إلى جانب المخاوف الأمنية والسياسية المتعلقة بما يجري في سورية منذ سنوات، تبقى قضية اللاجئين مطروحة بإلحاح لما لها من تأثيرات عميقة، بخاصة على دول الجوار التي استقبلت قرابة خمسة ملايين لاجئ بحسب إحصائيات المفوضية العليا لشؤون اللاجئين في شهر أيار (مايو) من هذا العام. وفي الفترة الأخيرة عادت قضية اللاجئين في لبنان لتسبب الكثير من الجدل، وتصعيداً في الاحتقان أكثر من ذي قبل بين اللاجئين والمجتمع المضيف وذلك على خلفية مداهمة الجيش اللبناني لمخيمات في عرسال وتوقيف المئات منهم ثم موت 4 من الموقوفين في ظروف لم تتضح تماماً، ما يشير إلى أهمية القضية محلياً والنقاش المحتدم حول عودتهم إلى بلدهم. في هذا الإطار تم الكشف عن نتائج استطلاع «صوت اللاجئين السوريين الشباب» من قبل «أصداء بيرسون مارستيلر»، وهو استطلاع سنوي لآراء الشباب العربي يشمل مخيمات ومناطق سكن اللاجئين في لبنان والأردن. تقول نتائج الاستطلاع في عناوينها العريضة أن «أكثر من نصف اللاجئين السوريين الشباب لا يرجحون العودة إلى وطنهم بشكل دائم»، أما العودة فيربطها هؤلاء بانتهاء الحرب وخروج «داعش»، بينما كان لتحسن الأوضاع الاقتصادية ورحيل بشار الأسد دور بسيط في عودة اللاجئين لم يصل حد ال10 في المئة من آراء الشباب المشمولين بالاستطلاع. لكن وفي المقابل رأى أكثر من ربع المستطلعين أن لا اتفاق سلام بوجود الأسد، على رغم أنهم قدموا إيقاف الحرب على هذا الرحيل. وكان من اللافت أن رأي الشباب بالتأثير الروسي على الصراع كان متقارباً جداً إذ رأى 49 في المئة أنه دور إيجابي بينما قال 46 في المئة أنه سلبي. منهجية الاستطلاع وتفاصيله ضرورية للحكم على نتائجه، فهذا الاستطلاع يبني نتائجه على أساس 400 مقابلة مباشرة مع لاجئين سوريين شباب تتراوح أعمارهم بين 18 و24 سنة، مناصفة بين الذكور والإناث، ممن يعيشون في لبنان والأردن، ويقول معدو الاستبيان أن نسبة الخطأ في نتائجه تبلغ أقل بقليل من 5 في المئة. التذكير بنتائج الصراع في هذا البلد قد يساعد على فهم نتائج الاستطلاع على نحو أفضل، فوفق معلومات وأرقام البنك الدولي ومنظمة الأممالمتحدة منذ 2011 تجاوز عدد القتلى 320 ألف شخص وبلغت الخسائر الاقتصادية 226 بليون دولار مع نزوح 6 ملايين شخص داخل سورية، ولجوء أكثر من 5 ملايين خارج البلاد، هذه المعطيات ربما تفسر تغير آراء الشباب ومواقفهم بمرور الوقت. على أرض الواقع يمكن أن تختلف نتائج الاستطلاع على نحو ملموس بحسب نسبة معارضي النظام مثلاً من المستطلعين، والأمر نفسه ينطبق إن كانت هناك غلبة لنسبة اللاجئين القادمين من مناطق سيطر أو يسيطر عليها «داعش»، ولم تذكر منهجية الاستبيان أي معلومات حول هذه المعايير التي كان من الممكن أن تؤثر في شكل جذري على الأسئلة المتعلقة ب «داعش» ورحيل بشار الأسد والدور الروسي. والجدير بالذكر هنا، أن ثلاثة من المناطق الست التي شملها الاستطلاع في لبنان يسودها بقوة رأي عام مؤيد للنظام السوري ولتدخل حزب الله في الصراع السوري، الأمر الذي قد ينعكس بطبيعة الحال على آراء الشباب المستطلعين وإجاباتهم، وهذه المناطق هي ضاحية بيروت الجنوبية والنبطية ومرجعيون، بينما المناطق الثلاث المتبقية هي سن الفيل وعين الرمانة وطرابلس. تعليقاً على نتائج الاستطلاع يلاحظ الشاب السوري عامر قيس (26 سنة) أن الصراع السوري قد دخل عامه السابع، وبالتالي فإن الشباب المشمولين في الاستطلاع كانوا أطفالاً أو دون سن الرشد القانوني في بداية الثورة، وربما لم يتح لهم، لهذا السبب أو لغيره، معرفة مجريات الأحداث بدقة خلال السنتين الأوُليين. ويعتبر قيس أن «الموقف من الصراع في سورية اليوم والإجابة على أسئلة الاستطلاع غير ممكنة من دون فهم جيد للبدايات ومجرياتها». من جهتها تقول ردينة الطالبة السورية الشابة في جامعة بيروت العربية أن نتائج الاستطلاع مؤشر هام ومقلق على مدى الإرهاق الذي أصاب السوريين، إذ تعتبر أن سوء أحوالهم في بلدان اللجوء، والثمن الباهظ الذي دفعوه من قتلى وجرحى ودمار جعلهم يخفضون سقوف توقعاتهم ويرضون بما كان من المستحيل أن يرضوا به لسنوات خلت. وتبدي ردينة استغرابها من انخفاض نسبة الراغبين في العودة إلى سورية برأيها، إذا تؤكد من خلال خبرتها الشخصية واحتكاكها بالمجتمع السوري المحيط بها أن «لا سوري لديه الرغبة في البقاء في لبنان إذا توافر الحد الأدنى من الشروط اللازمة للاستقرار في مجتمعه الأصلي» على حد تعبيرها. وحاولت «الحياة» التواصل مع الشركة التي أعدت الاستطلاع للوقوف عند نتائجه ومنهجيته وإتاحة الفرصة للتعليق على الانتقادات، إلا أن ذلك لم يكن متاحاً. وإلى ذلك، فإن أقل ما أثار اللغط أو الاعتراض من نتائج الاستطلاع كانت إجابات الشباب حول البلد الذي يرغبون بالهجرة إليه، فاحتلت كندا مركز الصدارة بواقع 27 في المئة، وتلتها الولاياتالمتحدة الأميركية ب23 في المئة، ثم ألمانيا والإمارات العربية المتحدة ب22 في المئة لكل منهما، وأخيراً فرنسا والمملكة المتحدة. هذه الإجابات تبدو منطقية ومفهومة إلى حد كبير نظراً لظروف اللاجئين السوريين في هذه البلدان ومستوى المعيشة وتوافر فرص العمل. وعلى رغم التعليقات على نتائج الاستطلاع تبقى هذه أداة بالغة الأهمية لصناع السياسات ولمنظمات المجتمع المدني تساعدهم على تلمس نبض الشباب اللاجئ وأفكارهم وتوجهاتهم، ما يسهل تطوير قنوات تواصل جديدة معهم. ويؤكد سونيل جون مؤسس ورئيس شركة «أصداء بيرسون مارستيلر» التي أجرت الاستطلاع من خلال النتائج الشعور العميق بالخيبة لدى الشباب، «والحاجة إلى إيجاد حلول بديلة ودائمة لاستعادة تفاؤلهم من جديد».