تبدو صفقة طائرات ال"بوينغ 777" الكبيرة التي وقعتها "طيران الامارات" في تشرين الثاني نوفمبر الماضي مرشحة للتعثر، نتيجة بعض الصعوبات الفنية التي قد تعيق تشغيل الطائرة، في وقت لا تبدو شركة "ايرباص" الأوروبية المنافسة قادرة على اقناع "طيران الامارات" بشراء مزيد من طائراتها البعيدة المدى من الطرازات المنافسة لطراز "777". أثار تأخر كل من شركة "بوينغ" لصناعة الطائرات وشركة "طيران الامارات" عن تحويل صفقة عملاقة وقعت مذكرة تفاهم بصددها منذ 11 شهراً في دبي، تساؤلات حول اسباب هذا التأخر، وسط معلومات عدة رشحت وأشارت الى أن "الامارات" تدرس عملياً الاستغناء عن جزء من الصفقة أو ربما كلها، وانها قد تكون مترددة في البت بالمسألة ريثما تستكمل دراسة الاحتمالات والسيناريوهات الممكنة الخاصة بتوسيع شبكتها ومدى أسطولها. وعلمت "الحياة" ان الجانبين دخلا مراحل جدية في عملية البحث عن حلول وسط، وأن لقاءات مكثفة جرت بينهما في سياتل، في الولاياتالمتحدة، وفي دبي خلال الاسبوعين الماضيين، بمشاركة مباشرة من رئيس الشركة الشيخ احمد بن سعيد آل مكتوم والفريق الرئيس في "الامارات" الذي يضم 15 من كبار مديريها، في حين تمثلت "بوينغ" بعدد من نواب الرئيس وكبار مستشاريها الفنيين. ويدور الخلاف حول مدى قدرة طراز "777" على التجاوب مع الظروف المناخية الحارة وطول الرحلة التي يفترض بطائرات "طيران الامارات" أن تقطعها أو تعمل بها. وكانت "الامارات" وقعت مع "بوينغ"، خلال معرض الدفاع في دبي في تشرين الثاني نوفمبر الماضي، خطاب نوايا لشراء 25 طائرة "بوينغ 777" تقدر قيمتها بخمسة بلايين دولار، ضمن صفقة عملاقة بقيمة 15 بليون دولار أثارت حينها الانتعاش في سوق صناعة الطائرات بعد الركود الذي خلفته أحداث 11 أيلول سبتمبر 2001. ولحظ خطاب النوايا ابرام الاتفاق بصورة نهائية في ايلول الماضي، على اساس ان يتم التفاهم على انواع الطائرات ومواصفاتها الفنية والترتيبات الخاصة بعمليات التسليم. وتبين خلال المشاورات التي جرت بين الفنيين من الجانبين ان طائرات "777" لن تكون قادرة على تحمل ظروف العمل في درجات حرارة تفوق 42 درجة مئوية، وهي درجات معتادة في صيف دبي اللاهب حينما تصل الحرارة في الأيام العادية خلال الصيف الى 50 درجة فوق مدارج مطار دبي الدولي. كما شملت المشكلة الثانية التي تعين البحث فيها مدى طراز "بوينغ 777" وقدرته على الوصول في رحلة واحدة مباشرة الى مدينة سيدني، الموجودة على شبكة "طيران الامارات"، أو مدينة نيويورك التي ترغب الناقلة الاماراتية في ضمها الى شبكة محطاتها العام المقبل. واقترح فريق عمل "بوينغ" اعتماد طراز "بوينغ إي. آر 300-777"، وهو الأطول مدى بين خمسة طرازات باتت تضمها عائلة طراز "777". ويبلغ مدى هذا الطراز 7175 ميلاً أو ما يعادل 13400 كلم، مقابل ستة آلاف ميل لطراز "بوينغ 300-777" الذي هو أيضاً أكبر طراز حجماً في عائلة "777" وأكثره مناسبة لوتيرة التشغيل على شبكة رحلات "الامارات" للوجهات البعيدة، بالاضافة الى تفوقه على الطرازين المنافسين لدى "ايرباص" من عائلة "ايرباص 340" على صعيد السعة. وتبلغ حمولة "اي. آر 300-777" من الوقود 47.9 ألف غالون اميركي، مقابل 45.2 الف غالون لطراز "300-777" كما ان الطراز المقترح