أياً تكن نتيجة اجتماعات لندن، فإنها أظهرت للمرة الألف أن هدف بنيامين نتانياهو هو القضاء على عملية السلام عبر التخلص من اتفاق أوسلو أولاً. ولذلك يقول الرئيس ياسر عرفات في مجالسه الخاصة هذه الأيام ان المفاوضات مع نتانياهو "أشرس بكثير" من الحرب التي خاضتها المقاومة الفلسطينية مع اسرائيل بما في ذلك حصار بيروت عام 1982. كان لا بد للجانب الفلسطيني ان يلقي مسؤولية إنجاح المفاوضات على الأميركيين. ولذلك تحولت اجتماعات لندن الى مفاوضات أميركية - اسرائيلية بعدما أعلن "أبو عمار" قبوله المبادرة الأميركية. وكان كل ما لدى ياسر عرفات ليقوله للجانب الأميركي في اللقاء الأول انه على استعداد لإعطاء موافقة خطية على المبادرة التي يطرحها متى تلقى هذه المبادرة خطياً. وفي المقابل كان كل ما لدى نتانياهو ليقوله انه على استعداد لعقد لقاء ثلاثي من أجل التفاوض في شأن المبادرة الأميركية، وكأن في استطاعة الجانب الفلسطيني ان يقدم مزيداً من التنازلات بعدما قبل الطرح الأميركي بكل نواقصه. في الواقع، كان ممكناً أن يكون الجانب الفلسطيني في وضع تفاوضي أفضل لو أنه استطاع الحصول على مزيد من الدعم العربي، ولو لم يكن هناك تشكيك عربي في موقف السلطة الوطنية الفلسطينية عبر الدعم المقدم الى "حماس" في وقت ليس مقبولاً ان تكون هناك أية ازدواجية في السلطة على الأرض الفلسطينية المحررة. ولكن رغم ذلك كله بدا واضحاً في لقاءات لندن ان الضغوط التي تمارس على السلطة الوطنية الفلسطينية من جهات متعددة لن تؤدي الى زحزحة موقفها، بل على العكس من ذلك ليس أمام السلطة الا التمسك بما تعتبره حقاً لها تشكل المبادرة الأميركية الحد الأدنى لما يمكن أن تقبل به. في النهاية يتأكد يومياً كم ان الذي تحقق فلسطينياً كبير. تكفي للتثبت من ذلك الجهود التي يبذلها "بيبي" للتخلص من النتائج المترتبة على اتفاق أوسلو، وكأن الاتفاق لغم في حلقه. ولكن رغم غياب ما يكفي من الدعم العربي، يتبين يوماً بعد يوم أن الدولة الفلسطينية حقيقة وأن الأرض الفلسطينية تتحرر شبراً شبراً وأن شخصيات اسرائيلية مهمة تسأل ما الذي يريده "بيبي" فعلاً؟ وبين هذه الشخصيات الرئيس الاسرائيلي عيزرا وايزمان الذي لا يجد فارقاً بين انسحاب من 13 في المئة أو من 11 في المئة. كذلك الأمر بالنسبة الى رئيس الأركان امنون شاحاك الذي لا يرى ان لدى رئيس الحكومة منطقاً أمنياً يستند إليه باستثناء رغبته في نسف عملية السلام. قد لا تجد الادارة الأميركية التي تتردد في دخول مواجهة مفتوحة مع نتانياهو سوى الرهان على الوقت والعمل من أجل متابعة مفاوضات لندن في مكان آخر، في واشنطن نفسها. إلا أن العامل الحاسم في التغلب على "بيبي" سيكون قدرة الفلسطينيين على التحلي بالصبر وعلى الامساك بالأوضاع. وحتى الآن يبدو أنهم نجحوا في هذا الامتحان، وليس مستبعداً بعد الآن ان يفكروا في كيفية التعاطي مع مرحلة ما بعد نتانياهو رغم ان الرجل يبدو حالياً وكأنه "ملك اسرائيل" الذي لا يقهر