القيادة تعزي رئيس البرازيل    خادم الحرمين يرعى مؤتمر مستقبل الطيران الدولي.. 20 الجاري    اقتصاديان ل «عكاظ»: إنشاء مدينة صناعية ومناطق لوجستية لسلاسل إمداد مواد البناء.. تعزيز للتوطين ودعم المشاريع السكنية    توخيل: الهزيمة أمام ريال مدريد مؤلمة.. وقرار الحكم كارثي    المملكة ونمذجة العدل    14.5 مليار ريال مبيعات أسبوع    محافظ قلوة يدشن أعمال ملتقى تمكين الشباب بالمحافظة.    مهرجان المنتجات الزراعية في ضباء    تعاون مع بيلاروسيا في النقل الجوي    " الحمض" يكشف جريمة قتل بعد 6 عقود    دجاجة «مدللة» تعيش حياة المرفهين    عدوان الاحتلال.. قتل وتدمير في غزة ورفح    سعود بن جلوي يرعى حفل تخريج 470 من طلبة البكالوريوس والماجستير من كلية جدة العالمية الأهلية    91 نقطة أعلى رصيد (نقطي) في تاريخ الكرة السعودية.. رقم الحزم التاريخي.. هل يصمد أمام الزعيم؟    الاتحاد يواجه الهلال على ذهب نخبة الطائرة    البلوي يخطف ذهبية العالم البارالمبية    مدرب أتالانتا: مباراة مارسيليا الأهم في مسيرتي    هدف أيمن يحيى مرشح للأجمل آسيوياً    نائب أمير الشرقية يلتقي أهالي الأحساء ويؤكد اهتمام القيادة بتطور الإنسان السعودي    نائب أمير منطقة مكة يكرم الفائزين في مبادرة " منافس    ختام منافسة فورمولا وان بمركز الملك عبدالعزيز الثقافي    كشافة شباب مكة يطمئنون على المهندس أبا    العمودي والجنيد يحتفلون بناصر    أسرة آل طالع تحتفل بزواج أنس    يسرق من حساب خطيبته لشراء خاتم الزفاف    روح المدينة    خلال المعرض الدولي للاختراعات في جنيف.. الطالب عبدالعزيزالحربي يحصد ذهبية تبريد بطاريات الليثيوم    الوعي وتقدير الجار كفيلان بتجنب المشاكل.. مواقف السيارات.. أزمات متجددة داخل الأحياء    لقاح لفيروسات" كورونا" غير المكتشفة    طريقة عمل كفتة الدجاج    أعطيك السي في ؟!    الاتصال بالوزير أسهل من المدير !    أمطار رعدية على معظم مناطق المملكة من اليوم وحتى الإثنين.. والدفاع المدني يحذّر    سمير عثمان لا عليك منهم    تغيير الإجازة الأسبوعية للصالح العام !    الذهب من منظور المدارس الاقتصادية !    مسؤول مصري ل«عكاظ»: مفاوضات القاهرة مستمرة رغم التصعيد الإسرائيلي في رفح    حماس.. إلا الحماقة أعيت من يداويها    القيادة تعزي رئيس البرازيل إثر الفيضانات وما نتج عنها من وفيات وإصابات ومفقودين    "الداخلية" تنفذ مبادرة طريق مكة ب 7 دول    وزير الشؤون الإسلامية يدشّن مشاريع ب 212 مليون ريال في جازان    35 موهبة سعودية تتأهب للمنافسة على "آيسف 2024"    سمو محافظ الخرج يستقبل رئيس مجلس إدارة شركة العثيم    إحباط مخطط روسي لاغتيال زيلينسكي    «حِمى» أصداء في سماء المملكة    أمير تبوك يشيد بالخدمات الصحية والمستشفيات العسكرية    «إثراء» يسرد رحلة الأفلام السعودية في 16 عاماً عبر «متحف حكاية المهرجان»    وغاب البدر    «أسترازينيكا» تسحب لقاح كورونا لقلة الطلب    احذروا الاحتراق الوظيفي!    