حسم رئيس الوزراء الاسرائيلي جدلاً مستمراً منذ سنوات. أبلغ حكومته ان اسحق رابين تعهّد للسوريين عبر الاميركيين بالانسحاب الى ما وراء خطوط الرابع من حزيران يونيو 1967، وان شمعون بيريز أكمل المفاوضات على هذا الأساس. ثم جاء بنيامين نتانياهو ليفاوض عبر وسيط أميركي هو رون لاودر وانتهى الأمر الى النتيجة نفسها. وهكذا تنتهي قضية كان ل"الحياة" دور كبير من التعريف بها وكشف أسرارها وملابساتها وهو دور استثار ردوداً اسرائيلية كثيرة، سياسية واعلامية، حاولت التشكيك بما قيل. ولعله بات واجباً، اليوم، ان نراجع التصريحات الاسرائيلية كلها التي حاولت تقديم رواية مخالفة بدءاً من ايتامار رابينوفيتش، الى أوري سافير، الى أوري ساغي، الى داني ياتوم، الى اسحق موردخاي، الى ديفيد ليفي، الى يوسي بيلين، الى ايهود باراك نفسه. إذ كان هؤلاء جميعاً يعلمون الحقيقة وتعمدوا اخفاءها لسنوات طويلة وفي ظنهم ان عدم الإقرار بها قد يسمح بالحصول على مكاسب في التفاوض. ولا بأس، والحال هذه، من العودة الى تاريخ الانكار الأميركي وحتى الى محاولة بعض العرب التشكيك في الوقائع. غير ان هذه المراجعة وحدها لا تكفي. فهي تطرح الاسئلة الفعلية عن التعثر الذي أصاب المفاوضات. فقد جرى وقفها وتأخير البدء بها لأن اسرائيل كانت تحاول التملص من وعود قطعتها الى ان قال باراك أنه لا يريد أن يمحو الماضي. ومعروف ان سجالاً امتد لسنوات حول شروط استئناف المفاوضات. كانت دمشق تصرّ على البداية من حيث تمّ التوقف. وكانت اسرائيل ترفض ذلك ثم انتقلت لاحقاً الى تقويم قراءة خاصة للنقطة التي تمّ التوقف عندها. واستخدمت واشنطن كل ترسانة "الغموض البناء" من أجل خدمة اسرائيل والتغطية على موقفها. وأمكن لذلك فتح الطريق أمام مفاوضات واشنطن وشيبردزتاون. بات ممكناً، الآن، توزيع المسؤولية بدقة عما جرى في الاسابيع الأخيرة. إذ أنكر باراك وجود التعهد، ورفض اعطاء الأولوية للجنة ترسيم الحدود، ودعمه الاميركيون في ذلك. ولما تصرّف السوريون بأن نقضاً يتم لما سبق التزامه جرت محاولة لتحميلهم المسؤولية وحاول باراك الخروج من "تفاهم نيسان" من اجل تعديل ميزان القوى المتحكم بالتفاوض على شروط استئناف المفاوضات. والغريب انه لقي دعماً في ذلك حتى بعد قصف المنشآت المدنية في لبنان وخطاب "النار والسن والطفل" لديفيد ليفي. ولم يتردد رئيس الوزراء الفرنسي ليونيل جوسبان في زيارته الكارثية الى اسرائيل وتداعياتها المستمرة في تحميل الطرف العربي مسؤولية الانسداد الراهن في المفاوضات. ان اعتراف باراك يجب ان يكون مدخلاً لفهم ما جرى في السنوات الاخيرة. ولكن هذا الاعتراف لا يزال قاصراً عن أن يشكل، وحده، اطار الحل. ان الإقرار بضرورة الانسحاب الى خطوط الرابع من حزيران هو أساس للبحث ولكنه ليس عنواناً وحيداً للحل. فالمعروف ان رابين ثم بيريز ارفقاه بحزمة مطالب أمنية وسياسية يصعب قبولها، والواضح ان باراك يضعه في اطار صفقة شبه تعجيزية. ويعني ذلك أنه مطالب ببذل مزيد من الجهد من اجل جعل التسوية ممكنة. بات واضحاً، اليوم، معنى ان تبدأ المفاوضات من حيث انتهت ولم يعد ناقصاً سوى خفض سقف التوقعات الاسرائيلية مما قد تنتهي عنده المفاوضات، اذا استؤنفت، فعلاً.