تمر مرحلة الشباب عادة عند الإنسان وهي تركض ركضاً... وهي مرحلة يحس فيها الإنسان أنه قادر على بذل مجهود لا يستطيع الشيوخ أن يبذلوه. بعدها تأتي مرحلة النضوج. بعد هذه المرحلة يدخل الإنسان في نفق مظلم هو الخوف من الشيخوخة وهو خوف يمكن أن يستولي على المرء في أي سن. لاحظ العالم النفساني المتخصص في مسائل الشيخوخة جورج لوتون أن عدداً ممن يستشيرونه لا يزالون في سن الاربعين. لفتت هذه الظاهرة انتباهه وأدهشته كثيراً، ودعته الى درس هذا الموضوع في محاولة للوصول إلى أسبابه. في البداية أكد العالم النفساني أن السن لا تقاس بعدد السنين التي يعيشها الانسان. فالزمن بحساب حياة الأبدان غير الزمن بحساب الساعة.. وكلما تكدست الأعوام، أبطأ حساب الأبدان، وكلما علت سنك أبطأت شيخوختك. والبدن لا يتغير في ما بين الثلاثين والاربعين بقدر ما يتغير في ما بين الخامسة والعشرين والثلاثين. وثمة سبب آخر يجعل التقويم غير ذي دلالة صحيحة على السن، ذلك أن أجزاء مختلفة من الانسان تشيخ بسرعة متفاوتة. أحياناً تهرم العينان في العاشرة، ويثقل السمع في العشرين ثم يبلغ المرء أشده في الاربعين. غير أن العقل لا يزال في شبابه ويمضي في النمو والمرء في الخمسين، وهو لا يبلغ ذروته إلا بعد عشر سنوات أخرى، ومن الستين فصاعداً تأخذ قدرات العقل في الهبوط ببطء شديد الى سن الثمانين. يقول د. لوتون: "في الثمانين من العمر تستطيع أن تكون منتجاً من الوجهة العقلية كما كنت في الثلاثين، ومن حقك أن تكون أوفر معرفة وعلماً". وكثيراً ما يعاني الكبار بعض الضعف في الذاكرة، ولكن الخيال المنشئ لا يهرم، وفضلاً عن ذلك فإننا مع ارتفاع السن تنمو بصيرتنا، ويتسع نطاق إحاطتنا بالأمور، وتزداد قوى الإدراك والتقدير، وبفضل ذخيرتنا من التجارب، تعظم مقدرتنا على تدبير الحلول للمسائل العويصة. وباختصار... نستفيد الحكمة. وهذا هو السبب في أن الطبيب الهرم، ورجل القانون المحنك والصانع القديم المجرب يستطيعون عادة أن يثبتوا أمام منافسيهم الذين هم أصغر منهم وأنشط.. وفي كثير من الأحيان يتفوقون عليهم. ويقدم د. لوتون وصفة بسيطة للاحتفاظ بالشباب... - احصر خواطرك فيما بقي منك شاباً نامياً، وهو عقلك... أبق عقلك متنبهاً تظل شاباً على الدوام. - وجه عنايتك الى العالم المحيط بك، واحرص على أن تتعلم كل يوم شيئاً واحداً جديداً على الأقل. - وأهم من ذلك أن لا "تستقر"... لقد أَلِفَ علماء النفس أن يروا ضربين متناقضين من الشخصية، يظهران في منتصف العقد الرابع من العمر. بعض الرجال والنساء، وإن كانوا مهتمين بأسرهم وأعمالهم، لا يفتأون يوسعون نطاق اهتمامهم فيتتبعون الصحف والمجلات، ويشغلون أنفسهم بالهوايات المنتجة مفضلين منها ما يحتاج الى أيديهم فضلاً عن عقولهم. وثمة ضرب آخر من الناس يشرع في الخامسة والثلاثين في السير على نهج روتيني ممل ولكن مريح، نهج يشبه قضبان قطار لا يرى إلا القضبان أمامه ووراءه. أما الصنف الأول فيزدادون شباباً على رغم ارتفاع السن، وأما الصنف الروتيني فهؤلاء قد بلغوا شفا الهاوية. وبغض النظر عن سنك، فإن الفرصة التي تجعل حياتك أغنى وأمتع لم تفتك بعد. أعرف سيدة استطاعت في الخمسين من عمرها أن تصبح رسامة بارزة من غير أن تكون لها تجربة سابقة في هذا المجال، وأعرف مهندساً كهربائياً متقاعداً صار خبيراً بصناعة الفخار الثمين، ومن زبائني امرأة في السبعين تدير مدرسة ناجحة لتعليم الطهي. إذا أردت أن تظل شاباً فانزع من ذهنك فكرة أنك قد كبرت على دخول المدارس، أعرف رجلاً دخل كلية الطب وهو في السبعين ونال اجازته مع مرتبة الشرف، وأصبح طبيباً مشهوراً، وأعرف رجلاً آخر دخل كلية الحقوق في الحادية والسبعين، وهو الآن محام نشيط. ومن السهل - بغض النظر عن عدد السنين - ان يحتفظ بالشباب اولئك الذين يتطلعون الى المستقبل ويضيفون جديداً إلى علمهم ومهاراتهم كل يوم. هذا ما يراه عالم نفساني بارز... أن أكسير الشباب هو نشاط العقل.