ليس غريباً ان يتصافح الرئيسان حسني مبارك ومحمد خاتمي، وان يشكل لقاؤهما في هدوء جنيف فرصة لطي صفحة القطيعة بين البلدين. الغريب ان هذا اللقاء تأخر. عندما التقى الرئيسان المصري والايراني أمس تذكر أهل المنطقة قصة القطيعة. انتصار الثورة الاسلامية في ايران واستضافة مصر السادات للشاه الذي خسر السلطة وخسر معها كل شيء. تذكروا القبضات المرفوعة في شوارع طهران في ظل الخميني ومعها شعار "تصدير الثورة" والاستخفاف بضوابط الحدود الدولية والأعراف الدولية. وتذكروا ايضاً دور مصر في المساعدة في الحؤول دون انهيار الجبهة العراقية في الحرب مع ايران. وكذلك دور صدام حسين في دعم عودة مصر الى الجامعة العربية. ولم تغب عن بال المتابعين للعلاقات بين الدولتين قصة إقدام طهران على اطلاق اسم خالد الاسلامبولي قاتل الرئيس أنور السادات على أحد شوارعها وتأكيد القاهرة ان إلغاء هذا القرار يساهم في تحسين العلاقات. ملفات كثيرة تعود الى الذاكرة في أي استعراض لأسباب الخلاف بين البلدين. هناك العلاقة مع الولاياتالمتحدة. مع "الشيطان الأكبر" الذي يرابط اليوم قرب الحدود الايرانية من جهات عدة. وهناك ايضاً الموقف من وجود اسرائيل ومن عملية السلام. هذا من دون ان ننسى ان ايران لم تنظر ابداً بارتياح الى انضواء مصر في دول اعلان دمشق والذي عنى عملياً ان مصر معنية بأمن الدول العربية في الخليج. لقاء الرئيسين مبارك وخاتمي ذكّر أهل المنطقة ايضاً بأن القطيعة بين البلدين ولدت في ظل عالم بات يقيم في الذاكرة. دار الزمان دورة كاملة وتغيّر العالم وتغيرت أشياء كثيرة في المنطقة. الاتحاد السوفياتي يقيم في كتب التاريخ والقوة العظمى الوحيدة ترابط في كابول وبغداد بعدما طحنت آلتها العسكرية نظامي الملا عمر وصدام حسين في هجوم شامل انطلق بفعل دوي "غزوتي نيويورك وواشنطن". الوقت أبرع الأطباء وأقساهم. ذهبت الأيام بحرارة الثورة الايرانية. انحسرت صيحات الثوار وتقدمت لغة الدولة بما تعنيه من واقعية وحسابات باردة وأرقام. وعلى أرض الواقعية لا تستطيع دولة مثل ايران انكار ثقل دولة اسمها مصر. ولا تستطيع مصر بدورها تجاهل وجود دولة مثل ايران داخل اقليم الشرق الأوسط وداخل العالم الاسلامي. وامام صورة الوضع الراهن في المنطقة تحتاج ايران الى العلاقات لا العداوات. وفي مو ضوع اسرائيل نفسه وبكل ما يتضمنه من حديث ترسانات فإن العلاقات بين طهرانوالقاهرة يمكن ان تساهم في تعزيز فرص التوازن. ثم ان ايران تلاحظ بلا شك ان بين الفصائل الفلسطينية التي شاركت في الحوار الذي رعته مصر كانت حركتا "حماس" و"الجهاد" اللتان تربطهما بإيران علاقات وخيوط. يحتاج أي بحث جدي في مستقبل المنطقة واستقرارها الى علاقات طبيعية واكثر بين ايران وكل من السعودية ومصر. والى علاقات طيبة بين سورية وتركيا، وقد اظهرت دمشق براعة في قراءة هذا الملف وتخليصه من توترات الماضي. ان علاقات التعاون بين الدول الأساسية في المنطقة توفر لها فرصة المشاركة في أي ترتيبات جدية للاستقرار في المنطقة وتضبط قليلاً حدود التفرد الاميركي وتمنع اسرائيل من الرهان على لعب دور القوة الضاربة في منطقة مفككة ضائعة. وبهذا المعنى فإن أهمية موعد جنيف ستتضاعف لو أمكن البناء عليه.