كيف نطالب بمقاطعة البضائع الاميركية في الوقت الذي ندعو شركات النفط الاميركية الى الاستثمار في بلادنا لتأمين آلاف من فرص العمل للشباب السعودي؟ كان هذا هو التساؤل الذي طرحه أحد أمناء الغرف التجارية الكبرى في السعودية، معبراً عن رفضه الدعوات الى مقاطعة المنتجات الاميركية، ومؤكداً وجود بدائل كثيرة لمساعدة الفلسطينيين. والأكيد ان الشركات والمنتجات الاميركية واجهت أخيراً ضغوطاً شعبية واسعة في الدول العربية التي ارتفعت فيها أصوات مطالبة بمقاطعة المنتجات الاميركية، والاستعاضة عنها بالمنتجات المحلية أو العربية والأوروبية، بسبب موقف واشنطن من القضية الفلسطينية. واذا كانت هذه الدعوة لقيت قبولاً عند المستهلكين، الا انها لم تجد كما يبدو القبول ذاته عند رجال الاعمال والمسؤولين في الغرف التجارية. وفيما لم يعرف بعد حجم الخسائر التي لحقت بالبضائع الاميركية في الاسواق السعودية، اعتبر المدير العام التنفيذي لمؤسسة الجريسي لخدمات الكومبيوتر فهد الجريسي ان المقاطعة كانت اكثر بروزاً في المنطقة الغربية من السعودية. وفي مجال المنتجات الاستهلاكية والغذائية اكثر منها في مجالات التقنية والخدمات. وبرر ذلك بأن الخيارات في ما يتعلق بالمواد الاستهلاكية والغذائية كثيرة ومتنوعة، فيما لا توجد فرص كثيرة للاختيار في مجالات التقنية والخدمات، اذ ان الحاسبات الآلية مثلاً، هي صناعة اميركية، ولم تنافسها بعد أي من الدول الأوروبية أو دول جنوب شرقي آسيا. وتحدث عن صعوبة "اتخاذ قرار بمقاطعة بضائع أي دولة من دون النظر الى مصالح الشركة والوطن"، واضاف: "ليس معقولاً أن اشتري بضاعة أقل جودة وأعلى سعراً لمجرد انها ليست اميركية". اما الاقتصادي السعودي الدكتور احسان بوحليقة فسر الدعوة الى مقاطعة المنتجات الاميركية في السعودية بأنها "تلقائية شعبية يماريس من خلالها الفرد حقه في شراء سلع دولة دون غيرها، وهي رسالة احتجاج من المستهلك موجهة الى الادارة الاميركية وليس الى الشعب الاميركي، بسبب انحيازها الواضح الى اسرائيل على حساب الشعب الفلسطيني". وزاد: "من الصعب جداً ان يتخيل أحد انه يستطيع ان يعطل أو يعيق اقتصاداً ينتج سنوياً نحو 10 تريليون دولار ولا يعتمد اعتماداً كبيراً على التصدير، والمقاطعة كانت على مستوى المنتجات الاستهلاكية، ولم تصل الى المجالات الصناعية التي استمر فيها السعوديون نحو 240 بليون ريال 64 بليون دولار يعتمد جزء كبير منها على أدوات وآلات اميركية يصعب التخلي عنها أو ايجاد بدائل لها فجأة". لكن المقاطعة وان كانت ذات بعد شعبي وطني، وجدت من يغذيها لمصالح اخرى أو لمصلحته مثل الترويج لسلعه. هذا ما يقوله عبدالعزيز النغيثر، ويؤكد ان انعكاسات المقاطعة كانت محدودة جداً في المجالات التقنية. ويشير الى ان هبوط الصادرات الاميركية الى السعودية لم يكن فقط بسبب المقاطعة، بل "هناك عوامل أخرى مهمة، منها الكساد الذي ساد العالم بعد أحداث ايلول سبتمبر وارتفاع الدولار امام الريال السعودي، الى جانب وجود بعض الصعوبات التي بدأ يواجهها رجال الاعمال السعوديون للحصول على تأشيرات الدخول الى الولاياتالمتحدة". وكان اصحاب المطاعم والمصانع التي تصنع منتجات اميركية تحركوا للحيلولة دون اصابتهم ب"عدوى" المقاطعة، فنشروا اعلانات في الصحف السعودية تفيد ان كل منتجاتهم صناعة سعودية وباستثمارات وطنية. ويقول المدير العام لإحدى الشركات التي تقدم وجبات اميركية: "لدينا في السعودية 40 محلاً، واعطينا تراخيص لنحو 60 محلاً في الشرق الأوسط، يعمل فيها مئات من العرب، ونحرص على ان تكون كل وجباتنا من خامات محلية وبالتالي فإن المقاطعة ستتسبب في خسائر للعرب وليس للآخرين". ويرى رئيس احدى الغرف التجارية الكبرى في السعودية ان "فكرة مقاطعة منتجات الدول التي تساند اسرائيل تضر بالقضية ولا تنفعها، والمطلوب هو مقاطعة المنتجات الاسرائيلية التي لا تدخل السعودية اصلاً".