نائب أمير المنطقة الشرقية يستقبل رئيس وأعضاء مجلس إدارة جمعية مبرة دار الخير    غداً .. "كبدك" تُطلق برنامج الطبيب الزائر «عيادة ترحال» ومعرضًا توعويًا شاملًا في عرعر    ولي العهد يهنئ فيليب جوزيف بيير بمناسبة أدائه اليمين الدستورية رئيسًا لوزراء سانت لوسيا    أمير الشرقية يستقبل رئيس وأعضاء مجلس إدارة جمعية مبرة دار الخير ويطّلع على برامجها التنموية    أمانة المدينة ترفع كفاءة شبكات تصريف المياه    شفيعًا تشارك في فعاليات جمعية أصدقاء ذوي الإعاقة لليوم العالمي لذوي الإعاقة بجامعة الفيصل    طيران الرياض وهواوي توقّعان مذكرة تفاهم لتعزيز القدرات الرقمية وتقديم تعريف مبتكر لمستقبل السفر الجوي    المحسن يكتب.. "النشامى" طريقنا للكاس، والخسارة قدامهم "بِدناش"!    لقاء تاريخي حافل لأبناء عنيزة القاطنين بمكة المكرمة    دور إدارة المنح في الأوقاف    التضخم في المملكة يتراجع إلى 1.9% في نوفمبر مسجّلًا أدنى مستوى في 9 أشهر    كايا كالاس: محادثات قرض التعويضات لأوكرانيا "تزداد صعوبة"    وفد أعضاء مجلس الشورى يطّلع على أدوار الهيئة الملكية لمدينة مكة المكرمة    مرضى السكري أكثر عرضة للإصابة بالحزام الناري، ما الأسباب وطرق الوقاية لمن هم فوق الخمسين عاما    كيف ينعكس الجهاز العصبي غير المنتظم على أدائك المهني والقيادي؟    الفنار للمشاريع تفوز بجائزة المشروع الصناعي للعام ضمن جوائز ميد للمشاريع    إسقاط 130 طائرة مسيرة أوكرانية فوق عدة مقاطعات    قبيلة الجعافرة تكرّم الدكتور سعود يحيى حمد جعفري في حفل علمي وثقافي مهيب    ثلاث جولات في مختلف مناطق المملكة ، وبمشاركة أبطال السباقات الصحراوية    طلاب ابتدائية مصعب بن عمير يواصلون رحلتهم التعليمية عن بُعد بكل جدّ    ارتفاع أسعار النفط    المنتخب السعودي تحت 23 عامًا يتأهل إلى نهائي كأس الخليج لكرة القدم    مواجهات مع مستوطنين مسلحين.. اقتحامات إسرائيلية متواصلة في الضفة الغربية    بحثا تطورات الأوضاع الإقليمية والدولية.. ولي العهد ووزير خارجية الصين يستعرضان العلاقات الثنائية    السعودية تدين الهجوم الإرهابي.. دمشق توقف 11 عنصراً للتحقيق في هجوم تدمر    رابطة العالم الإسلامي تدين الهجوم الإرهابي بمدينة سيدني الأسترالية    دعت جميع الشركاء في المنظومة لتفعيل البرنامج.. «الموارد»: 5 مجالات لتعزيز التنمية الشبابة    صينية تعالج قلقها بجمع بقايا طعام الأعراس    «الحياة الفطرية» تطلق مبادرة تصحيح أوضاع الكائنات    "أمِّ القُرى" تعقد لقاءً تعريفيًّا مع التَّقويم والاعتماد الأكاديمي    حائل: تعزيز الشراكة بين "الأمانة" و"الجامعة"    جولات لصيانة المساجد بالجوف    الخريجي: الحوار البناء أداة تفاهم بين الشعوب    القراءة الورقية.. الحنين إلى العمق والرزانة    لغتنا الجديدة    أطلقها الأمير فيصل بن مشعل.. مبادرة لتعزيز الأعمال والتقنية بالقصيم    ديبورتيفو الكوستاريكي يتوّج ببطولة مهد الدولية للقارات لكرة القدم    نجوم القارة السمراء يستعدون لترك أنديتهم.. «صلاح وحكيمي وأوسيمين» تحت المجهر في كأس أمم أفريقيا    أمير نجران يُشيد بإنجازات "الصحة" في جوائز تجربة العميل    دراسة: دواء جديد يتفوق على «أوزمبيك» و«ويغوفي»    في ورشة عمل ب"كتاب جدة" خطوات لتحفيز الطفل على الكتابة    10.86% نمو قروض الأمن الغذائي    الأحمدي يكتب.. وابتسمت الجماهير الوحداوية    أمانة الرياض تطلق فعالية «بسطة» في حديقة الشهداء بحي غرناطة    الذكاء الاصطناعي يخفض