الفيضانات تغرق مدينة بالبرازيل    انطلاق المؤتمر الوطني السادس لكليات الحاسب بجامعة الإمام عبد الرحمن بن فيصل    برعاية وزير الإعلام.. تكريم الفائزين في «ميدياثون الحج والعمرة»    مستشفى الدكتور سليمان الحبيب بالسويدي يُجري جراحة تصحيحية معقدة لعمليات سمنة سابقة لإنقاذ ثلاثيني من تبعات خطيرة    الأمير خالد بن سلمان يرعى تخريج الدفعة «21 دفاع جوي»    المدح المذموم    البدر والأثر.. ومحبة الناس !    انتهاك الإنسانية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العوامل المؤثرة على أمن الإمدادات النفطية في منطقة الخليج
نشر في الحياة يوم 07 - 10 - 1998

لم يعد اليوم ممكناً للعوامل السياسية والاقتصادية أن تبرر الانعزال أو الانغلاق، ولم يعد بإمكان عاملي الوقت والمكان تقليل أهمية الاتصال البشري، لأن مفهوم السيادة أضحى اليوم في ساحة العلاقات الدولية مفهوماً يضم في جنباته تضادات تاريخية.
في ضوء هذه الاعتبارات ينبغي إعادة تعريف مفهوم الأمن من منظور القياس الكمي للمتغيرات المستقلة التي تؤطر بدورها العوامل الفاعلة وبالتالي حان الوقت لمعاودة تقويم المغالطات التي تكتنف موضوع أمن امدادات الطاقة وسلامتها.
لقد هيمنت لفترة من الوقت الرؤية التقليدية القائلة إن أمن وسلامة الطاقة يتعلقان أولاً بالغرب وتحديداً بأميركا الشمالية وأوروبا الغربية، وثانياً بقية دول العالم. ولهذا التفصيل مبرراته، فقد استهلكت الدول الغربية نحو 32 مليون برميل يومياً من المنتجات البترولية المكررة في عام 1996 أي نحو 48 في المئة من مجمل الاستهلاك العالمي اليومي، ولا يثير هذا الوضع غرابة لأن الكيان الحضاري الحديث والنمو الاقتصادي والقوة العسكرية تعتمد بأجمعها على التوليد المستمر للطاقة التي يتوقع أن يدخل البترول كمكون أساسي فيها بنسبة 41 في المئة بحلول العام 2000. وكانت الدول الغربية منذ البداية منتجة للطاقة بما في ذلك البترول الخام، لكن مواردها المحلية أخذت اليوم تعاني من أمرين مهمين، فإما أن تلك الموارد تقترب من مرحلة النضوج المادي، أو ان مردودها لم يعد يكفي حاجات الاستهلاك، ثم ان احتياطات الدول الغربية تقدر بنحو 55 بليون برميل، وهذا الاحتياط بالقياس إلى معدلات الاستهلاك الحالية لن يطول أمده لأكثر من خمسة أعوام. وبالمقابل، فإن الدول الغربية تنتج طاقة بديلة بإمكانها إثبات جدواها الاقتصادية مستقبلاً. وإلى أن يتحقق هذا عملياً يصبح بإمكان مصادر الطاقة البديلة أن تفي باحتياحات القطاعات الاستهلاكية بكفاءة تجارية، ليس أمام الدول الغربية سوى الاعتماد على الاستيراد وبشكل أكثر وضوحاً في منطقة الخليج، ذلك ان التقديرات تضع أرقام استيراد كل من أميركا الشمالية وأوروبا الغربية بنحو 20 مليون برميل يومياً من البترول، وهذا يشكل نحو 63 في المئة من معدل الاستهلاك اليومي للطاقة.
