ليان العنزي: نفذت وصية والدي في خدمة ضيوف الرحمن    هذا سبب ارتفاع أقساط السيارات في الوقت الحالي    الرئيس المصري يغادر بعد أداء الحج    المملكة.. تهانٍ ممزوجة بالنجاحات    قائد أحب شعبه فأحبوه    في 2025.. ستصبح الشوكولاتة باهظة الثمن !    صادرات النفط السعودية تتراجع إلى 6 ملايين برميل    رئيس الفيدرالي في مينيابوليس يتوقع خفضاً واحداً للفائدة    مصادر «عكاظ»: أندية تنتظر مصير عسيري مع الأهلي    مصدر ل«عكاظ»: أبها يرغب في تمديد إعارة الصحفي من العميد    «بيلينغهام» ثالث أصغر هداف إنجليزي    48 درجة حرارة مشعر منى.. لهيب الحر برّدته رحمة السماء    جدة: منع تهريب 466 ذبيحة فاسدة    «ترجمان» فوري ل140 لغة عالمية في النيابة العامة    رسالة لم تقرأ..!    نجاح مدهش اسمه «إعلام الحج»    بعوضة في 13 دولة تهدد إجازتك الصيفية !    49 حصاة يلتقطها الحاج للجمرات و70 للمتأخر    نظرية الحج الإدارية وحقوق الملكية الفكرية    فخر السعودية    فخ الوحدة ينافس الأمراض الخطيرة .. هل يقود إلى الموت؟    بديل لحقن مرضى السكري.. قطرات فموية فعّالة    5 مثبطات طبيعية للشهية وآمنة    ما مدى خطورة إصابة كيليان مبابي    منهج مُتوارث    خادم الحرمين يتكفل بالهدي على نفقته ل3322 حاجاً وحاجة    فرنسا تهزم النمسا في بطولة أوروبا    مدرب رومانيا: عشت لحظات صعبة    الاتحاد الأوروبي يفتح تحقيقاً ضد صربيا    القبض على إثيوبي في عسير لتهريبه (34) كيلوجراماً من مادة الحشيش المخدر    رئيس مركز الشقيري يتقدم المصلين لأداء صلاة العيد    24 ألف ذبيحة في ثاني أيام العيد بالرياض    السجن والغرامة والترحيل ل6 مخالفين لأنظمة الحج    وزارة الداخلية تختتم المشاركة في المعرض المصاحب لأعمال ملتقى إعلام الحج    نائب أمير منطقة مكة المكرمة يستقبل مدير عام الدفاع المدني المكلف وقائد قوات أمن المنشآت    الرئيس المصري يُغادر جدة بعد أدائه مناسك الحج    ولي العهد: نجدد دعوتنا للاعتراف بدولة فلسطين المستقلة    وزير الصحة يؤكد للحجيج أهمية الوقاية بتجنّب وقت الذروة عند الخروج لأداء ما تبقى من المناسك    د. زينب الخضيري: الشريك الأدبي فكرة أنسنت الثقافة    الرئيس الأمريكي يهنئ المسلمين بعيد الأضحى    القبض على إثيوبي في الباحة لترويجه مادة الإمفيتامين المخدر    نجاح حج هذا العام    نائب أمير مكة المكرمة يطلع على خطط أيام التشريق    الذهب يتراجع ترقبًا للفائدة الأميركية    تصادم قطارين في الهند وسفينتين في بحر الصين    «الهدنة التكتيكية» أكذوبة إسرائيلية    2100 رأس نووي في حالة تأهب قصوى    الأمن الصناعي بشركة المياه الوطنية عينُُ ساهرة لاتنام لحراسة اكثر من 3 مليار لتر من المياه    فيلم "ولاد رزق 3" يحطم الأرقام القياسية في السينما المصرية بأكثر من 18 مليون جنيه في يوم واحد    44.8 مليون مكالمة في مكة والمشاعر بيوم العيد    51.8 درجة حرارة المنطقة المركزية بالمسجد الحرام    عروض الدرعية تجذب الزوار بالعيد    "الصحة" للحجاج: تجنبوا الجمرات حتى ال4 عصراً    عيد الأضحى بمخيمات ضيوف الملك ملتقى للثقافات والأعراق والألوان الدولية    موسكو تحذّر كييف من رفض مقترحات السلام    كاليفورنيا ..حرائق تلتهم الغابات وتتسبب بعمليات إجلاء    الاحتلال الإسرائيلي يحرق صالة المسافرين بمعبر رفح البري    قتل تمساح ابتلع امرأة !    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المغرب والمشرق... عربيان!