يفوق طول هيكل الطراز التقليدي لعائلة "777"، اذ يصل طوله الى 73.86 متر مقابل 63.73 متر. وتعتبر طائرات "اي. آر 200-777" و"ال. آر 200-777" و"اي. آر 300-777" الطرازات المنافسة التي صنعتها "بوينغ" والقادرة على مواجهة طرازي "500-340" و"600-340" اللذين تصنعهما "ايرباص". واختارت "بوينغ" طراز "اي. آر 300-777" الذي عرضته على "طيران الامارات" في المفاوضات لأنه قادر على تأمين أعلى مستوى من الحمولة على صعيدي الركاب والشحن. وتبلغ سعة طائرة "ايرباص 500-340" 280 مسافراً بتوزيع الدرجات الثلاث، في حين تصل سعة طائرة "ايرباص 600-340" الى 323 راكباً. اما طائرة "بوينغ اي. آر 300-777" فتتفوق على منافستيها بعدد ركابها الذي يصل الى 365 مسافراً بتوزيع الدرجات الثلاث، و416 مسافراً في حال تم نقل المسافرين في الدرجة الاقتصادية دون غيرها. كما يملك طراز "بوينغ" حجماً كبيراً من مساحة الشحن المتاحة تصل الى 7552 قدم مكعبة 213.8 م3. وتملك الطائرات فضاء داخلياً أكبر وأعلى، وقدراً أكبر من المساحة المتاحة للركاب، وهو أمر تحتاجه الرحلات الطويلة البعيدة المدى التي قد تستغرق قرابة 16 ساعة، والتي سيستخدم عليها هذا الطراز من الطائرات الكبيرة. وعرضت "بوينغ" ايضاً بناء مقصورتين لنوم أفراد الطاقم احداها مقصورة ذات سقف شفاف في المنطقة التي تعلو مقاعد الدرجة الأولى، والثانية مقصورة تقع في النصف الأيمن فوق مقاعد الدرجة الاقتصادية. وضمن هذا التصميم المقترح تقديم "بوينغ" مزايا تفاضلية موازية، في ما يخص الرحلات الطويلة وحاجة طاقم الطائرة الى النوم، لما تعرضه "ايرباص" التي قدمت أفكاراً مبتكرة في استخدام الفضاء الداخلي للطائرة لضمان قدر أكبر من الراحة لأفراد الطاقم. وجرت مداولات عدة حول هذا الخصوص في وقت حاولت "ايرباص" الاستفادة من الجدل الدائر لتأكيد قدرتها على تأمين بديل مرض يلبي حاجة "الامارات" الى النمو كشركة طيران دولية شاملة، قادرة على الربط مع اسواق اميركا الشمالية واميركا الجنوبية واستراليا في رحلات مباشرة وبدون توقف. وتستطيع طائرة "340 - 600" التي عرضتها "ايرباص" كبديل عن طرازات "بوينغ 777" البعيدة المدى، الطيران مسافة 13.9 ألف كلم ونقل 380 راكباً في الدرجة الاقتصادية، في حين تستطيع طائرة "ايرباص 500-340" الطيران مسافة 16 ألف كلم ونقل 333 مسافراً في الدرجة الاقتصادية. وهي تملك حجماً هائلاً للشحن ينافس طائرات "بوينغ" الى حد أن "ايرباص" تزعم ان الحجم المتاح للشحن في كل من هاتين الطائرتين يتيح لرحلات الشحن الجوي فيها ان تكون مربحة، حتى ولو اقتصر عدد الركاب على راكب واحد على متن كل منهما. ويدور الجدل حالياً، داخل "طيران الامارات"، بين فريقين، احدهما يؤيد تقليدياً شراء طائرات "ايرباص" التي تستخدم محركات "رولزرويس" على اعتبار ان الأمر سيكون أقل كلفة على صعيد الصيانة وتدريب الطيارين، ومرونة التشغيل والمدى، بالاضافة الى عامل جوهري يتمثل في قدرة طائرات "340" على العمل في ظروف حرارة مرتفعة تفوق 42 درجة مئوية نظراً الى امتلاكها أربعة محركات صناعة "رولزرويس للمحركات" من طراز "ترنت 500". وتتألف غالبية الفريق الأول من المستشارين البريطانيين في "الامارات"، في حين أن الفريق الثاني الذي يضم قدراً من