وليس موضع خلاف القول إن مناطق أخرى في العالم، إلى جانب منطقة الخليج، تبدو مهيئة لتلبية حاجة الغرب من الطاقة. وتبدو هذه المناطق مالكة لمعدلات مرضية من الاحتياطات البترولية ومن بينها أميركا اللاتينية المستأثرة باحتياط قدره 133 بليون برميل وأوروبا الشرقية وروسيا التي تقدر احتياطاتها بنحو 60 بليون برميل، وكذلك افريقيا برصيد يقارب 16 بليون برميل. لكن الملاحظ ان الدول في كل المناطق السابق ذكرها تشهد نمواً اقتصادياً من شأنه زيادة معدلات الاستهلاك المحلي، الأمر الذي سيخفض من قدراتها التصديرية، ومع كل هذا فإن التساؤل يبقى مشروعاً حول ما توحي به هذه الدول بأنها أكثر اعتماداً على تصدير البترول مقارنة بدول منطقة الخليج. والأمر المؤكد أيضاً هو ان لكل منطقة منتجة للبترول مشاكلها المحلية والدولية، السياسي منها والاقتصادي، ما يستلزم بالضرورة النظر إلى موضوع أمن الامدادات البترولية وسلامتها في ضوء ما يطرأ من متغيرات في الظروف المؤثرة في كل منطقة.
هكذا يبدو للوهلة الأولى ان التركيز في معادلة أمن وسلامة الامدادات البترولية ينبغي أن يشتمل على الجانب الآخر من المعادلة، فعند ادراج إيران كدولة بترولية منتجة في منطقة الخليج، وهو الأمر الطبيعي، يتضح ان دول الخليج تحتضن في أراضيها أكبر وأكثر المصادر قيمة في التاريخ. فعند النظر إليها مجتمعة نجد أنها تمتلك ما يزيد على 670 بليون برميل من الاحتياطات، أي ما يعادل 84 في المئة من الاجمالي العالمي للاحتياطات البترولية القابلة للانتاج. بل أن معظمها يضيف سنوياً اكتشافات بترولية جديدة تفوق مقاديرها ما سبق أن انتجته وصدرته، الأمر الذي يعني تزايد قدراتها في المحافظة على تقديرات احتياطاتها من دون تغيير، ولن يقتصر ايضاح التعقيد المتضمن في معالجة موضوع أمن وسلامة الامدادات البترولية على استعراض الأرقام وحدها. فخلال عقد التسعينات عندما توقف تصدير البترول جزئياً من منطقة الخليج ارتفع متوسط سعر البترول إلى أربعة أضعاف متوسطه السابق، وسبب ذلك الأوضاع الخطرة لاقتصادات العديد من الدول ويعزي السبب في قدرة اقتصادات العالم على تحمل الانقطاع الموقت في صادرات كل من العراق وإيران ابان حربهما إلى أن بعض دول المنطقة توفر لها طاقة انتاجية فائضة استطاعت بها تغطية العجز الحادث. أما اليوم، وتحت الأوضاع الماثلة، فأي انخفاض فعلي في حجم صادرات منطقة الخليج، وإذا ما قدر لديمومته ان تكون طويلة نسبياً، فبإمكان ذاك الانخفاض إحداث تغييرات اقتصادية مهمة.
