نائب أمير الشرقية يثمن جهود فريق كفاءة الطاقة بالإمارة    أمير القصيم يكرّم أخصائيي الحوكمة والجودة في جمعية أبناء    الجامعات السعودية تنظم ملتقى خريجيها من البلقان.. الاثنين المقبل    أمير جازان يشهد توقيع اتفاقيات انضمام مدينة جيزان وثلاث محافظات لبرنامج المدن الصحية    الأمير محمد بن عبدالعزيز يتسلّم تقرير غرفة جازان السنوي 2024    وفد أعضاء لجنة الصداقة البرلمانية السعودية التركية بمجلس الشورى يلتقي رئيس البرلمان التركي    المملكة وإندونيسيا.. شراكة تاريخية تعززها ثمانية عقود من التعاون المشترك    توجيه من أمير الرياض.. نائب أمير المنطقة يرعى افتتاح ورشة عمل تحليل الوضع الراهن بإمارة المنطقة    الأمير ناصر بن محمد يستقبل رئيس غرفة جازان    "سكني": أكثر من 4.6 مليون مستخدم لمنصة سكني حتى النصف الأول من عام 2025    من أعلام جازان.. الأستاذ عبدالله بن عيسى إسماعيل الشاجري    نائب أمير نجران يطَّلع على أعمال شركة الاتصالات السعودية في المنطقة    دبي تستضيف النسخة السادسة من القمة الطبية لأمراض الدم لدول الشرق الأوسط وأفريقيا وروسيا    ارتفاع الأسهم الأوروبية    العراق يؤكد استعادة أكثر من 40 ألف قطعة أثرية مهرب    المملكة تختتم رئاستها للسنة الدولية للإبليات 2024م    ترامب يهدد بترحيل ماسك إلى جنوب إفريقيا    أمير تبوك يطلع على تقرير فرع وزارة النقل والخدمات اللوجستية بالمنطقة    بلدية المذنب تطلق مهرجان صيف المذنب 1447ه بفعاليات متنوعة في منتزه خرطم    أمير تبوك يدشن مبادرة جادة 30 ويرعى توقيع اتفاقيات تعاون بين عدد من الجهات والهيئات    أمين القصيم يوقع عقد تأمين مضخات كهربائية لمحطات ومعالجة السيول بمدينة بريدة بأكثر من 3 ملايين ريال    أمانة تبوك تكثف جهود صيانة الطرق والحدائق وشبكات التصرف خلال النصف الأول ل 2025    وزارة الداخلية تنهي كافة عمليات إجراءات مغادرة ضيوف الرحمن من الجمهورية الإسلامية الإيرانية    بدء صرف"منفعة" للأمهات العاملات    برنية: رفع العقوبات يمهد لفك الحصار.. واشنطن تدعم سوريا لإنهاء «العزلة»    أكد أن أبواب الدبلوماسية مفتوحة.. عراقجي: لا مفاوضات نووية قريبة    هيئة تقويم التعليم تعزز حضورها الدولي بمؤتمرات عالمية في 2025    اقتراب كويكب جديد من الأرض.. السبت المقبل    ترمب: فلسطين وإيران محور مباحثاتي مع نتنياهو.. جهود دولية لوقف إطلاق النار في غزة    تستضيف مؤتمر (يونيدو) في نوفمبر.. السعودية تعزز التنمية الصناعية عالمياً    ضمن السلسلة العالمية لصندوق الاستثمارات العامة.. نادي سينتوريون يحتضن بطولة PIF لجولف السيدات    انطلاق النسخة الثامنة لتأهيل الشباب للتواصل الحضاري.. تعزيز تطلعات السعودية لبناء جسور مع العالم والشعوب    تأهيل الطلاب السعوديين لأولمبياد المواصفات    الفيشاوي والنهار يتقاسمان بطولة «حين يكتب الحب»    مانشستر يونايتد مهتم بضم توني مهاجم الأهلي    صدقيني.. أنا وزوجتي منفصلان    نثق قي تأهل الأخضر للمونديال    حرصاً على استكمال الإجراءات النظامية.. ولي العهد يوجه بتمديد فترة دراسة تنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر    وفاة كل ساعة بسبب الوحدة حول العالم    الأمهات مصابيح من دونها قلوبنا تنطفئ    المملكة توزّع (900) سلة غذائية في محلية الخرطوم بالسودان    320 طالباً يشاركون في برنامج «موهبة الإثرائي» في الشرقية    المملكة تدعو إلى إيجاد واقع جديد تنعم فيه فلسطين بالسلام    موقف متزن يعيد ضبط البوصلة الأخلاقية الدولية!    