من وراء الحجاب الاسود تصف مجموعة من السيدات السعوديات دخولهن عالم العقار كمستثمرات ومُسوقات بانها مرحلة تتسم "بالتحدي والاصرار والمثابرة وتتصف بالقوة والمساهمة في ازالة الفكرة التي ظلت سائدة عن قدرات الايدي الناعمة على اختراق مجال الاعمال خصوصاً تجارة العقار". عندما اسست احدى شركات العقار في جدة قسماً نسائياً للتسويق وادارة املاك النساء في الرابع من تشرين الاول اكتوبر عام 1997، وُصفت الخطوة في الاوساط العقارية الرجالية بأنها "صرعة تسويقية" لاجتذاب فئة سيدات الاعمال والمستثمرات اللواتي لا يمكن الوصول اليهن الا عن طريق "الجنس اللطيف" ومن ثم ادارة العمل بأيد رجالية في المكاتب الخلفية. ومع الوقت ثبت خطأ هذا التفكير وثبت ان كثيرات في السعودية لديهن المال والرغبة الاستثمارية لكنهن يتحرجن في طرح اي استفسار عما يخصهن او التفاوض مع الرجال "وتجد المرأة الراحة اكثر لدى التعامل مع سيدة مثلها". الوكيل الشرعي ومنذ عشرات السنين والمرأة السعودية ترتبط بالعقار ارثاً وشراء لكنها من النادر ان تتعاطى معه استثماراً وتسويقاً وتبقى هذه مهمة ولي امرها او وكيلها الشرعي. ومنذ مطلع التسعينات تغيرت الصورة واقتحمت النساء عالم العقار رويداً رويداً مستثمرات بأموالهن التي اكتسبنها بالإرث او من خلال الوظيفة. وتقول سيدة الاعمال المتخصصة في العقار في جدة نهلة حسان الانصاري ل"الحياة" انها بدأت العمل العقاري عام 1989 عندما ورثت عن ابيها ما قيمته 4 ملايين ريال نحو 1.1 مليون دولار من العقارات الصغيرة في احياء جدة القديمة مع بعض السيولة النقدية. وتضيف: "في البداية اوكلت الى زوجي مهمة ادارة هذه العقارات ومتابعتها لكنه مع الوقت ولظروف عمله الاكاديمي وقلة خبرته بدأ ينسحب من هذه المهمة، لأجدني وجهاً لوجه مع تجارب الوكيل الشرعي حيث وكلت ثلاثة اشخاص على مدى سبع سنوات قبل ان اقرر ادارة هذه الاملاك وتطويرها بنفسي وتوكيل احد ابنائي بمهمة مراجعة الدوائر الحكومية والمحاكم مقابل راتب شهري مقطوع". وتخطط الانصاري منذ عامين لاقامة مجمع سكني تجاري في مكةالمكرمة بالاشتراك مع ثلاث سيدات اعمال باستثمار اجمالي يقارب 10 ملايين ريال 2.7 مليون دولار، كما تخطط لتأسيس شركة عقارية متخصصة مع مجموعة من الشركاء الرجال والسيدات للتوسع في هذا المجال. وفي الرياض تنتظر السيدة فاطمة العسيري انهاء اجراءات شراء العمارة السكنية الثالثة في حي المروج بعدما تخصصت منذ سبعة اعوام في شراء البنايات وتأجيرها، على ان يتولي مكتب عقاري ادارتها وتحصيل ايجاراتها مقابل 5 في المئة من اجمالي الدخل الذي يصل سنوياً الى 220 الف ريال 58.7 الف دولار. صعوبات المليون الاول وتقول العسيري ان خطتها تقضي بشراء عمارة جديدة كل اربع سنوات من خلال الدخل المتأتي من تأجير البنايات، وتوضح انها واجهت صعوبات عند الحصول على المليون الاول لشراء العمارة الاولى وتضيف: "جمعت من رواتبي كمعلمة جزءاً من المبلغ واقرضني زوجي 100 الف ريال واقترضت من اخواتي وزميلاتي بعض المال وبعت جميع مصوغاتي الذهبية ومجوهراتي لاكمل المبلغ". مسوقات عبر الهاتف ولا تخفي العسيري قلقها الدائم من الوقوع في "مقالب مكاتب العقار" وتزيد "زوجي قليل الخبرة في