ولا أنوي المضي هنا في معالجة افتراضات ومضامين هذا المنظور، لكن الأمر الذي لا يمكن تجاهله هو ان الأرقام التي اتيت على ذكرها سابقاً تمثل وضعاً لا يبعث على الارتياح في الدول الغربية، فكثيراً ما نسمع من دون مواربة الرأي القائل ان أمن وسلامة واستمرارية الامدادات البترولية إلى الدول العربية بشكل خاص، والصناعية على وجه العموم، يكمن في خفض الاعتماد على مصادر البترول الأجنبية، خصوصاً تلك الواقعة في منطقة الخليج. ويمضي الرأي من دون خجلر إلى المناداة إذا أصبح ذلك متعذراً في وقت ما، فلا مناص عندها من السيطرة المباشرة عليها... وفي هذا الإطار خطت الدول الغربية بعزم وإصرار في تطبيق ذلك الرأي وأسمحوا لي ان استعرض معكم هنا بعض ملامح هذا المنهج. انشأت الدول الغربية منظمة الطاقة الدولية كرد ديناميكي على أزمة السبعينات البترولية، ففي عام 1996 بلغت القيمة التجارية للمخزونات البترولية في المواقع الثابتة أي غير المنقولة ولا العائمة نحو 4،2 بليون برميل، وهي كمية تكفي لمواجهة احتياجات الدول الأعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD لپ62 يوماً قياساً الى معدلات الاستهلاك الحالية، بينما بلغ اجمالي المخزونات البترولية الاستراتيجية SPR نحو 1.2 بليون برميل وهذه تفي باحتياج 30 يوماً، ويقدر اجمالي المخزونات التجارية والاستراتيجية بنحو 2.6 بليون برميل، وهي كافية لمواجهة اية ازمة تهدد امدادات البترول ويطول امدها ل 92 يوماً، واذا كانت ارقام المخزونات في الدول الصناعية المستهلكة مؤشراً لقدرتها على التصدي للأزمات فإن الارقام المنشورة اخيراً تؤكد المضي قدماً في هذا الاتجاه اذ ارتفعت ارقام الكميات البترولية المخزونة لاغراض تجارية في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية بمقدار 591 الف برميل في شباط فبراير من السنة الجارية مقارنة بمقاديرها عند التاريخ نفسه من العام المنصرم كما ازدادت كميات البترول المخزون تجارياً في العالم يومياً وخلال الفترة نفسها بمقدار 648 الف برميل لتصل الى 5.9 بليون برميل كل هذا بالاضافة الى ازدياد قدرة الدول الصناعية المستهلكة على تحمل الازمات التي تؤثر في استمرار الامدادات البترولية مع ابتداع نظام لتقاسم المخزونات الذي ولا شك يقلل من وطأة الضغوط الاقتصادية على الدول الاعضاء في حال تعرضت خطوط الامدادات البترولية لانقطاعات. ومن الناحية الاخرى فانه لا تستطيع اية دولة منتجة في منطقة الخليج ان تتصدى لاي معوق يؤثر على صادراتها لفترة زمنية مماثلة لا سيما مع تعرض ارصدتها من النقد الاجنبي للانخفاض، وعند مقارنة معدلات الانفاق الحكومي الحالية في الدول المنتجة للبترول في منطقة الخليج فانه يبدو من الصعب توقع العودة الى وضع احتياطات من النقد الاجنبي كالتي عرفتها هذه الدول خلال عقدي السبعينات والثمانينات.
وعلاوة على ما سبق ذكره فان دول منطقة الخليج سواء ما اتفق مع تصنيفها كصديق او عدو للغرب، فانها جمعياً تشعر بالوجود العسكري الاجنبي من حاملات طائرات وقذائف موجهة، وقنابل ذكية على مدّ النظر من شواطئها، كما انها اصبحت تدرك الآن بأن وقوع كوارث، كما كان الحال عندما اضرمت النيران في آبار النفط الكويتية خلال حرب الخليج الثانية، لم يكن ذلك الحدث بالبعد المأسوي الذي كان قبل وقوعه اذ تم تعويض قدرات الانتاج بشكل اكثر كفاءة عما كان يعتقده الكثيرون ممكناً، وامكن اعادة اصلاح ما لحق بالآبار من ضرر، واستعادت قدراتها الانتاجية في وقت قصير أثار الاعجاب. وعندما تبلغ التطورات الامور ذروتها اللامحتملة ويصبح العقاب الزاماً تتخذ عندها القرارات الملزمة بالعقاب ويكفي التذكير ان ثلاث دول منتجة للبترول. اثنتان منها في منطقة الخليج تخضع حالياً الى شكل من اشكال المقاطعة او الحظر الدولي او الفردي، فكلاً من العراق وايران لم يتمكن بعد من رفع انتاجه لبلوغ حصته الانتاجية كما هو محدد وفقاً لقرارات الامم المتحدة او نظام حصص منظمة أوبك. تعزى هذه الاوضاع الى نقص في المعدات او قصور في التقنية.
