التكلّم عن الجوع في لبنان يمكن أن يبدو أمراً مستغرباً بالنسبة إلى كثيرين، فهل يمكن لأي شخص في القرن ال21 ألا يجد ما يقتاته في نهاره أو لأكثر من يوم؟ ربما تبدو هذه الصورة بعيدة من لبنان في مخيّلتنا، لكن الواقع يبرز أمراً مناقضاً تماماً. فإذا كان عدد سكّان لبنان حوالى 6 ملايين نسمة نصفهم من المحتاجين وفق دراسة للأمم المتحدة، ما الذي يدعو إلى الإستغراب من أنّ هناك من ينام ليلاً وهو يشعر بالجوع لأنّه لم يستطع الحصول على وجبة واحدة في اليوم؟ هذا الأمر تتنبّه له الجهات الرسمية وتحاول من فترة إلى أخرى أن تقوم بمبادرات آنية للتخفيف من ثقل الجوع والفقر، لكن ذلك ليس كافياً مع زيادة الأزمة الاقتصادية وتضييق سبل العيش. ولذلك يكون الاعتماد في شكل أكبر على تحرّكات المجتمع المدني والمنظمات لمساعدة الفقراء ومدّ يد العون لهم، في وقت تحدّ الدولة مساهمتها في مساعدات عينية غير دورية. ومن هنا، انطلقت جمعية «Food Blessed» كمبادرة وطنية رائدة للحدّ من الجوع في لبنان تقوم بها مجموعة من المتطوعين الشغوفين، بهدف تأمين الأمن الغذائي للجائعين في مختلف المناطق. ويتمّ ذلك عبر خلق شبكة وطنية مستدامة من العلاقات تربط بين الشركات المسؤولة الاجتماعية (مطاعم، متعهدي مطاعم ومزوّديها) والمجتمع المدني، بهدف إنقاذ وتحصيل الطعام الفائض وتوزيعه على المحتاجين. أكثر من وجبة تكثر في لبنان المبادرات لإطعام المحتاجين في أوقات معينة ومناسبات محددة، لكن تندرج غالبيتها ضمن البرنامج السياسي للأحزاب والتيارات أو لعمل جمعيات مرتبط بتمويل خارجي، وحين يتوقّف هذا التمويل يتعطل المشروع كلّه. وهنا يكمن تميّز جمعية Food Blessed كما تشرح الرئيسة التنفيذية مايا ترو ل «الحياة». فالمبادرة وطنية ولا يُسأل المحتاج عن طائفته أو انتمائه السياسي، كما أنّ العمل على أن تكون مستدامة من خلال العلاقات مع الشركات التي تحترم مسؤوليتها الاجتماعية وتأمين التمويل الذاتي عبر مبادرات عدة. وتتنوع نشاطات الجمعية بين تقديم الوجبات في مراكز محددة، وتوزيع علب المونة التي تضمن للمحتاج أمنه الغذائي لمدة من الزمن. لكن ما تلفت إليه ترو أنّ الجمعية لا تكتفي بتقديم الوجبات، بل الأهم هي طريقة التقديم وأجواء الفرح التي تُشاع بين المحتاجين حين يلتقون في مراكز الجمعية. فالمتطوعون من الشباب يحاولون أن يُشعروا كلّ زوّارهم بالمحبة والأمل، ما يضفي لمسة من السعادة على حياتهم التي تكثر فيها اللحظات السوداوية. أطعمة متنقّلة من المشكلات التي تواجهها مختلف مبادرات تقديم الوجبات للمحتاجين عائق المكان، فالتركّز في نقاط محددة في العاصمة يمنع تقديم هذه الخدمة المميزة للأشخاص الذين يقطنون في مناطق بعيدة من بيروت أو المدن الكبرى. لذا، ابتكرت Food Blessed شاحنة للطعام تتنقّل في عكار، البقاع، بعلبك، وغيرها من المناطق التي تعاني من الفقر ويتركّز فيها النازحون أيضاً. وما يميز هذه الشاحنة أنّها خلال النهار مخصصة لتقديم الوجبات لعدد كبير من المحتاجين، أمّا خلال الليل يعمل الناشطون على تقديم البيتزا في المناطق اللبنانية التي يعملون فيها مقابل المال الذي يستثمر في اليوم التالي لتأمين الوجبات للمحتاجين إلى جانب ما تقدّمه الشركات من مطاعم ومتعهّدين. وتعتبر هذه المبادرة الأولى من نوعها في لبنان، ولا شك في أنّ وجود أكثر من شاحنة يمكن أن يساعد كثيراً في توفير الأمن الغذائي للمحتاجين، لذلك تعوّل ترو على المساهمات المالية والعينية لتعزيز المبادرة وتقويتها. مكافحة الهدر لا تنشط Food Blessed في تقديم الوجبات للمحتاجين فقط، بل لها دور أساسي في مكافحة هدر الطعام. لذا تسدي ترو نصائح مهمة حول كيفية التقليل من حجم الطعام المهدور: - تقسيم الوجبات وتخطيطها: أكثر الطرق فعالية للتخفيف من هدر الطعام، وذلك عبر وضع لائحة مشتريات وتجنّب التسوق غير المخطط له. - تجنّب الذهاب إلى المتجر عند الشعور بالجوع: فذلك سيؤدي إلى شراء أصناف كثيرة غير مدرجة على لائحة المشتريات. - عدم الانجرار وراء العروضات: من المفضّل الالتزام بشراء الأغراض التي تحتاجونها أو ستجدون أنفسكم مع كميات زائدة عن حاجتكم، وفي النهاية سيكون لديكم كميات من الأكل المتعفّن أو منتهي الصلاحية. - عدم رمي بقايا الأطعمة: يجب العمل دائماً على استخدام بقايا الأطعمة في أمور عدة. ومن الأمثلة على ذلك أنّه يمكن استخدام معظم الخضار واللحم الزائد في خلطات جديدة ولتحضير وجبات كاملة. - حفظ الأطعمة بالطريقة الصحيحة عبر استخدام درجة الحرارة المناسبة في البرّاد وتفريز (تجليد) الأكل. - التبرّع بالفائض من الأكل: إذا بقي لديكم زيادة في الطعام بعد تطبيق النصائح الخمس السابقة، يمكن التبرّع بالفائض للمحتاجين عبر التواصل مع Food Blessed مثلاً.