهب السعودية والعالمية    «الزرفة» السعودي يتصدر شباك التذاكر    تعزيز الأمن الغذائي وسلاسل الإمداد للمملكة.. "سالك".. 13 استثماراً إستراتيجياً في قارات العالم    الشعب السعودي.. تلاحم لا يهزم    موجز    مباهاة    المفتي يستعرض أعمال «الصاعقة» في إدارة الأزمات    حقنة خلايا مناعية تعالج «الأمراض المستعصية»    7.2 مليارات ريال قيمة اكتتابات السعودية خلال 90 يوما    "فهد بن جلوي"يترأس وفد المملكة في عمومية البارالمبي الآسيوي    ثقب أسود هائل يدهش العلماء    مخلوق نادر يظهر مجددا    تحديات وإصلاحات GPT-5    232 مليار ريال قيمة صفقات الاندماج والاستحواذ    أخطاء تحول الشاي إلى سم    إنقاذ مقيمة عشرينية باستئصال ورم نادر من فكها بالخرج    فريق طبي سعودي يجري أول زراعة لغرسة قوقعة صناعية ذكية    أمير تبوك يستقبل المواطن ناصر البلوي الذي تنازل عن قاتل ابنه لوجه الله تعالى    سعود بن بندر يستقبل مدير فرع رئاسة الإفتاء في الشرقية    مجمع الملك عبدالله الطبي ينجح في استئصال ورم نادر عالي الخطورة أسفل قلب مريض بجدة    أمير جازان ونائبه يلتقيان مشايخ وأعيان الدرب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سورية والمادة 137 في القانون الأساسي للعاملين في الدولة ...
نشر في الحياة يوم 13 - 12 - 2004

هي من المرات الفريدة التي يبادر فيها عشرات المحامين السوريين للتوقيع على عريضة قانونية موجهة الى رئيس الجمهورية لاستخدام صلاحياته الدستورية ورد مشروع تعديل القانون الاساسي للعاملين في الدولة الى مجلس الشعب السوري لازالة مخالفة دستورية تتضمنها الفقرة الثانية من المادة 137 وتعديلها بما يسمح للمتضررين مراجعة القضاء واستعمال حقهم الذي نصت عليه المادة 28 من الدستور "حق التقاضي وسلوك سبل الطعن والدفاع امام القضاء". وأعاد الرئيس السوري النظر في المشروع، ورده فعلاً.
واللافت ان يجمع هؤلاء المحامون على موقف واحد على رغم تحدرهم من مشارب فكرية وسياسية متنوعة وحتى متعارضة. فالى جانب كتلة كبيرة من المستقلين هناك بعثيون وشيوعيون وناصريون ويساريون واسلاميون، وهي ظاهرة صحية تدل على بشائر تحرر من المرجعيات السياسية وتنامي شعور بالهم العام وبضرورة العمل المشترك في التصدي للمخالفات القانونية والدستورية وخصوصاً التي تمس لقمة عيش المواطن على شاكلة المادة 137 . وأصل المسألة ان مجلس الشعب أقر مشروع تعديل القانون الاساسي للعاملين في الدولة مبقياً على المادة 137 التي تبيح التسريح التعسفي لأي عامل في قطاع الدولة من دون ايضاح الاسباب او الدوافع، وتحجب فقرتها الثانية الحق الدستوري للعامل المتضرر في اللجوء الى القضاء للطعن او التظلم. وبالطبع أثارت هذه المادة قبل إقرارها جدلاً وسجالاً واسعاً بين مدافع عن استمرارها في مشروع القانون وحجته الوحيدة تسهيل محاربة الفساد او الاقتصاص من مخربي قطاع الدولة ولصوصه، وبين رافض لها ويجد في القضاء، وليس اي طرف آخر، صاحب الحق الوحيد في تقرير مصير اي عامل او موظف، مهما كانت المخالفات التي يرتكبها.
وربما تأثراً بمناخات الدعوة للتحديث والتطوير، جاءت الاعتراضات هذه المرة واضحة وجريئة اطلقها العديد من النشطاء النقابيين والسياسيين وأعضاء في مجلس الشعب نفسه، جاهر بعضهم مطالباً بالغاء المادة من اساسها مذكراً بأنها ليست إلا صورة مستنسخة من المادة 85 التي عانى من ويلاتها البعثيون انفسهم قبل وصولهم الى السلطة، لكن للأسف لم يكتب لهذه الاعتراضات النجاح ربما بسبب مناورة ذكية لجأ اليها بعض اعضاء المجلس "وأشدهم دفاعاً عن مصالح الشعب وحقوقه"!! عندما اجروا تعديلاً بسيطاً ينقل مسؤولية اتخاذ قرار الفصل او التسريح التعسفي من رئيس مجلس الوزراء الى رئيس الجمهورية، وتم استقواء بمركز رئيس الجمهورية تحييد الكثيرين وتخفيف حدة اعتراض آخرين.
والمؤسف ان يستند هؤلاء في موقفهم الى ذريعة محاربة الفساد والمفسدين، وهم يعرفون اكثر من غيرهم ان الامر على العكس تماماً وان تثبيت مثل هذه المادة هو احد العوامل المشجعة على الفساد.