ونقلت التقارير المتخصصة في صناعة النفط اخيراً ان الحقول الليبية تمر بمراحل تناقص في معدلات انتاجها خلال السنوات الخمس الاخيرة بسبب افتقارها الى تقنية الاستخراج البترولية، وبالاضافة الى هذا فإن الانخفاض الحادث في الدخول والاثار الضخمة التي تخلفها قرارات الحظر او المقاطعة على رفاه الشعوب في الدول الثلاث الآنفة الذكر لم تدرس او تحلل بعد… ولعل ما نشهده اليوم هو حظر عكسي من قبل المستهلكين على المنتجين خلافاً للوضع التقليدي في العلاقة بين الطرفين.
وقطعت الدول الغربية شوطاً متقدماً في مجال خفض تكاليف انتاج حقول البترول وتمكنت من زيادة نسب الاستخراج من الابار المكتشفة باستخدام طرق الاستخلاص SRM كما تمكنت من اطالة الزمن الاستخدامي لاحتياطاتها ومن هذا يصبح التوقع السابق في شأن نضوب انتاج حقول بحر الشمال اضعاث احلام اذ ارتفع معدل انتاجها من 2.1 مليون برميل يومياً في عام 1980 الى 5.8 مليون برميل في عام 1996 متجاوزة بهذا المعدل كل المنتجين في منطقة الخليج باستثناء المملكة العربية السعودية. وتبقى الحرب العراقية - الايرانية التي اندلعت بين اثنين من كبار منتجي البترول في المنطقة والتي سبقت حرب الخليج الثانية شاهداً على الاهمال الواضح من قبل المجتمع الدولي للتدخل بوضع حد للنزاع المسلح، وقيل بحق ان ذلك النزاع لم يشكل تهديداً مباشراً للامدادات البترولية للسوق العالمية وهذه مقولة صحيحة لان النزاع العراقي - الايراني لم يسبقه مثيل في ساحة الخلافات الانسانية… فكلا الدولتين لم تكونا مدرجتين على قائمة من يمكن تسميتهم بالاصدقاء. وخلال معظم اعوام الحرب استطاعت كل منهما ان تلحق اضراراً بالغة بالاخرى، وتمكنت في الوقت نفسه من الحفاظ على انتاجها وصادراتها من البترول. ومن الناحية الاخرى كان لدى بعض دول المنطقة فائض لتعويض أي نقص في انتاج أي من الطرفين المتحاربين في الوقت الذي تزامن ذلك مع انفاق مبالغ طائلة على السلاح من الدول الغربية. وكان الانطباع السائد حينها انه بعدما يستنفد كل طرف قواه، ويفقد القدرة على حل النزاع عسكرياً ويدرك الحاجة للسلام من دون تدخل اجنبي، عندها فقط ستضع الحرب اوزارها وتظهر اهمية اعادة البناء وعندها فقط ستدرك الاطراف المعنية الحاجة للشركات وللتقنية الغربية للبدء في عمليات الاعمار.