المستشارين وصانعي القرار من الاماراتيين وجنسيات أخرى غير بريطانية، يميل الى طراز "بوينغ 777" على اعتبار انه أكثر فاعلية على مستوى كلفة التشغيل بنسبة تصل الى 15 في المئة، ذلك انه يعمل بمحركين ما يجعله أقل كلفة على صعيد الصيانة. وعرض خبراء "بوينغ" تزويد طرازهم الطويل المدى الجديد بمحركات "جنرال الكتريك بي 115-90" الذي تبلغ قوة دفعه 115.3 الف رطل ويتجاوز قدرة أكبر محركات "رولزرويس" من طراز "ترنت 895" البالغة 93.4 الف رطل. الا ان استخدام محركات من غير محركات "رولزرويس" التي تغلب على أسطول "الامارات" يعزز موقف المدافعين عن شراء مزيد من طائرات "ايرباص"، على اعتبار ان الأمر سيكون أقل كلفة على صعيد الصيانة. وكانت "الامارات" و"ايرباص" وقعتا في تشرين الثاني الماضي أيضاً اتفاقاً ينص على شراء 22 طائرة بعيدة المدى منها ثماني طائرات "600-340"، على أن يبدأ تسليمها عام 2005، لتستخدم في دعم عمليات النقل البعيد المدى التي ستقوم بها طائرات "500-340" التي أوصت "الامارات" على 11 طائرة منها سينتهي تسليمها بنهاية العام المقبل. وتم تسليم الطائرة الأولى من طراز "600-340" الى شركة "فيرجين اتلانتيك" في تموز يوليو الماضي. وقالت اوساط صناعة الطيران ان هناك بعض التعديلات التقنية التي يحتاجها الطراز الجديد ما قد يضعف موقف "ايرباص" التفاوضي، الا ان ديفيد فيلابولاي الناطق باسم الشركة في تولوز أنكر في رده على اسئلة "الحياة" صحة هذا الامر، وقال انه ليست هناك اعطال أو تعديلات فنية من أي نوع كان باستثناء الاستفادة من الخبرة التي شكلها استخدام الطائرة الأولى المسلمة لتطوير عمل المقصورة وغرفة الطاقم، مشيراً الى تسليم طائرتين جديدتين من هذا الطراز في مدى شهر من الآن. وعلمت "الحياة" ان "طيران الامارات" تفكر في الاستغناء عن بعض طرازات "بوينغ اي. آر 300-777" المقترحة واحلال طائرات "ايرباص 600 - 340" مكانها. الا ان الامر لم يبت بعد. ويحاول فريق "بوينغ" اقناع مسؤولي الشركة باختيار طرازهم مشيرين الى أن المزايا التفاضلية التي تتمتع بها الطائرة على مستوى التشغيل والرفاهية والراحة والكلفة ستتيح تجاوز عجز الطراز عن العمل لمدة ثلاثة اسابيع في السنة في درجة حرارة تفوق 42 درجة مئوية. ولم يقرر رئيس الشركة الشيخ أحمد بن سعيد آل مكتوم حسم الجدل الدائر ريثما تنتهي الفرق الفنية من اعداد تقاريرها، وبينها تقرير يتعلق بدور طراز "بوينغ" في خدمة خطة توسع الشركة التي كانت تنوي فتح سبع محطات في الولاياتالمتحدة ابتداء من منتصف العام المقبل، على أن تستخدم طائراتها البعيدة المدى الجديدة للطيران في شكل مباشر من دبي فوق القطب الشمالي وصولاً الى المدن الأميركية عند الساحلين الشرقي والغربي للولايات المتحدة ووسط البلاد. ويعتقد أن التوسع في فتح المحطات الاميركية قد يتم ابطاؤه بعض الشيء، ما قد يساعد على التأخر في بت شأن صفقة الطائرات الخمس والعشرين التي ينتظر ان تسلمها "بوينغ" حتى عام 2008. وفي هذه الحالة فإن العرض المالي الأفضل قد يساعد على الفوز بالصفقة بعدما باتت المزايا التفاضلية لكل من الطرازين المتنافسين شبه متقاربة، سيما وأن "ايرباص" أبدت رغبتها في تحسين عروضها المالية السابقة، كما ذكرت مصادر مطلعة على المفاوضات.
