شكلت الرضاعة الطبيعية، من ثدي الأم، مثار جدل واسع مع ظهور الأغذية البديلة في الأسواق، وآراء الشركات المصنّعة والخبراء في المسألة. وطاول الجدل أيضاً وضع الأم أثناء إطعام رضيعها، وقيل إن الارضاع قد يشكل خطراً على حياة الطفل، ثم ظهرت آراء مضادة ليس فقط في ما يتعلق بالرضاعة، بل ايضا بأنواع الأغذية وحاجات الطفل وغير ذلك. وكأي عقار «مجرّب وشافٍ» من داء ما، تظهر أعراضه الخطيرة لاحقاً ويُسحب من الأسواق، خضعت الرضاعة الطبيعية لهذا النوع من «الشد والرخي». وراحت أمهات «عصريات» يفضّلن ألاّ يُرضعن اطفالهن من الثدي لضرورات جمالية محضة، كإبعاد شبح الترهّل واحتمالات الإصابة بسرطان الثدي. «طالما أن هناك أغذية تعوّض العناصر الغذائية»، تقول إحداهن، تجيبها أخرى: «ومن يعوّض عن حنان الأم، في عصر درج إلقاء التربية على عاتق الخادمات؟». غير أن الرضاعة الطبيعية، وفقاً للاستراتيجية العالمية لتغذية الرضيع والطفل الصغير (يونيسف 2003)، شكلت ولا تزال تشكل هدفاً أساسياً لبرامج التغذية وتشجيع الممارسات المثلى لتغذية الرضيع والطفل الصغير. كما تبيّن أن لهذه الممارسة الغذائية الإنسانية جوانب اقتصادية توفيرية وصحية، في الدول الفقيرة ومناطق النزاع، تشدد على أهميتها يونيسيف وغيرها من منظمات الرعاية الصحية في العالم. وتُعتبر المدة من الولادة حتى بلوغ الطفل سنته الثانية، «فرصة سانحة بالغة الأهمية» لتحقيق جودة النمو والصحة والتطوّر السلوكي، والتغذية المثلى في أثنائها حاسمة للأم كما للرضيع. وهي تمكن الأمهات من الشروع في الرضاعة الطبيعية في غضون ساعة واحدة من الولادة، وإرضاع الطفل رضاعة طبيعية حصرياً طيلة الأشهر الستة الأولى من عمره، ومواصلة إرضاعه طبيعياً لمدة سنتين أو أكثر، إلى جانب الأغذية المكمّلة المناسبة. والرضاعة الطبيعية، وفقاً ليونيسيف ودراسات ميدانية، أكثر من مجرد غذاء، فالمواليد الذين يرضعون طبيعياً تقل كثيراً احتمالات وفاتهم من الإصابة بالإسهال، أو أمراض الجهاز التنفسي الحادة، أو أمراض أخرى. فالرضاعة الطبيعية تدعم الجهاز المناعي للرضّع وتحميهم من الإصابة بحالات مزمنة في مراحل لاحقة، مثل البدانة والسكري. وإذا قلت الرضاعة الطبيعية عما يجب (6 أشهر إلى سنة) تكون مسؤولة عما يقدر ب1.4 مليون حالة وفاة سنوياً بين الأطفال دون سن الخامسة من العمر. غير أن الأرقام والمعلومات وحدها لا تكفي، في عصر فقد فيه البشر بعضاً من بداهتهم وطرأت أمراض خطيرة منتقلة، كالايدز، وباتوا ينقادون خلف آراء ويحددون خيارات «صائبة» برأيهم، ولو على حساب صغارهم. لذا، تشمل برامج الرعاية المتصلة بتغذية الصغار منذ الولادة عمليات رصد وتقييم وتوجيه في شأن تغذية الصغار في ظروف صعبة، تحاول تقديم الدعم الذي تحتاج إليه الأمهات والأسر ومقدمو الرعاية، وخصوصاً في ظل أوضاع غير مستقرة للأسر والمجتمعات التي تعايش فيروس نقص المناعة المكتسبة (الإيدز)، أو في حالات الطوارئ الطبيعية.