ولا تزال الضرائب المحلية المفروضة على استهلاك البترول في الدول الصناعية محط اهتمام بالغ من قبل الدول المنتجة للنفط في منطقة الخليج ففي عام 1996 على سبيل المثال كان السعر المتوسط للبرميل في الموانئ الايطالية شاملاً تكاليف الشحن والتأمين نحو 20.5 دولار في الوقت الذي كان يباع في الاسواق الايطالية بمبلغ 144 دولاراً… هذا الفارق السعري شكل ايراداً ضريبياً يقدر بمبلغ 77.2 دولار من البرميل الواحد بالمقابل فان الدخل المتوسط للمنتجين في منطقة الخليج من بيع البرميل لم يتجاوز 20 دولاراً في عام 1996، وهذا سعر يرتبط بواحد من افضل الاعوام ايراداً خلال السنوات الاخيرة. وتجدر الاشارة الى ان معدل الضريبة على البرميل في ايطاليا ارتفع الى اكثر من الضعف خلال الاعوام 1986 - 1996 من 36.3 دولار الى 77.2 دولار، وينطبق الواقع نفسه في كافة الدول الغربية، ففي فرنسا فإن السعر المتوسط لبيع برميل البترول للمستهلك في الاسواق الفرنسية في عام 1996 كان 120.6 دولار منها 83.4 دولار ضرائب محلية وكذلك الحال في المانيا حيث يباع البرميل للمستهلك بسعر 105.2 دولار بعد استقطاع ضريبي قدره 63.5 دولار. وفي بريطانيا يصل الايراد الضريبي الى 69 دولاراً من البرميل المباع بسعر 112.6 دولار. ويعني هذا ان الحكومات في الدول الغربية تحصل على ايرادات مالية من فرض ضرائب على البترول المستورد تصل الى اربعة اضعاف المبلغ الذي تحصل عليه الدول المنتجة والمتحملة أيضاً تكاليف النقل لهذه الاسواق.
ويبقى للضرائب التي تفرضها الدول الصناعية المستهلكة آثار سالبة على ايرادات منتجي النفط لكننا في واقع الامر لا نسمع في أية دولة غربية حسماً على خفض الاسعار للمستهلكين والسبب هو ان الاسعار المنخفضة ستدفع بالضرورة الى زيادة معدلات الضريبة على المستهلكين للحصول على ايرادات ضريبية محددة، هذا الوضع لا يدركه المستهلكون في الدول الغربية، وهنا يسعدني ايراد التقدير الرقمي الذي توصل اليه صديقي الدكتور لقمان السكرتير العام لمنظمة الاوبك في عام 1996 والذي يرى ان اربعة من كبار الدول المستهلكة للبترول وهي اليابان والمانيا وكندا والولايات المتحدة حصلت على ايراد مالي من جراء فرض ضرائب على البترول المستورد يفوق مجموع ما حصلت عليه احدى عشرة دولة مصدرة للبترول. وعندما نضيف الى قائمة هذه الدول كلاً من فرنسا وايطاليا والمملكة المتحدة بحيث نصل الى ما يسمى بمجموعة السبعة الكبار فان هذه الدول معاً تكون قد اضافت الى خزانتها الوطنية كايراد بترولي ضريبي يفوق ايراد صادرات الدول المنتجة بأكثر من 70 في المئة. على دول منطقة الخليج وبقية المنتجين داخل "أوبك" وخارجها أن يأخذوا حذرهم من الدعوات الموجهة لهم للمشاركة في معاهدات دولية بينية. فعلى سبيل المثال، خلال مؤتمر كيوتو KYOTO في اليابان في 1997 كان هناك توجه لحفز الدول النامية على الالتزام بعدم تجاوز نسب محددة للتلوث، في الوقت الذي كان مؤتمر برلين قد أعفى الدول النامية من أية التزامات بيئية اضافية نظراً للشكوك العلمية التي لا زالت تحيط بالعلاقة العملية بين المعدلات المقترحة والسلامة العامة، ومع ذلك، فإن نائب الرئيس الأميركي آل غور تعهد بعد انقضاء فعاليات المؤتمر المذكور بالزام الدول النامية بالقبول بمعدلات محددة للتلوث قبل تصديق مجلس الشيوخ الأميركي على المعاهدة.
وربما تجد الدول الغربية نفسها في موقف يخل بتوازن الكفة التي يبدو أنها تميل لمصلحتها في الوقت الحاضر. فقضايا مثل ازدواج معايير السياسة الخارجية تجاه محادثات السلام وأسلحة الدمار الشامل في المنطقة والتسابق لبيع المزيد من السلاح على حساب التنمية الاجتماعية والاقتصادية ومحاولة فرض مفاهيم الديموقراطية الغربية وحقوق الإنسان على مجتمعات لها مفاهيمها المتجذرة في تراثها بشأن علاقات الحكم وحقوق الإنسان... هذه القضايا لا تؤدي إلا إلى الغضب الجامح والذي بدوره يؤدي إلى القوة المضادة والعنف. لقد رأينا أخيراً بوادر العاصفة تلوح في الافق عندما حاول مجلس الأمن الدولي فرض الخيار العسكري لإلزام العراق على الاذعان لمقرراته، بينما نرى المحاولات الخجولة لتطبيق قرارات مؤتمر أوسلو تقابل بالتمرد الكامل.
