دراسة سعودية تكشف تنوعًا غير مسبوق للثدييات الكبيرة في الجزيرة العربية خلال العصور الماضية    تقدم أحدث النماذج والتطبيقات.. وتطور الحلول.. ولي العهد يطلق "هيوماين" رائداً عالمياً في الذكاء الاصطناعي    الاتفاق الأمريكي الصيني يصعد بالأسواق    تمديد إقامة العمالة الموسمية في الحج إلى نهاية المحرم    مودي يؤكد وقف العمليات العسكرية.. الهند تتقدم نحو حل سياسي شرط المعالجة الأمنية    "جوجل" تُطلق تطبيقًا لفك تشفير النصوص المعقدة    نصف مليون شخص معرضون للموت جوعاً.. تحذير من كارثة إنسانية وشيكة في غزة    هنأ الأهلي والبطل القرشي.. ولي العهد يستقبل أبطال نخبة آسيا    في ختام الجولة 31 من " روشن".. الهلال يعبر العروبة.. والنصر يدك شباك الأخدود ب 9 تاريخية    الهلال يهزم النصر.. ويتوج بدوري الطائرة للمرة ال20    القبض على 4 أشخاص لترويجهم مواد مخدرة    العدل: إصدار132 ألف وثيقة صلح في عام 2024    إقرار المبادئ التوجيهية للاستثمارات الخضراء.. مجلس الوزراء: الموافقة على تنظيم هيئة الطيران المدني    يقدِّم تجربة متكاملة في مجموعة من المحطات التفاعلية.. مجمع الملك سلمان يفتتح معرضًا لإبراز جماليات «العربية»    موهوبو السعودية مستعدون للتألق في "آيسف 2025"    المغطّر    100 مبادرة إثرائية توعوية بالمسجد النبوي.. 5 مسارات ذكية لتعزيز التجربة الرقمية لضيوف الرحمن    "الغذاء والدواء": ثلاثة أنواع من البكتيريا تهدد السلامة    حكاية طفل الأنابيب (4)    ارتفاع الدولار بعد اتفاق تجاري بين الولايات المتحدة والصين    غرامة 20,000 ريال للحج بلا تصريح    الدفاع المدني: لا تستخدموا المصاعد أثناء الحرائق    خطوة واحدة يا عميد    النجمة يسطع في سماء «روشن» وهبوط العين    الشبابيون: لن نبالغ في الفرحة    محمية الإمام عبدالعزيز بن محمد تزيل أكثر من 719 ألف طن من الأنقاض    زيارة ترمب للمملكة تجدد التأكيد على عمق العلاقات السعودية الأمريكية وشراكة متعددة الأبعاد    الصين من النسخ المقلد إلى صناعة المتفوق    70 % من مرضى الربو يعانون من حساسية الأنف    عبدالعزيز بن سعود يرعى تخريج 1935 طالباً في كلية الملك فهد الأمنية    تعليم المدينة ينفذ إجراءات التوظيف التعاقدي ل1003 مرشحين    المملكة.. حضور بلا ضجيج    غزة: ارتفاع شهداء العمل الإنساني والطواقم الطبية إلى 1400 شهيد    نظير إسهاماته في تنمية الحركة الأولمبية .. المجلس الأولمبي الآسيوي يمنح"ابن جلوي"وسام الاستحقاق    «المتحف الوطني» يحتفي باليوم العالمي للمتاحف    الحرف اليدوية.. محاكاة الأجداد    مكتبة الملك فهد الوطنية تطلق خدماتها عبر «توكلنا»    خلال زيارته للمملكة.. هل يفعلها ترمب؟    «الشؤون الإسلامية» بجازان تحقق 74 ألف ساعة تطوعية    فهد بن سلطان يستعرض جهود «الكهرباء» في تبوك    مستشفى الدكتور سليمان الحبيب بالفيحاء في جدة ينظم المؤتمر الأول للأمراض الجلدية    «تجارة» الحدود الشمالية تنفذ 333 جولة رقابية    ضمن مبادرة"مباراة النجوم".. القادسية يستضيف 30 شخصاً من ذوي الإعاقة    "الشريك الأدبي" في جازان: حوار مفتوح بين الكلمة والمكان    طلب إفلاس كل 6 ساعات عبر ناجز    استقرار معدلات التضخم عند 2% بدول الخليج    الشؤون الدينية تطلق خطتها التشغيلية لموسم الحج    حماية مسارات الهجرة بمحمية الملك    مجلس الوزراء: نتطلع أن تعزز زيارة الرئيس ترمب التعاون والشراكة    ٦٠ مراقبا ومراقبه في ورشة عمل مشتركة بين الأمانة وهيئة الغذاء    حفل ختام وحدة الثقافة والفنون بكلية الآداب في جامعة الإمام عبدالرحمن    محافظ الطائف يكرّم الجهات المشاركة في برامج وفعاليات أسبوع المرور    وداعًا يا أمير التنمية والإزدهار    حاجة ماليزية تعبر عن سعادتها بالقدوم لأداء فريضة الحج    انطلق بمشاركة 100 كادر عربي وأوربي.. أمين الرياض: «منتدى المدن» يعزز جودة الحياة ويقدم حلولاً مشتركة للتحديات    بتنظيم من وزارة الشؤون الإسلامية.. اختتام تصفيات أكبر مسابقة قرآنية دولية في البلقان    المملكة تواصل ريادتها الطبية والإنسانية    أمير منطقة تبوك يرعى بعد غد حفل تخريج متدربي ومتدربات المنشات التدريبية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نحن وتركيا وإيران وإسرائيل والنفط
