في نشرة الاحوال الجوية التي تعقب عادة برامج الاخبار في تلفزيون بريشتينا تظهر اولاً درجات الحرارة في العواصم الثلاث المجاورة تيرانا وبريشتينا وسكوبيه ثم في بقية المدن في كوسوفو. ومع ان سكوبيه شكوبي في الالبانية كانت عاصمة ولاية كوسوفو في العقود الاخيرة للحكم العثماني ولا تزال تضم المدينة القديمة عدداً كبيراً من الألبان الا انه برزت في السنوات الثلاث الاخيرة ثلاث عواصم للألبان تيرانا وبريشتينا وتيتوفو وقد تكون بريشتينا مرشحة لتكون الاولى نتيجة لاعتبارات عدة. والى عهد قريب 1999 كانت تيرانا العاصمة الوحيدة المعروفة للألبان على المستويين الاقليمي والعالمي على رغم ان عزلة البانيا في عهد انور خوجا 1945-1995 كان لها دورها في تحجيم هذه العاصمة التي كانت اقرب الى البلدة وتغييب الالبان عن الساحة الاقليمية والدولية. ومع ان البانيا خرجت من هذه العزلة الى الدول الاوروبية المجاورة، منذ 1990 واشتهرت دولياً بسبب "حرب كوسوفو" في 1999 ظهرت الكتلة الالبانية بقوة في جنوب صربيا في عام 2000 ثم في مقدونيا 2001. وفي غضون ذلك أسهمت التطورات المحلية والاقليمية والدولية في بروز ثلاث عواصم للألبان في البلقان، ألا وهي تيرانا وبريشتينا وتيتوفو في الألبانية تيتوفا، مع ان الاوضاع المستجدة تخدم بريشتينا اكثر من غيرها. فنتيجة للحرب في 1999، التي انهت بحسب قرار مجلس الامن الرقم 1244 ارتباط كوسوفو بصربيا، غادر معظم الصرب وعاد اليها الكثير من الالبان الذين ارغموا على تركها خلال العقود السابقة، ما انعكس هذا على بريشتينا التي تضخمت بسرعة خلال السنتين الاخيرتين وأصبحت تماثل تيرانا في عدد سكانها. ومن ناحية اخرى، ساعد الموقع المتوسط لبريشتينا في قلب البلقان، اذ تتوسط المناطق التي ينتشر فيها الالبان ألبانيا وصربيا والجبل الاسود وسكوبيا والدياسبورا الكوسوفية في اوروبا الغربية حوالى 700 ألف في ان يصبح مطار بريشتينا هو المطار الرئيس للألبان فبلغ عدد المسافرين الذين استفادوا منه خلال العام الماضي حوالى ربع مليون مسافر، بينما تجاوز هذا العام 2001 نصف مليون مسافر. وهكذا تبدو الحركة في مطار تيرانا متواضعة اذا قورنت مع مطار بريشتينا اذ تحط كل يوم 4 طائرات من زيوريخ وكل يوم طائرة من لندن وفيينا ثم طائرات شبه يومية من اهم المدن الاوروبية. وعلى المستوى الثقافي والاكاديمي والاعلامي اصبحت بريشتينا في السنوات الاخيرة تنافس تيرانا لما فيها من مؤسسات اكاديمية ودور نشر وصحف 6 صحف يومية في اللغة الألبانية ومحطات تلفزة، بل انها العاصمة التي تعقد فيها الآن كل سنة "الندوة الدولية للغة والثقافة الألبانية للأجانب". وما يصب في مصلحة بريشتينا النزيف الاكاديمي والثقافي الذي تتعرض له تيرانا في السنوات الاخيرة نتيجة للوضع الاقتصادي الصعب. وأشارت المعطيات الاخيرة الى ان بين 600 و700 ألف غادروا ألبانيا للعمل في الدول الاوروبية، وخصوصاً في ايطاليا واليونان، في العقد الاخير ويشمل 67 في المئة من الألبان المتعلمين علوماً عالية. وفي نهاية العام الجاري بدت بريشتينا العاصمة القومية للألبان في البلقان. ففي يوم الاستقلال 28 تشرين الثاني/ نوفمبر، الذي اصبح في كوسوفو عطلة رسمية كما في ألبانيا، تجمع فيض ألباني من كل مكان من ألبانيا وكوسوفو ومقدونياوجنوب صربيا والجبل الاسود والدياسبورا الالبانية للاحتفال بازاحة الستار عن التمثال الضخم للبطل القومي اسكندر بلة في قلب بريشتينا مقابل المسرح القومي الا ان هذا اليوم المهم للألبان بدا عادياً في شوارع تيرانا اذ لم يخرج احد للاحتفال به بينما كانت شوارع بريشتينا تغص بعشرات الآلاف من المحتفلين بهذه المناسبة. وشارك في هذا الاحتفال وفد من مدينة تيتوفو المجاورة، التي لا تبعد عن بريشتينا اكثر من ساعتين بالسيارة. ومع ان تيتوفو كانت منذ عقود اكبر مركز اداري اقتصادي في مقدونيا الغربية التي يتمركز فيها الألبان الا انها برزت في السنوات الاخيرة "عاصمة" الألبان في مقدونيا. وبرز هذا التطور في شكل خاص منذ 1995 حين اسست فيها جامعة ألبانية على رغم عدم اعتراف الحكومة المقدونية بذلك. كما افتتحت فيها قبل شهرين "جامعة اوروبا الجنوبيةالشرقية" التي تحظى بدعم الاتحاد الاوروبي. ومع تأسيس الجامعة الألبانية او جامعة تيتوفو كما تسمى تحولت تيتوفو الى مركز استقطاب اكاديمي ثقافي بعد ان تجاوز عدد طلابها العشرة آلاف. كما ان تيتوفو تحولت خلال 1995-2000 مركزاً للنشاط السياسي لأهم الاحزاب الألبانية في مقدونيا حزب الرفاه والحزب الديموقراطي الألباني، وأصبحت مع ضواحيها معقل الحركة المسلحة جيش التحرير الوطني التي ادت الى إقرار التعديلات الدستورية الواردة في "اتفاق اوهريد". وفي هذا الاطار ينتظر ان يؤدي إقرار هذه التعديلات، وخصوصاً ما يتعلق باستخدام اللغة الألبانية والادارة المحلية، الى بروز اوضح لتيتوفو باعتبارها "عاصمة ثقافية" للألبان في مقدونيا.