يرى كثيرون أن أحداث 11 أيلول سبتمبر الماضي وتداعياتها السياسية والعسكرية التي اقتصرت على افغانتسان وحدها حتى الآن هي فعلاً من وأغرب وأخطر الأحداث، وأنه بوسعنا التمييز بين مرحلتين أساسيتين في التاريخ. وإذا كان يمكننا جميعاً أن نعلم وندرس ونحلل كل كبيرة وصغيرة عن مرحلة ما قبل 11 أيلول لأنها صارت بالنسبة إلينا تاريخا حاصلا وثابتا ومسجلا، فإن الموضوعية تقتضي منا القول بأن لا أحد عاقلا على وجه الأرض بوسعه أن يزعم قدرته على أن يرسم لنا ولو صورة مصغرة عما يمكن أن تكون عليه المرحلة التاريخية الثانية. ولكن على أية حال، فإن هذه الحقيقة لا يجب أبداً أن تثنينا عن محاولة تحديد أهم الدروس التي يمكننا أن نستخلصها وهي: 1- بنظرة عامة يتأكد من جديد أن السحر عادة ما ينقلب على الساحر. فالولايات المتحدة مارست منذ مطلع التسعينات ما يمكننا تسميته ب "السحر السياسي الأسود" في افغانستان عندما دعمت حركة "طالبان" بالمال والسلاح والتغاضي المتعمد عن جرائمها. وكان الهدف هو استغلال هؤلاء كواجهة للتوغل الى منطقة آسيا الوسطي وبحر قزوين المهمة سياسياً ونفطياً الى أن كان ما كان في اميركا يوم الثلثاء الاسود من دمار هائل. 2- ومرة أخرى اثبتت لنا الايام ان بعض المحسوبين على الاسلام يتسببون بأخطائهم الساذجة ورهاناتهم الخاسرة في منح بعض الدوائر الغربية المتربصة بنا ذرائع مثلى لتشويه صورة الاسلام في العالم ولإلحاق الدمار والمهانة والحصار بالدول العربية والاسلامية. لقد فعلها صدام حسين في آب اغسطس 1990. وكرر الفعلة نفسها الملا عمر ومعه بن لادن فكان الحصاد المر الذي جنياه مشابها للغاية لما جناه صدام. 3 أكدت الاحداث الاخيرة وتداعياتها مدى قوة اللوبي او اللوبيات الصهيونية في اميركا وفي كثير من الدول الغربية، فهذا اللوبي هو الذي جعل اصابع الاتهام الاميركية غير الرسمية تشير الى العرب والمسلمين بمجرد وقوع احداث الثلثاء الأسود وحتى قبل اجراء أي تحقيقات أولية فيها. 4 - ولأن الشيء بالشيء يذكر، فإن النقطة السابقة لا بد أن تجبرنا على أن نطرح من جديد بضعة اسئلة بخصوص الجاليات العربية والاسلامية في الدول الغربية، وبخاصة في اميركا، ولعل اهم هذه الاسئلة هي: لماذا يبدو تأثير مليون يهودي اقوى بعشرات المرات من تأثير نحو سبعة ملايين مسلم هناك؟ 5 - هل كان يجب أن يحصل ما حصل في نيويورك وواشنطن بكل قسوته وهمجيته حتى تدرك ادارة بوش اليمينية المنغلقة ضرورة تدخلها بكامل ثقلها في قضية الشرق الاوسط، وحتى توفد باول وزيني وبيرنز الى المنطقة غير مرة وحتى تحتل قضية فلسطين بل ومسألة قيام دولة فلسطينية موقع الصدارة في خطاب باول الاخير امام الجمعية العامة؟ 6 - والدرس الأخير عسكري ومفاده أن اميركا نجحت للمرة الثانية على التوالي بعد كوسوفو في تحقيق نصر شبه تام باستخدام قواتها الجوية ومن دون المغامرة بإنزال أي قوات برية حقيقية على أرض المعركة، وهو يملي على خبراء الاستراتيجية في العالم أن يعيدوا التفكير حول كل ما درسوه ومارسوه من قبل. محمد علي ثابت، باحث في كلية التجارة في جامعة الاسكندرية.