نشر في الحياة يوم 20 - 06 - 2010

يعاني توازن القوى الذي ساد منذ نهاية الحرب الباردة تحديات كبيرة الآن، كما قال ماريانو أغواير، مدير معهد بناء السلام النروجي، في 2 حزيران (يونيو). فاتفاق إيران مع تركيا والبرازيل على تبادل اليورانيوم الضعيف التخصيب بآخر أكثر تخصيباً في 17 أيار (مايو) الماضي، وقرار مجلس الأمن بفرض عقوبات جديدة على إيران، أظهرا شروخاً في هذا النظام. و «يمكن قياس هذا التغيير بالطريقة التي لطالما كانت تناقش بها بعض القضايا في شكلٍ محصور بالدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن، مثل مسألة تهريب المواد النووية، وقد غدت الآن موضوع نقاش لقوى جديدة من جنوب الكوكب»، كما قيل في افتتاحية صحيفة «لوموند» في 19 أيار. ومن جديد تتعزّز مكانة منطقتنا كبؤرة للتوتر الدولي تختزل الصراعات والتجارب. وفي حين يمكن اعتبار مجموع الاتفاق والعقوبات انتصاراً نسبياً - موقتاً على الأقل - للحكومة الإيرانية، يبقى أن المؤكد أقلّ بكثير مما هو غير مؤكّد في الوقائع وخلفياتها.
قد يكون مفهوماً ما تريده البرازيل، وأقل منه ما تريده تركيا، وأقل من الاثنين ما تريده إيران. فالأولى تهدف إلى تعزيز شرعية مطلبها بالانضمام إلى الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن بتقديم عرضٍ لإمكاناتها في ممارسة المسؤولية الدولية، والثانية تريد معاقبة الأوروبيين على تلكؤهم في قبول دخولها إلى اتحادهم، والتغلغل بقوة إلى العالم العربي فالإسلامي، والثالثة تريد كسب الوقت وخلط الأوراق ريثما تتطور الأوضاع وتبرز معالم جديدة.
في المقابل، قدمت الولايات المتحدة استعراضاً لقدرتها على تخريج موافقة نواة المجتمع الدولي القوية - بما فيها روسيا والصين - على قرار لم يؤخره الاتفاق الثلاثي.
الرابحون أكثر من الخاسرين: روسيا والصين ربحتا الرضا الأميركي ونجت مصالحهما بالنفط والغاز والتبادل التجاري عموماً وببعض أنواع الأسلحة خصوصاً، وتركيا عززت مركزها الإقليمي وتجارتها مع إيران (11 مليار دولار في 2009)، وأصبح لها نفوذ قوي مستند إلى الشارع العربي، وبالخصوص بعد حملة أسطول الحرية. والولايات المتحدة مررت العقوبات، تمهيداً للجولة القادمة مع الحكومة الإيرانية، التي تبدأ عند الملف النووي وتنتهي عند الطموح الإيراني الذي تراه استراتيجياً، وأثبتت هيمنتها الدولية موقتاً على الأقل. وإيران تنفست الصعداء من خطر الحرب لأشهر قادمة، وطورت علاقاتها الإقليمية والدولية، ولم تخسر حكومتها الأيديولوجية شيئاً بالعقوبات والحصار لأنها تعيش على العزلة والتوتر. خسرت الحكومة الإسرائيلية المتطرفة فرصة للتصعيد، وبعض أصدقائها. وربح العرب «أصواتاً» إضافية مع قضيتهم المركزية، وزادت عزلة حكوماتهم التي انتزعت منها تركيا بعض راياتها، في حين وقفت البراغماتية العربية عاجزة أمام قوة وحنكة البراغماتية التركية والإيرانية.
ظهر محور ظاهري جديد في المنطقة، يعتمد على ثنائية إيران وتركيا، ويأخذ بالاعتبار القوة الإسرائيلية، ويبتعد عن السياسة الأميركية. وإيران وتركيا تعملان جدلياً، بالتوافق والتعارض، على «سدّ الفراغ» في الفضاء العربي لتحقيق مكاسب في مجالات متنوعة سياسية واقتصادية واستراتيجية. وهذا يذكّر بالثنائية العثمانية الصفوية سلباً وإيجاباً، وهي التي ظلت بقاياها حية حتى وقت قريب، مثلما تظهر في تقسيم العراقيين بين فارسي وعثماني.
