شيّع عصر أمس (الإثنين) في مدينة الرياض جثمان الفنان أبو بكر سالم بلفقيه، بعد الصلاة عليه في جامع البابطين، وتم دفنه في مقبرة «بنبان» شمال العاصمة، وشاركت في مراسم التشييع جموع كبيرة من شخصيات اجتماعية وفنية سعودية وخليجية. وأجرى رئيس الجمهورية اليمنية عبدربه منصور هادي مساء أمس، اتصالاً هاتفياً بأحمد أبوبكر سالم بلفقيه عزاه في وفاة والده. وأشاد بمناقب الفقيد التي جسدها خلال مشوار حياته الفنية، وأثرى من خلاله الساحتين الفنية والثقافية في اليمن والوطن العربي بأعمال غاية في الروعة من خلال جمال صوته وعذوبة كلماته وشجي ألحانه. ولد أبوبكر سالم عام 1939 في مدينه تريم المشتهرة بالغناء بحضرموت. ويعتبر قامة فنية ثقافية منذ بداية ظهوره عام 1956 في ساحة الطرب العربي، ليضع له مكانة مرموقة من خلال أدواته الفنية وطبقات صوته النادرة، تفوق من خلالها على كل نجوم الطرب في العالم العربي، ليملأ الفراغ الفني الموسيقي ومناخ الأغنية التطريبية بإبداعه المتفرد صوتا وكلمة ولحناً. مدرسة بلفقيه الفنية يلهج بها كل عشاق الطرب الأصيل في أمصار العالم العربي بالثناء والتقدير حينما يذكر اسم الإمبراطور أبو بكر سالم ليس فقط بقوة صوته، بل يهتمون كثيراً بألحانه الوصفية، حتى إن المستمع العربي في مصر، وسورية، والجزيرة العربية، والعراق، ولبنان يقبل على ذلك الإنتاج الموسيقي اللطيف من رؤية أبو أصيل بدافع الشغف والمحبة، ومن الإطراء الذي تميز به لدى أساتذة الموسيقى والطرب والكلمة الغنائية الحالمة، كونه جعل للمستمع مخرجاً لقدرته على تلوين طبقات صوته الغنائية، لذا هو يعد من أساتذة الغناء الذين قدموا المدرسة الوصفية إلى جانب المدارس الغنائية الأخرى. وعلينا التوقف لقراءة أغنيته للوطن «يا بلادي واصلي»، التي سكنت قلوب السعوديين على تتابع الأجيال بل هي مادة تربوية تردد بصوته داخل الصروح العلمية، هي أشبه بملحمة يمثلها درامياً بإحساس العاشق للوطن لوحة تصويرية غنائية ناطقة استطاع ان يتغلل في معانيها ويضع لها وشاحاً من الانغام المناسبة والإيقاعات المعبرة بشكل رائع في منتهى الجمال. وذلك يدل على عمق ثقافته وإحساسها في فهم حقيقة الكلمة وعمق معانيها. في عام 1956 في اذاعة عدن وضع أغنية من كلماته والحانه «يا ورد محلا جمالك بين الورود»، وفيها بصمة رسمت شخصيته العبقرية في مجال الطرب اذ قدم لها لحناً تطريبيا متوافقاً مع قوة القصيدة للشاعر لطفي أمان، ثم طرح أغنية «أقبلت تمشي رويدا»، بالفصحى لامس من خلالها محاكاة وجدان المستمع العربي فظل توهج الأغنية العربية بشعر الفصحى الذي كان تواقا لكتابته وقراءته شاعراً متذوقاً، جعل المتلقي في تلك الحقبة يلامس الفرق ما بين الأغنية الطربية والراقصة، بعد العديد من النجاحات واحتراف المجال الفني حزم حقائبه وسافر الى بيروت في اواخر الخمسينات والتقى بالعديد من كبار المطربين والملحنين والموزعين الموسيقيين في الوطن العربي وفي منتصف السبعينات فضل الاستقرار في مدينة الرياض. وتتصف ألحانه بالعاطفة وصدق التعبير الحقيقي ورقة المشاعر والأحاسيس وروعة السياق للموازير الموسيقية لكتابة القطعة الموسيقية للحن الأغنية وتوزيعها لم يقتبس ولم يرن للتقليد لمدارس فنية أخرى سبقته بل هو مدرسة فنية أصيلة لها كيانها الخاص الذاتي المستقل، أبو بكر الإنسان ذو الشخصية السامية الكريمة النبيلة إضافة لرمزيته كان يتصف بعفة اللسان رقيق الحاشية، هذه الصفات تنعكس على إنتاجه الأدبي والفني التي اظهرته بالصورة الزاهية البراقة ذات التعبير الصادق. عبر مسيرته الفنية الحافلة بالانجازات والتقدير، حصل أبو بكر سالم على العديد من الجوائز، إذ تم تكريمه في مهرجان ليالي فبراير بالكويت عام 2009، وفي عام 2003 قدمت له جامعة حضرموت شهادة دكتوراه فخرية وإصدار طابع بريدي وتسمية شارع باسمه في اليمن، وتوج بجائزة فنان القرن العربي من جامعة الدول العربية عام 2002، وتشرفت قاعة البرت هول في لندن عام 1983 بغنائه على مسرحها الغنائي، وحصل على جائزة ثاني أقوى صوت بالعالم في أغنية «اقول ايه» عام 1978، كما حصل على الأسطوانة الذهبية من اليونان عام 1964 لبيع 4 ملايين نسخة. وعرف عنه احترام نقد المتلقي وبأنه من يصنع النجم في ساحة الطرب، وبعد رحيله قال الملحن القدير ناصر الصالح: «أبو بكر سالم بلفقيه مرجع فني يصعب الحديث عنه، كونه قصة لا تنتهي مع الجملة الموسيقية والكلمة الرصينة يمتلك طابعاً متفردا في طرح اللحن، وتنغيمه بفلسفة المفكر العبقري في بحر الموسيقى، عندما يغني تشعر بأدائه المبهر وثورة انفعالاته النفسية واحاسيسه الكامنة تظهر جلياً لحظة وجوده كجزء من منظومة العمل الغنائي الابداعي، يجمع في طبقات صوته ما بين الموليدي والهارموني وبراعة في تركيب العرب والانتقال من عربة لأخرى، إن هذه الامكانات والادوات الفنية بكاملها لم يتضمنها فنان غيره، لذلك هو مدرسة ذات نهج مميز لم يسع للتقليد ولا المجاراة لم يقدم طرحاً مألوفا للمستمع، اسلوبه الغنائي كان يحمل روحه، هو الفنان الترجمان الحقيقي لنفسه الحالمة والجميلة والمتألمة كان نسيجاً مستقلاً في طبعه وخلقه. من جانبه قال الفنان أحمد فتحي إن أبو بكر سالم من أبرز المدارس الفنية التي أنجبتها الأمة العربية، كونه اضاف اسلوباً مغايراً في ثراء الاغنية العربية بغناء طبقات ومساحات صوته وثقافته الموسيقية والادبية وفي النقد، وشاعراً جل كلماته الحب والمحاكاة والوصف، لذلك اضفى على شخصية الاغنية العربية رونقاً بهيجاً وعمل على تغذيتها بالنغمات المطربة بصوته الشجي الذي تجده في قمة قراره وتارة يصعد لأعلى الخطوط والمسافات والابعاد في السلم الموسيقي، مضيفاً أن أبو اصيل شخصية فنية تضمنت الحب والعطاء مسجلة تاريخ ومرجعاً للأغنية العربية.