ويبدو بحق أمراً محزناً أن يندلع العنف في المنطقة، لكن منطقة الخليج ستكون الأقل تأثراً بعوامل عدم الاستقرار... فمواردها ضخمة وعدد سكانها صغير نسبياً، وهي ذات ارتباط روحي قوي ووشائج اجتماعية متماسكة وموقع جغرافي يفضي إلى تآلفية مع الشرق والغرب. وهذه الدول ترغب في المضي قدماً في طريق التطور الاقتصادي والسياسي، فعندما بدأت تجربتها التطويرية الحديثة في مطلع السبعينات كانت محلاً لتطلعات العالم أجمع بسبب الطرق التي خططت لأهدافها والوسائل التي اعتمدت لتنفيذها، والسبل التي سلكتها لتحاشي المأزق... لقد رنت هذه الدول إلى مصاف العالم الحديث عبر مؤسساتها التي أعادت هيكلتها ورغبتها التواقة للمساهمة في الحضارة الإنسانية وتشعر اليوم ان بامكانها معالجة مشاكلها الداخلية لو تركت بمفردها تستجيب لقوى النشوء والارتقاء التي تحركها آلية الرغبة الإنسانية للتغيير.
ولا ينبغي على منطقة الخليج الاكتفاء بردود الأفعال للسياسات الغربية، بل عليها أن تأخذ زمام مصائرها في أيديها، ففي مجال الطاقة ينبغي عليها التكيف مع الظروف المتغيرة بتغيير توجهها وعليها إدراك أنه في الوقت الحاضر هي أكثر عرضة للضرر من الغرب عندما يتعلق الأمر بأمن وسلامة إمدادات الطاقة... لقد جابهت الدول الغربية خلال السبعينات الواقع الذي تمثل في نقص إمدادات الطاقة بمنهج ذكي استهدف خفض معدل النمو في الاستهلاك المحلي للبترول وتمخض عن هذه السياسة ان فقد المنتجون من داخل "أوبك" وإلى الأبد حصصاً سوقية مقدارها 5،6 مليون برميل يومياً ووقع الأثر السالب على المنتجين في منطقة الخليج، بالمقابل فإن الاسلوب الأوحد لخفض الفائض البترولي في السوق والعودة به إلى "سوق بائعين" يكمن في خفض انفاق حكومات دول منطقة الخليج، وعندها ستنخفض حاجتهم للمزيد من الايرادات البترولية وينتفي اللجوء إلى سياسة "قطع الرقاب" للتنافس على الحصص السوقية. وحتى يتحقق ذلك، فإن جهد دول منطقة الخليج ينبغي أن ينصب على الدخول إلى كل الأسواق ما أمكن وتفضيل سياسات تستهدف تلك أصول تسويقية أو المشاركة في ملكية كيانات تسويقية مشتركة في أسواق تتمتع بكثافة استهلاكية مثل الصين والهند وفي الدول التي تتميز بامكانات نمو مرتفعة في معدلات استهلاكها للبترول مثل جنوب شرق آسيا، والولايات المتحدة، ومن الممكن أيضاً ايجاد قنوات اتصال مباشرة وديناميكية بهدف انشاء جماعات فاعلة وكفوءة تمنع تطبيق الاتفاقات الدولية التي لا تخدم مصالحها.
ولعل الواقع يفرض أيضاً عدم استبعاد الدول الصناعية الأكثر تقدماً في كل من أوروبا الغربية ونصف الكرة الغربي وحثها وحفزها على التعاون في سبيل المصلحة المشتركة.
* وزير البترول السعودي السابق.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.