المفتي يتسلم تقرير العلاقات العامة بالإفتاء    سعود بن بندر يلتقي العقيد المطيري    غونزالو غارسيا يقود ريال مدريد إلى ربع نهائي «مونديال الأندية»    القيادة تهنئ حاكم كندا ورؤساء الصومال ورواندا وبوروندي بذكرى بلادهم    "مسام" ينزع (1.493) لغمًا في الأراضي اليمنية خلال أسبوع    د. السفري: السمنة مرض مزمن يتطلب الوقاية والعلاج    أمير منطقة جازان يلتقي مشايخ وأهالي محافظة العارضة    رياضي / الهلال السعودي يتأهل إلى ربع نهائي كأس العالم للأندية بالفوز على مانشستر سيتي الإنجليزي (4 – 3)    أصداء    هنأت رئيس الكونغو الديمقراطية بذكرى استقلال بلاده.. القيادة تعزي أمير الكويت وولي عهده في وفاة فهد الصباح    العثمان.. الرحيل المر..!!    الأمير جلوي بن عبدالعزيز يطلع على استعدادات المنطقة خلال موسم الصيف    "الفيصل" يرأس الاجتماع الأول لمجلس إدارة الأولمبية والبارالمبية السعودية    «الشؤون النسائية بالمسجد النبوي» تُطلق فرصًا تطوعية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حكايات الواقع المصري بمزاج صوفي
نشر في الحياة يوم 09 - 04 - 2016

بدأ الروائي المصري سعيد نوح حياته الإبداعية شاعراً بالعامية المصرية عبر ديوان «نول الوجع» (1988)، غير أنّه سرعان ما هجر الشعر إلى القص، فكتب «أوراق العربة الجنوبية»، والمتتالية السردية «تمثال صغير لشكوكو». أمّا الرواية فكانت أرضه الإبداعية الأخصب، بحيث أثمرت كتابته فيها سبع روايات، أوّلها «كلما رأيت بنتاً حلوة أقول يا سُعَاد»، وآخرها «حكايات صغيرة للشيطان» (دار الراية). وبين هذه وتلك، «دائماً ما أدعو الموتى»، «61 شارع زين الدين»، «ملاك الفرصة الأخيرة»، «أحزان الشمَّاس»، «الكاتب والمهرج والملاك الذي هناك».
واللافت أنّ عناوين الروايات تدلّ القارئ إلى مزاج نوح المسيطر على رواياته، لكونها تجمع في معظمها الأحياء والأموات، الحقيقة والخيال، الواقع العيني والغيبي الميتافيزيقي. شخصيات سعيد نوح أرضية مطحونة في حياة يومية تعصر البشر، ومحلّقة في عالم متخيل يتسع للموتى والأحياء، للمعذبين والجلادين، ويحضر فيه الماضي حضوراً أبدياً، ويذوب فيه الحاضر في مستقبل غائب غياباً أبدياً. ويُعدّ الوعي بالغياب الأبدي للمستقبل والحضور الأزلي للماضي محفّز سردي لسعيد نوح كي يربط بين حوادث يومية، وقضايا وجودية الخلق في «حكايات صغيرة للشيطان».
تبدأ هذه الرواية بداية غير مألوفة، إذ يستهلها الكاتب بمقدمة يربط فيها بين الكتابة والتصوف من حيث إن الاحتكام إلى التجربة هو المحك ومعيار التقييم في الوقت نفسه في هذين العالمين المتداخلين؛ عالم الكاتب وعالم المتصوف، «فالمتصوف هو ذاك الذي لا يُطفئ نورُ معرفته نورَ ورعه (...) هكذا يكون الكاتب» (ص5).
هل سنقرأ رواية معرفية عن الصراع بين المعرفة والورع؟ وهل يتسع مفهوم الرواية عند سعيد نوح ليقدم تلك الإشكاليات في قالب روائي؟ وما القالب الروائي المناسب لمثل تلك الأسئلة؟ أسئلة كثيرة لن يمهلنا سعيد نوح أن نتوقع أجوبتها في مقدمته حتى يفاجئ القارئ بتصوره لمهمة الروائيين؛ ذلك التصور الذي يجعل من الرواية وسيلة للنوم بيسر وسهولة على مرّ التاريخ، وكأنّ النوم صار عصياً علينا وصارت الرواية منوِّماً فعالاً! «فأفضل الروائيين فقط هم من جعلونا ننام بسهولة ويسر على مر التاريخ» (ص5).
