ورث مازن عبيدو حرفة صنع الحلويات السورية أباً عن جد في دمشق، إلى أن أرغمه النزاع في بلده على الانتقال إلى الأردن حيث فتح متجراً صغيراً، ومن ثم خمسة متاجر أخرى تقدم حلويات مجبولة بالحنين إلى وطن مزقته الحرب. ويقول عبيدو (42 سنة) وهو جالس في متجره الرئيسي وسط مدينة إربد (89 كيلومتراً شمال عمان) الذي تفوح منه روائح زهر الليمون واللوز والصنوبر وجوز الهند المستخدمة في صنع الحلويات، «كانت لدي محلات عدة في دمشق، وكان عملي ممتازاً يدر علي مالاً وفيراً. ولكن بعد اندلاع النزاع بعام واحد وشعوري بعدم الأمان قررت ترك كل شيء ورائي والمجيء إلى الأردن». ويتابع عبيدو وهو أب لثلاثة أطفال، «في عام 2012، بدأت من نقطة الصفر. فتحت متجراً صغيراً في إربد (يقيم فيها نحو 200 ألف سوري) نصفه معمل ونصفه لبيع الحلويات. كنت أعمل ليلاً ونهاراً من دون كلل أو ملل، فزاد عدد زبائني وزاد دخلي. لذا قررت فتح خمسة متاجر أخرى». ويتباهى الرجل القصير الممتلئ ذو اللحية السوداء بصناعته عشرات الأنواع من الحلويات كالبقلاوة والعثملية والهريسة بالقشطة والوربات بالفستق الحلبي والبرازق، مروراً بالمدلوقة والقطايف والمبرومة والعوامة انتهاء بالكنافة والبوظة بالفستق الحلبي. لكن هذا النجاح لا يغلب الحنين. ويقول عبيدو: «في دمشق، أتذكر أن الأردنيين كانوا يشترون 90 في المئة مما أنتجه الخميس والجمعة. كانت الحياة جميلة وكانوا يصلون في نهاية كل أسبوع بالعشرات لشراء كميات كبيرة، حلويات ذات جودة عالية. وكانت أسعارنا أقلّ بكثير مما هي عليه في الأردن». وكانت سورية قبل اندلاع النزاع معروفة في المنطقة بجودة حلوياتها. فتشتهر دمشق بالبقلاوة والبرازق. أما حلب التي شكلت لسنوات طويلة عاصمة سورية الاقتصادية، فمعروفة بأنواع كثيرة منها المبرومة (البرما) والمرصبان، فيما تتخصص حمص وحماة بحلاوة الجبن، ودرعا براحة الحلقوم. في المشغل بمدينة إربد، يعمل 60 عاملاً غالبيتهم من السوريين كل صباح مدة عشر ساعات في اليوم لصنع الحلويات بواسطة معدات كتب على معظمها «صنع في سورية». ويؤكد «الباغاجاتي» (المعلم)، وهو الاسم الذي يطلق باللهجة السورية على الصناع الماهرين «لننتج حلويات شامية ذات جودة عالية كان لزاماً علي أن أجلب كل هذه المعدات الخاصة من سورية، لقد تم نقلها جواً إلى الأردن وكلفتني الكثير من المال لكن عملها رائع».