فأولاً، أيهما أنجع في محاربة الفساد قرارات الفصل والتسريح الفوقية الغامضة أم الاحالة الى قضاء محاكمات علنية؟ وهل يختلف اثنان ان قوة الموقف الاخلاقي من الفساد تسهل على القضاء ادانة الفاسد والقصاص منه، وان الاحكام الصريحة الواضحة هي التي تساعد على إيجاد ثقافة عامة مناهضة للفساد وعقوبات تردع المفسدين وتلجم ضعاف النفوس؟ علماً ان ظاهرة الفساد كانت ولا تزال واسعة الانتشار في سورية مع وجود هذه المادة وسطوتها، ولم ينجح بعض عمليات الفصل التعسفي، بسبب عدم النزاهة واستغلال المنصب الحكومي، في الحد من هذه الظاهرة وتخفيف آثارها السلبية.
ثانياً، يعرف القاصي والداني ان اخضاع المؤسسة القضائية المزمن للمؤسسة التنفيذية وإهمال دورها التخصصي هو احد اسباب انتعاش الافساد والمفسدين، ففي ظل استمرار حالة الطوارئ والاحكام العرفية ينهض أسوأ نوع من انواع الفساد في مجتمعنا بتغليب الارادة والمصالح السياسية على حساب الحق والمؤسسات والقانون. والغريب ان يستمر الى اليوم هذا الاستهتار بالقضاء وازدرائه على رغم تواتر الدعوات لاستقلاله وتطهيره وإحياء دوره في الحياة العامة، والمعروف ان ليس ثمة ما يخشاه المتنفذون من حضور القضاء وتفعيل دوره للدفاع عن حق العامل المسرح تعسفياً، طالما يسخر منه ومن جدوى اللجوء اليه، فالأمر في اعرافهم سيان وليس ثمة فارق في النتائج، وهم مطمئنون الى ان المؤسسة القضائية تحت السيطرة تماماً وتسيّرها قراراتهم ومصالحهم لا القوانين والحقوق.
ثالثاً، مما لا شك فيه ان الفساد ينمو ويترعرع عندما يتسلح المسؤول الاداري بسلاح على شاكلة المادة 137، وبه يمكن ابتزاز العامل الخائف من التسريح التعسفي ليقدم كل فروض الاذعان والطاعة والخضوع لرغبات المسؤول وأهوائه بل إكراهه على القيام بأعمال مخالفة للقوانين والنزاهة، مما يطيح الدور الرقابي للعاملين في المؤسسات والمصانع ويفسح المجال واسعاً امام المتنفذ ليعيث فساداً كما يحلو له، فكيف يمكن لعامل ان ينتقد المثالب والأخطاء او يفضح ما يتكشف امامه من ظواهر الفساد، وهو خائف ومهدد في كل لحظة بالحرمان من لقمة العيش، أليس اضطراره الى الصمت وغض النظر او الى الكذب والتحايل والمداهنة هو امر مبرر كي يأمن جانب رئيسه القادر في كل لحظة على تقديم اقتراح بفصله من العمل مشفوعاً بما تبتكره مخيلته من "أسباب موجبة"؟
رابعاً، تدل الوقائع الملموسة ان غالبية المتضررين من استخدام هذه المادة وطوال عقود من الزمن هم من المعارضين السياسيين او ممن خالفوا النظام في بعض توجهاته ومواقفه، وهناك اليوم المئات منهم عاطلون عن العمل وسرحوا بقرار من رئيس مجلس الوزراء من دون حاجة الى توضيح الاسباب لأنها في الحقيقة اسباب سياسية من الاسلم على السلطات اغفالها وعدم كشفها. ثم بات من المألوف سماع عبارة من أرباب العمل في الدولة تمنن المواطن على فرصة العمل التي توفر له، وكأن قطاع الدولة او القطاع العام هو ملكية خاصة لهم، بل يتصرف بعضهم على هذا الاساس ولا يرف لهم جفن وهم يلقون من يعارضهم على قارعة الطريق!
أخيراً، لنفترض جدلاً ان ليس ثمة شكوك متعلقة بالجدية في محاربة الفساد وان المتحمسين للمادة 137 مقتنعون بدورها في النيل من المفسدين، لكن من يضمن في المستقبل ان يقتصر استخدامها على هذه الغاية فقط، وهنا من المفيد التذكير بالمرسوم رقم 6 المتعلق بحماية النظام الاشتراكي والذي اقره مجلس قيادة الثورة بعد استلام حزب البعث للسلطة وكان غرضه "الضرب بيد من حديد على الاقطاع والرجعية والرأسمالية وأعوانهم"، والمفارقة المؤلمة والمؤسفة في آن، انه المرسوم ذاته الذي حوكم على اساسه المئات من الشيوعيين، أشد المنافحين عن الاشتراكية والعدالة الاجتماعية، وجرموا بمعاداة اهداف الثورة والاشتراكية واتخذت بحقهم احكاماً قاسية. ليس غريباً وجديداً اصرار العقلية الوصائية على الاستئثار والتحكم في شؤون البلاد والعباد لكن ربما الجديد ان يتجاوز عدد المحامين الموقعين حتى الآن ال400 محام، والأهم ما تلقاه العريضة من إقبال كبير للتوقيع عليها من مختلف الاوساط والفئات الاجتماعية.
* كاتب سوري.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.