نشر في الحياة يوم 10 - 05 - 2011

ساقتني ظروف أخيرة لكي أزور في الأيام الماضية عدداً من دول المغرب العربي مرة أخرى، فبدأت بالرباط ثم مررت بنواكشوط فالجزائر ثم تونس وآمنت مع كل خطوة أخطوها أننا بالفعل أمة عربية واحدة ولم أجد فروقاً تذكر في طريقة التفكير ولا في أسلوب التعبير ولا في السلوك الحياتي بين عرب المغرب وعرب المشرق أو عرب وادي النيل، وأصبح الكل يعرف عن الآخر من أشقائه في الأمة العربية ما لم يكن متاحاً من قبل ويجب أن نعترف هنا بأن الفضائيات لعبت دوراً حاسماً في ذلك، فعندما تكون في موريتانيا لا تجد فروقاً ضخمة بين أبناء «البادية» ونظرائهم في المشرق العربي من دون اعتبارٍ لمستوى المعيشة أو فروق الدخل القومي، وعندما تتجول في شوارع الرباط ستشعر بسمات التشابه مع بعض شوارع دمشق وحين تتجول في بعض أحياء تونس فكأنك لم تغادر عاصمة الأردن، كذلك فإن التجول في أحياء الجزائر يشعرك وكأنك على أحد شواطئ بيروت، كما أن القيم الأخلاقية لا تختلف كثيراً في دول المغرب عن أشقائهم في دول الخليج العربي، ولقد قلت لنفسي إن العرب لفرط ما لديهم من أسباب التوحد وعوامل الاندماج فإنهم أحياناً ينقسمون ويختلفون بسبب الرفاهية لما لديهم من أسباب التشابه وعناصر التوحد، وليسمح لي القارئ أن أبسط أمامه الآن عدداً من الملاحظات الجديرة بالاهتمام:
أولاً: إن أشقاءنا في المغرب العربي مرتبطون ارتباطاً شديداً بالقضية القومية الأولى وهي القضية الفلسطينية، وموقفهم من اعتداءات إسرائيل وسياستها الاستيطانية موقف واضح لا يختلفون حوله وهم يشعرون أحياناً بأن اهتمامهم بقضايا المشرق العربي يفوق اهتمام «المشارقة» بمشكلات «المغرب» وقضاياه، ولا بد أن أعترف بأن بعض الفضائيات الكبرى ساهم في تقريب المسافات وتوحيد النظرة بتخصيصها أمسيات معينة للتركيز على الشؤون «المغاربية».
ثانياً: إن الإسلام الحنيف يبدو لعرب المغرب مرادفاً لقوميتهم العربية وهم ينظرون إليه باعتباره مرجعاً روحياً تاريخياً يصعب تصور المنطقة من دونه، ويربطون بين المراكز الإسلامية الكبرى في أفريقيا مثل القيروان في المغرب والزيتونة في تونس والأزهر في مصر وبين المسجد الأموي في دمشق والمزارات المقدسة في الكاظمية والأعظمية في بغداد والمسجد الأقصى في القدس، على اعتبار أنها جميعاً تقع تحت مظلة الحرم النبوي الشريف الذي يورف بظلاله على الجزيرة العربية ودول الخليج العربي والعالم الإسلامي كله.
ثالثاً: يجب أن نعترف هنا بأن اللهجات العربية تقاربت في شكل ملحوظ في العقود الأخيرة والسبب يرجع مرة أخرى إلى الفضائيات وما قامت به من جهود للتقريب بين الأفكار والتعبيرات مع تعزيز اللغة العربية الفصحى التي فوجئت بأن أهل موريتانيا يتحدثونها بطلاقة وحرفية، ولم أعجب فهم ورثة ثقافة «شنقيط»، لذا، ظهر من بينهم الشعراء والأدباء والعلماء في اللغة والدين، ولا يقف الأمر عند هذا الحد بل إن أنماط السلوك وأساليب الضيافة وطبيعة العادات السائدة لا تختلف عن نظيرتها في المشرق العربي أو دول الخليج أو وادي النيل.
رابعاً: إن اقتراب عرب المغرب من أوروبا وتداولهم اللغة الفرنسية إما مستقلة أو مختلطة بلهجاتهم العربية العامية أعطى دولهم ميزة الاقتراب من العقل الغربي على نحو لم يتوافر لنا في وادي النيل أو الجزيرة العربية والخليج والمشرق العربي، ولا شك في أن ذلك انعكس على تواصلهم الدائم مع الحياة الغربية خصوصاً الأوروبية، فالعلاقة بين معظمهم ودول مثل فرنسا وإسبانيا وإيطاليا تبدو واضحة على نحو لا تعرفه دول الوسط أو المشرق.
خامساً: لقد تزايدت زيارات وفود العرب المشارقة المغربَ العربي في العقود الأخيرة وجرت عملية انفتاح إنساني وتزاوج أسري لم تكن معهودة من قبل وأصبحنا أمام شكل من أشكال الحياة المتجانسة والذوق المتشابه، على رغم اختلاف الأردية والأزياء الوطنية وفقاً لطبيعة الطقس وظروف الحياة. لقد أصبحنا أمام حالة تداخل بين ثقافة «الأرز» وحضارة «الكسكس» وأصبح المذاق متبادلاً والطعام متقارباً في ظل عالم يتغير بسرعة ويتحرك في كل اتجاه.