في هذه الرواية نحن أمام تجريب روائي يحاول فيه سعيد نوح أن يمتح من المعجم الصوفي المتسامي على القالب الروائي المألوف للروايات الواقعية ليعيد كتابة قصة الوجود بوعي المسائل للواقع والمستند في مساءلته إلى إيمان صوفي بالإنسانية المهدورة تحت عجلات قطار الحداثة. إن المساءلة الروائية لعالم الميتافيزيقا ولواقع محسوب على الحداثة، لن تجعل من سعيد نوح واحداً من أفضل الروائين وفق مقدمته؛ لأنه لن يجعل النوم يسيراً، بل سيجعل من روايته رواية مأساوية تطهّر بكتابتها من ألم العيش في واقع عبثي جعله يفقد عقله حين شاهد على شاشة التلفاز أمَّا دهس القطار أولادها الأربعة في حادث مريع سحق فيه القطار 57 طفلاً مصرياً، بينما تسأل المذيعة هذه الأم: ما إحساسك بعد فقد أولادك تحت عجلات القطار؟.
تتمّ هذه المساءلة الروائية بروح المتصوف ووعي الكاتب ذي النزعة الإنسانية ثمّ تتجلّى في البناء الروائي؛ فتحقق ما يمكن أن نسميه العدالة الإنسانية بين الأصوات الروائية. فهل التناغم والانسجام في ما بينها قيمة جمالية مطلقة أم أنها قيمة جمالية حداثية ممتعة جمالياً لقارئ يستمتع بالنوم التاريخي الميسر بفضل أفضل الروائيين؟. «لا بد من وجود الحكايات كي نرى الجميل قبيحاً والقبيح جميلاً» (ص69).
يُرسّخ سعيد نوح إحدى سمات الحكي الشفوي التقليدي وهي مخاطبة المستمع/ القارئ في شكل مباشر، «اعلم - أيَّدك الله بروح منه - أن الله جعل الليل لأهله، مثل الغيب لنفسه» (ص51).
وترتبط بتلك السمة، سمةٌ أخرى، هي كشف الكاتب/ الراوي، عن انتقالاته بين الحكايات أمام المستمع - القارئ والتصريح بذلك بما يظهر أن الرابط بين الحكايات ليس سوى ترتيب ورودها إلى ذهن الراوي، وهذه السمة من سمات بدايات النوع الروائي، ولا يمكن الزعم بأنها أكثر الطرق قدرة على تحقيق الانسجام بين الحكايات ولا أكثرها قدرة على إقناع القارئ بصدق الحكي المبرر بالاستناد إلى أسس عقلانية سببية تعلو فيه قيمة الموضوعية كقيمة تعويضية عن قيمة التواصل الحي كقيمة مفتقدة. «تلك النعجة لها حكاية عجيبة، لو ذكَّرتني في ما بعد سأقصها عليك» (ص92).
لم يكتف نوح بهاتين السمتين، مخاطبة القارئ ومصارحته بطرق الانتقال بين الحكايات بعبارات مباشرة، لينفي عن نفسه أي رغبة في إيهام القارئ بصدق العالم الموازي الذي يقدمه روائياً بغية تنويم قارئه كأفضل الروائيين، بل يكسر الإيهام تماماً على طريقة بريخت المسرحية فيعلن عن تدخله ككاتب لينقل من الواقع اليومي حكاية دهس القطار للأطفال. «مازالت الجملة ترنُّ في أذني. ولهذا ولأشياء أخرى سوف أتدخل ككاتب وأسمعكم حكاية أربعة أطفال آخرين» (ص37).
اختار نوح هذه الطريقة الأقرب إلى العفوية في الحكي المرتبط بالشفوية، لا لينسج رواية منسجمة داخلياً وإنما لتنسجم تقنيات الرواية مع وعي نوح بأزمة أن نعيش الماضي ويحضر حضوراً أبدياً في واقعنا، فيما يكون الحاضر ذائباً في مستقبل غائب غياباً أبدياً. إنها كتابة متسقة مع ملامح ذات متسائلة عن جدوى أن يكون ثمن تعمير الكون خراب النفوس.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.