يبدو ان الجيل الجديد من السعوديين، الذي فاتته فرص المشاركة في تطوير آبار النفط في المناطق العاملة فيها "ارامكو السعودية" خصوصاً في شرق البلاد، ستتاح له فرص المشاركة في زرع ثقافة اقتصادية واجتماعية جديدة بالاستفادة من الثروات التي تخرج من باطن الارض، علماً ان الثروات هذه المرة هي ثروات معدنية ستنطلق معها حقبة ثقافة مناجم جديدة في مناطق سعودية جديدة. وكما ساهم النفط في ظهور او تطوير مدن وقرى سعودية كثيرة في الماضي، تنتظر بعض القرى الصغيرة دورها هذه المرة عبر قطاع التعدين الذي يبدو ان السعودية ماضية في تطويره عبر "شركة التعدين العربية السعودية" معادن التي تسير على خطى "ارامكو" اجتماعياً وتنموياً. وتسلمت "معادن" منجم "مهد الذهب" غرب السعودية من الحكومة وقد قطع العمل فيه شوطاً كبيراً ليكون اول مناجم الذهب التي تديرها الشركة، وهي تعمل في مواقع مختلفة سيكون اقربها للانتاج والعمل منجم "الامار" للذهب الذي يقع ضمن الحدود الادارية لامارة منطقة الرياض على بعد 220 كيلومتراً جنوب غربي العاصمة بالقرب من مدينة القويعية، وملاصقاً لقرية صغيرة اسمها الامار يبلغ تعداد سكانها ثلاثة آلاف نسمة. ويشكل منجم "الامار"، الذي تبلغ استثماراته 200 مليون ريال 53.3 مليون دولار، جزءاً من حزام تمعدن واحد يقع على الحد الفاصل بين منطقة الدرع العربي الشهيرة وبين الرصيف العربي منطقة نجد. ويمتد هذا الحزام بطول 150 كيلومتراً وعرض 50 كيلومتراً، ويضم مواقع مختلفة مجدولة على قائمة اعمال الشركة لبدء العمل في تطويرها ومن اهمها "الخنيقية" و"ام الذبا" و"ام الشلاهيب" و"مرجان". ويرتفع "الامار" عن مستوى سطح البحر بنحو 900 متر. وبدأت عمليات الاستكشاف فيه منذ عام 1956 وحصلت شركة "بترومين" على رخصة استكشاف عام 1990، ثم انتقلت ملكيتها ل"معادن" عام 1997. وكُثف برنامج الحفر الاستكشافي خلال هذه الفترة، اذ تم حفر ما طوله 13300 متر. واكدت نتائج برنامج الاستكشاف وجود كميات كبيرة من الخام بنسبة تركيز جيدة للذهب، ما اوجد قناعة لاعداد دراسة جدوى اقتصادية لانشاء منجم لاستخراج الذهب، إذ اكدت نتائج الدراسة امكانية تعدين واستخراج الذهب والمعادن المصاحبة بشكل اقتصادي. ويقول المهندس عبدالرحمن عبدالشكور، مدير المنجم وأحد السعوديين القلائل الذين عملوا في قطاع المناجم منذ اوائل الثمانينات وتسلم عمليات تطوير موقع "الامار"، ان عمليات تطوير المنجم بدأت قبل عامين بشق الانفاق الرئيسية للوصول الى جسم الخام والانفاق الفرعية والافقية المخصصة لاستخراج الخام، والتي بلغ مجموع اطوالها 2.4 كيلومتر. ويضيف عبدالشكور ان عمليات الحفر تواصلت لتصل الى 20 ألف متر، واستمرت تحاليل العينات بغرض اكتشاف خامات اضافية والتحقق من كميات الخام وتم استخراج 100 طن من الخام نتيجة عمليات شق الانفاق. ويقدر عبدالشكور كميات الخام الاحتياطي ب 2.5 مليون طن تبلغ نسبة تركيز الذهب فيه 11.37 غرام/طن وتركيز الفضة 21غرام/طن . وعلى ضوء التغييرات السلبية التي طرأت على اسعار الذهب خلال العامين الماضيين، أجرت الشركة مراجعة مكثفة ودقيقة للنواحي الفنية والتقنية للمشروع، كان هدفها الاساسي تطوير واختبار طريقة مثلى لتصفية ومعالجة خام المنجم ورفع درجة احتياط الخام الثابت في منطقة التمعدن الشمالي للموقع وتحديد قابليته للتعدين بطريقة اقتصادية وخفض التكاليف الرأسمالية والتشغيلية للمشروع للمحافظة على الهامش الربحي المتوقع. ويتوقع الانتهاء من هذه المراجعة قريباً، وفي حال ثبوت الجدوى الاقتصادية فان الانتاج قد يبدأ عند نهاية سنة 2002. مع بدء الانتاج سيكون اهالي منطقتي القويعية والامار على موعد مع نهضة جديدة خصوصاً وان "معادن" تخطط ايضاً لجعل موقع "الامار" نقطة الارتكاز والتصنيع لمنجم "الخنيقية" الذي يبعد فقط نحو 50 - 60 كيلومتراً عن "الامار" لخفض التكاليف. وبدأ اهالي المنطقة الاستفادة بالفعل، فهم يشكلون الآن المورد الرئيسي للغذاء والماء والوقود وصيانة السيارات وبعض المستلزمات. ومع اكتمال اعمال ومباني المشروع يتوقع عبدالشكور ان يراوح عدد العاملين في منجمه بين 200 - 220 شخصاً ًيكرسون جهودهم لما اسماه ب "الثقافة المنجمية" التي اعتبرها جديدة، على رغم وجود التعدين في البلاد منذ الازل ووجوده في شكله الحديث منذ الثمانينات، "الا ان السنوات الخمس الاخيرة كانت مختلفة وبدأ الناس يعرفون معنى المنجم وطبيعته". وتبلغ مساحة امتياز "الامار" خمسة كيلومترات مربعة، لكن طموحات الاستثمار في المشروع كبيرة، اذ يتطلب الكثير من المال ومثله من الوقت. واذا كان الموقع لا يضم سوى ستة او سبعة سعوديين من اصل 40 عاملاً، فإن المؤكد ان عدد العاملين السعوديين سيزداد مع توسع قطاع التعدين وانتشاره في البلاد التي تطمح ان يصبح قطاع التعدين رافداً لقطاع النفط ومصدراً لموارد جديدة طويلة الامد.