سادساً: إن أنظمة الحكم ما بين الملكية الدستورية والجمهورية البرلمانية أو الرئاسية صنعت حياة سياسية ورأياً عاماً لا يختلف عليه الجميع. لقد أصبحنا أمام رغبة ملحة في الحياة الديموقراطية والمشاركة السياسية والأخذ بأساليب الحوكمة أي «الحكم الرشيد».
سابعاً: إن اهتمام عرب المغرب بالقضايا القومية العربية الأخرى يجعلهم يعيشون ظروف المشرق، صعوداً وهبوطاً، وما زلنا نتذكر مئات الألوف من المتظاهرين في شوارع المدن المغاربية التي احتجت على غزو العراق أو دانت جرائم إسرائيل أو رفضت سياسات بعيدة من روح المنطقة وطموحاتها وآمالها.
ثامناً: إن الثورات الشعبية التي بدأت بتونس، ثم مصر، خرجت من تحت عباءتها مشاعر مشتركة غزت مواقع أخرى على خريطة المشرق العربي، فالمزاج القومي واحد والروح العربية مشتركة، كما أن رياح التغيير عندما تهب فإنها لا تفرق بين مغرب ووسط ومشرق، لأن ظروف الأوطان العربية متشابهة والحكم الوطني الذكي هو ذلك الذي يسبق آمال شعبه بمسيرة إصلاح جادة بدلاً من انتظار لحظة المواجهة بكل ما فيها من مخاطر وملابسات وما يدور حولها من انفعالات وطنية لمن يطلبون التغيير ويسعون نحو العدل بكل أبعاده.
تاسعاً: لقد لمست في جولتي بين دول المغرب العربي الارتباط القوي لشعوبه بتفاصيل الحياة «المشارقية»، وهم يتفهمون العقلية السائدة في دوله ويشعرون بارتباط قوي مع كل ما يدور على الساحة حتى وإن لم يكونوا طرفاً فيه، فدماء العروبة وروحية الإسلام تشد أطراف المنطقة وتدفع الجميع نحو مشاعر قومية لا سبيل لإنكارها.
عاشراً: دعونا نتحدث بصراحة فقد أدركت من تجوالي في الأقطار العربية على امتداد الأربعين سنةً الماضية أن المخاطر التي تواجه الإنسان العربي واحدة في كل الأقطار، فالمؤامرات تستهدفهم جميعاً، وإن كنت من غير عشاق التفسير التآمري للتاريخ، كما أن المخططات الأجنبية تطاردهم بحكم موقعهم في وسط العالم إضافة إلى ثرواتهم الطبيعية والبشرية مع الوضع في الاعتبار أن التضامن العربي يكون حتى في لحظات ضعفه إشارة مقلقة لأعداء هذه الأمة والمتربصين بها.
هذه ملاحظات موجزة قصدنا بها أن نلفت النظر إلى ذلك التشابه الكبير بين الأخطار التي تواجه العرب ومجتمعاتهم المختلفة، فالبوادي متشابهة والحضر متقارب وأنماط الحياة تؤكد أننا أمة واحدة، وبقي عليها الآن أن تقوم بتوزيع الأدوار في ذكاءٍ ودهاء يسمح لها بأن تستفيد من التنوع وأن تستخدم التعددية شرط أن نتوقف جميعاً عن اللغة التقليدية للتخوين والابتزاز والاتهامات المسبقة والتلويح بالتحريض والإثارة، لأننا في النهاية إما رابحون جميعاً أو خاسرون من دون استثناء، وإذ تمر المنطقة العربية بظروف استثنائية فإنني أدعوها جميعاً إلى التماسك والأخذ بأساليب العصر والمضي قدماً في مسيرة الإصلاح وفقاً لمنظومة التقاليد التي ورثناها والأخلاقيات التي عرفناها بعيدين من الغلواء والتطرف والعنف الذي لا مبرر له. ولنتذكر جميعاً أننا أبناء الحضارة العربية الإسلامية، حتى غير المسلمين منا، بكل ما لها من جلال وقيمة وما فيها من مكانة وسمو، ولندفن خلافاتنا ولنمضِ في طريقنا فلن نكون «خير أمة أخرجت للناس» إلا بالعمل المخلص والجهد الجاد، لأن الله «لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم»، ولنتذكر فضل العرب على الأمم المجاورة والشعوب المختلفة مدركين في النهاية أننا أصحاب قضية عادلة وغاية واحدة وأمل مشترك.
* كاتب مصري


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.