العقار... والسوق لا ترحم فالكل يريد ان يسوق عقاره وبعض المسؤولين عن المكاتب لا يخافون الله". ودفع هذا الاتجاه العقاريين الكبار الى التفكير جدياً في تعيين "مسوقات متعاونات عبر الهاتف" او تدشين اقسام نسائية في شركاتهم بحثاً عن بائعات ومشتريات للعقار من طلائع العقاريات الجدد في السوق، خصوصا انها منطقة جديدة وواعدة ولم تتشبع مثل مناطق الرجال. الغرف التجارية ويعتقد العاملون في هذا القطاع ان مقومات انجاح مثل هذه الاقسام الخاصة بالسيدات يأتي في مقدمها ضرورة وجود قسم نسائي مستقل في الغرف التجارية مع دعم ومساهمة سيدات الاعمال في فتح مكاتب للعقار النسائي "من خلال وجود تصريح خاص بسيدات الاعمال لفتح مثل هذه المكاتب". ويعتقد المراقبون انه منذ ازدياد نغمة "السعودة" مطلع التسعينات والقطاع الخاص يسعى جاهداً لتحقيق المعادلة الصعبة التي تتلخص في الحصول على الشباب "الجاد المكافح" ذي المؤهلات الملائمة والمنافسة لنظيره الاجنبي الذي يرضى بالراتب نفسه ويقبل القيام بالاعمال نفسها. وحددت الدولة نسبة 5 في المئة كحد ادنى للسعودة منذ ثلاثة اعوام كما حددت ما يعادل 17 وظيفة يمكن سعودتها بشكل مبدئي، مثل وظيفة التسويق ومندوبي المبيعات ومندوبي الدعاية والترويج ومندوبي العلاقات العامة والاعلان وموظفي الارشيف وعمال السنترالات والاستعلامات وعمال النسخ والطباعة والتصوير والترجمة، وغيرها من الوظائف التي يلاحظ القطاع الخاص ان الشباب السعودي لا ينجذب اليها ولا يهوى العمل فيها بل وفي الغالب لا تتناسب مع "طموحاته الادارية" ولا تتلاءم مع "مركزه الاجتماعي" ولا تفي باحتياجاته الاقتصادية والعادية، حيث تصنف معظم هذه الوظائف بما يُعرف باسم "الوظائف الاولية" وعليه فان رواتبها بمقياس الشباب رواتب ضعيفة وغير مغرية فظلت هذه الوظائف غير مسعودة على مر العامين الماضيين. وعندما عرضت هذه الوظائف على الخريجات السعوديات فرحن بها بل ورحبن بممارستها مقابل الراتب الذي يتقاضاه الاجنبي. وبالفعل اقدم عدد كبير من رجال الاعمال خصوصاً في جدة على خوض هذه التجربة بكل شجاعة رغبة منهم في منح الفتاة السعودية فرصة مماثلة ودعمها عملياً واقتصادياً والافادة اولاً واخيراً من قدراتها الكامنة. وفي الفترات اللاحقة اصبح من المألوف متابعة تسارع وتيرة انضمام الفتيات والسيدات السعوديات الى سوق العمل الوطنية في مجالات محددة كالتدريس والطب والصناعة المصرفية الموجهة للقطاع النسائي وبعض المهام الادارية المحدودة التي تشبعت كليا واصبحت الفرص فيها محدودة. في ظل كل ذلك جاء الاتجاه الى ايجاد قنوات عمل اضافية كان في مقدمها اعمال التسويق بالهاتف، والتسويق المباشر للسيدات، وتسويق العقارات السكنية. الاجور وتتقاضى الفتيات المسوقات اجورا تراوح بين 500 و800 دولار شهرياً وعمولات تراوح بين 1 و 3 في المئة عن عمليات البيع العقارية ترتفع عند تجاوز الهدف التسويقي الموضوع لها. وفي كل الاحوال تتحول المسوقات العقاريات بعد سنوات الى مستثمرات فالجميع يبحث عن "المليون الاول" الذي يضع اقدامهن على اول الطريق العقارية، التي تقبع على جنباتها اليوم في السعودية شركات عقارية نسائية بالكامل عددها قليل لكن افكارها وطموحاتها كثيرة.