وصل عدد المواسم التلفزيونية من البرنامج الهولندي «أهلاً ووداعاً» إلى 16 موسماً، وبيعت حقوق إنتاج نسخ محلية منه إلى 17 بلداً حول العالم (منها: كندا، بريطانيا، إسبانيا، النرويج، البرازيل). هذا على رغم أن البرنامج لا يفعل أكثر من إجراء لقاءات مع قادمين ومغادرين في مطارات، ويسألهم أسئلة عن وجهاتهم ومن ينتظرون، مُثبتاً (أي البرنامج)، أن التنفيذ المتقن والمحافظة على معايير من الجودة والمذيع الذكي، من شأنها أحياناً رفع ما يبدو فكرة تلفزيونية بسيطة وتحويلها إلى ظاهرة تستحق الاهتمام والتقدير، لما تكشفه عن أحوال المجتمع والبلد الذي يصور فيه البرنامج. يقف مقدم البرنامج في أحد مطارات بلده ينتظر المستقبلين والمغادرين، فاتحاً حوارات تبدأ بسيطة، لكن الكثير منها يتطور إلى مكاشفات وبوح وقصص مؤثرة جداً. ينصت المقدم الذكي إلى ما يقوله الناس له ولا يتعجل الرد، وعندما يبدأ بطرح أسئلة تكون أسئلته ذكية ولماحة وتشعر الشخصيات بالأمان، ليواصل بعدها قيادة الحوارات مع شخصياته بحنكة، ثم يشكرها على فتحها قلبه له، ويودعها ليتوجه بعد ذلك إلى شخصيات جديدة. ولعل السرّ في قدرة البرنامج على تشجيع ناس عابرين على بدء حوارات فيها الكثير من الكشف، هو المطار الذي يصور فيه البرنامج، باعتباره محطة فعليّة وعاطفية، يمرّ بها الذين يستعدون للسفر بعيداً، أو الذين يقفون بانتظار أحبة لم يلتقوهم لسنوات أحياناً. ففي هذا المكان بالتحديد وأثناء الانتظار أو الوداع، تستدعى ذكريات بعيدة ومحطات مفصلية من الحياة، وتزداد هشاشة كثيرين، من الذين يرفضون أن يتحدثوا بالعادة بتفاصيل حميمة عن حيواتهم للغرباء، ناهيك الوقوف أمام كاميرات تلفزيونية في أمكنة عامة. يتجنب البرنامج المسافرين في سفرات سياحية قصيرة، ويركز في المقابل على القصص التي يختلط فيها العام والخاص، والتي تكشف عن العذاب الإنساني الفردي والجماعي، لذلك ليس غريباً أن تحتل قصص اللاجئين في هولندا مساحة مهمة من البرنامج في السنوات الخمس الأخيرة، حيث سجلت الكاميرا لمّ شمل عائلات سورية. ورافق البرنامج لاجئين وهم يستعدون إلى سفرات إلى المناطق التي أتوا منها لأسباب شخصية وعائلية. تصل بين الحوارات في البرنامج، مشاهد صامتة للكاميرا وهي تجول في المطار ملتقطة لحظات إنسانية، مثل توديع ناس لأحبتهم وفرح البعض الآخر للقاء أقرباء وأصدقاء فارق بينهم المكان والزمان. كما تتتبع الكاميرا مغادرين وهم يعبرون نقاط التفتيش وتسجل آخر التفاتة لهم إلى أهلهم، ودموع ناس وهم يودعون أحبة لهم لفترات ربما تطول لسنوات. وعلى رغم التركيبة البسيطة للبرنامج، فإنه يبدو من الصعب كثيراً العثور على مقدمين ناجحين له، كما صرحت الشركة الهولندية المنتجة، من الذين يكونون قادرين أن يعزلوا الشخصيات التي يحاورونها عن المحيط من حولها، ويسهلون عملية البوح الصعبة والتي تتم في مكان عام ومزدحم مثل المطارات. لذلك ليس غريباً أن يتولى مقدم هولندي ناجح تقديم البرنامج لأربعة عشر موسماً، وعندما قرر المغادرة للعمل في مشاريع تلفزيونية أخرى، انخفض عدد مشاهدي البرنامج، الأمر الذي دعا القناة التلفزيونية لإقناع المذيع نفسه بالعودة إلى تقديم البرنامج مرة أخرى.