واختفى بعض معالم الوجود العربي، الذي يتحول شيئاً فشيئاً وجوداً افتراضياً ضائعاً بين إنكاره من قبل دعاة التهليل للطليعة الإيرانية - التركية، وتعليقه على استقرار الحكومات من قبل المتجاهلين دوماً لمتطلبات المرحلة واستحقاقاتها، الذين ينتظرون الفرج من الخارج، وهم بما لديهم فرحون. فظهرت صور أردوغان وخامنئي في الشارع العربي، وبهتت صور العرب. وهما يستحقان ذلك، كما نستحقه.
من جهةٍ أخرى، ظهر بعض مواصفات مختلفة للخريطة الجيوبوليتيكية للشرق الأوسط، وإن كانت لا تزال باهتة وغير مستقرة. فبعد أن كانت مجرّد مربع يحتوي في زواياه على إسرائيل والخليج وتركيا وإيران، تحركت تركيا الآن باتّجاه إيران مادياً، وباتّجاه العرب على القارب الفلسطيني الذي يعني ابتعاداً نسبياً وغامضاً عن إسرائيل. وذلك لا يعني بعدُ أن هنالك «محوراً» ممانعاً وجديداً بين إيران وتركيا، كما يستعجل مواطنون ونخب عربية وإسلامية بالاستنتاج.
لا يمكن اعتبار أردوغان مرتاحاً في أوضاعه الداخلية، وهو يغامر بتحميل تاريخ تركيا الحديث، ودستورها وجيشها وميولها العلمانية الحادة، ما قد لا تحتمله. وإذا ظهر أن استخدامه الكرامة الوطنية ناجح مع الجيش موقتاً، فهو لن يكفيه طويلاً. في حين قد يؤدي توظيفه للوطنية الممزوجة بالإسلام إلى توتير التنافس السياسي الداخلي ودفعه إلى حدود الخطر.
كما أن حكومة طهران التي يقودها خامنئي وأحمدي نجاد تعرّضت لأزمة حادة منذ عام وهي مستمرة، بضغط الأطراف الإصلاحية، والحكومة تعمل على ترحيلها إلى الخارج، استناداً إلى الكرامة الوطنية والحق بالاستخدام السلمي المشروع للطاقة النووية السلمية، وبعثاً لمشاعر الوطنية والإسلام، ودغدغةً لها بشعار «الموت لإسرائيل».
إدارة أوباما تعاني من مشاكل داخلية لا تكفيها العقوبات الجديدة لتجاوزها، والكونغرس بمجلسيه لن يقتنع ويرضى إلا بفرض عقوبات إضافية. فحاجة الإدارة إلى التراجع عن التشدد السابق وتدعيم سياسات الحوار ليست سبباً كافياً لوضع المصالح القومية الأميركية جانباً، في فرض التراجع على إيران، بالمعنيين الاستراتيجي والمباشر. وإسرائيل تحت ضغط تركيبة حكومتها اليمينية المتطرفة، وتوترها العميق من الخطر النووي وغير النووي من جهة إيران، لا تستطيع في ظله إلا التفكير بطريقة عسكرية ومحاربة. وفي ظل هذه الحالة العصبية وقعت في الخطأ الكبير بالتصدي لقافلة المساعدات الإنسانية في عرض البحر، وإيقاع خسائر بشرية سوف تدفع ثمناً سياسياً مقابلها، بإضعاف دعمها الغربي على الأقل، ودفعها ربما إلى مغامراتٍ أكثر حماقة. مع أنه لا ينبغي تجاهل أن الدعم الغربي لها مسألة ثابتة، لأن «هلاكها هلاك للغرب» كما قال أثنار.
في مثل هذه الأيام من 1934 زار رضا شاه بهلوي تركيا بدعوةٍ من مصطفى كمال أتاتورك، وأعجب بالإصلاحات التركية وحركة التحديث فيها، ورأى فيها نموذجاً يمكن تطبيقه في بلاده. وإيران الحالية لن تأخذ الأمر على هذه الطريقة، ولا حكومة حزب العدالة بالطبع، لكن الإعجاب المتبادل الحالي مجرد مصالح عابرة حتى إشعار آخر. وهذا معقول، إلى هذا الحدّ أو ذاك، لتركيا بديموقراطيتها وتطورها التصاعدي، ومعقول كذلك لإيران بالمزاوجة القلقة ما بين ديموقراطيتها وولاية فقيهها. لكنه غير ممكن معظم الحكومات العربية لافتقادها متطلبات القوة والاستقلال، ولغياب اعتبار المصالح - العامة - في سياساتها الداخلية والخارجية. وفي مثل هذه الأوضاع، قد لا تتحمل البنى القائمة أية زلازل إضافية. وهذا كله لا ينفي ابتهاجنا بتزايد عزلة إسرائيل، وبالمواقف التركية، وبالدعم الدولي المتجدد للقضية الفلسطينية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.