استهلاك أرامكو للطاقة 15%    الراجحي يدشن صالونه الأدبي الموسمي ويحتفي بضيوفه بمنتجعه بالرياض    ‫رينارد: علينا التركيز والحذر    ولي العهد يتلقى رسالة خطية من رئيس الصين    الغامدي يزور جمعية عنيزة للخدمات الإنسانية    اختتام المؤتمر الدولي لخالد التخصصي للعيون ومركز الأبحاث    استعدادت لانطلاق النسخة الأولى من المؤتمر الدولي للأوقاف    نمو أعداد الممارسين الصحيين إلى 800 ألف    أمير منطقة جازان يستقبل سفير إثيوبيا لدى المملكة    لا تكن ضعيفا    الغرور العدو المتخفي    بدء المرحلة الثانية من مبادرة تصحيح أوضاع الكائنات الفطرية بالمملكة    السعودية تدين هجوما إرهابيا استهدف قوات أمن سورية وأمريكية قرب تدمر    تنظمها وزارة الشؤون الإسلامية.. دورات متخصصة لتأهيل الدعاة والأئمة ب 3 دول    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



منحوتات هنري مور تستعيد وهجها القديم
نشر في الحياة يوم 12 - 05 - 2010

كان أشهر نحاتي العالم بعد الحرب العالمية الثانية، وارتبط اسمه بإعادة بناء المدن البريطانية التي تعايشت منحوتاته الضخمة مع خضرة حدائقها. لكن هنري مور مات خائباً في 1986 بعد أن فقد احترام النقاد وتعرّضت أعماله للتخريب. غاليري «تيت بريطانيا» شاءت أن تصقل وهجه القديم في المعرض الذي تقيمه ويستمر حتى 8 آب (أغسطس) لكنها لم تفلح تماماً في مسعاها. تناول نقاد إيجابيات إرثه وسلبياته في حين أصر آخرون على أن تقويمه في الماضي تجاوز قيمته، ورأوا منحوتاته بشعة.
استعانت «تيت بريطانيا» باشتراك مور في القتال في الحرب العالمية الأولى لتضفي قتاماً وتعقيداً نفسياً.
يزيد جاذبية الأعمال الفنية وقيمتها. قتل ثلاثة أرباع الجنود في فرقته، وتسمّم بالغاز في معركة كامبراي في فرنسا. أيّد الجمهوريين في الحرب الأهلية الإسبانية، لكن وزارة الخارجية في بلاده منعته من السفر الى إسبانيا. هجس فنه في تلك الفترة بالسجن والقتال، فنحت الخوذة على شكل قضبان، واستخدم الخيوط المتوازية مع الخشب. في الحرب العالمية الثانية رسم مواطنيه الذين لجأوا الى أنفاق محطات القطارات هرباً من الغارات الألمانية، فاشترت لجنة فناني الحرب الرسوم التي أضاءت صمود الإنكليز وهشاشة الوضع البشري في آن، وطلبت المزيد منها.
علّقت على جدران الغاليري الوطنية وتحولت رمزاً للمقاومة على رغم أن الرجال والنساء المستلقين على جانبي النفق فيها بدوا أشبه بالأكفان المعدّة لمقبرة جماعية. أبقى مور على العاطفة في الرسوم التي منحته شهرة عالمية، والتي لا تزال تخاطب الوعي البريطاني الموجع.
قال انه استوحاها مما رآه أثناء عودته وزوجته في القطار الى بيته، شمال لندن، في اليوم الرابع للغارات في 11 أيلول (سبتمبر) 1940. شاهد آلاف العائلات تلتف بالأغطية في الأنفاق الضيقة الباردة، وأمهات يحتضن أطفالهن حانيات الرؤوس. اكتشفت «تيت بريطانيا» مصدراً آخر عندما كلّفت البروفسور ديفيد آلان ميلور، أستاذ تاريخ الفن في جامعة ساسيكس والخبير في التصوير الفوتوغرافي في القرن العشرين، كتابة مقال عن المعرض. نقل مور بعض الرسوم بتفاصيلها عن صور نشرتها مجلة «بكتشر بوست» بعد شهر على الغارات، وبدا التوافق تاماً بين الصور والرسوم التي نشرتها «صنداي تلغراف» في 21 شباط (فبراير) الماضي. رأت الغاليري في النقل برهاناً آخر على راديكالية مور وصلته المتينة بعالمه، وبرّرت تجاهله الصور باعتقاده ربما انها مصدر وضيع للفن.
انتقيت المعروضات من نحو 11 ألف عمل أكّدت غزارة مور والتكرار في منحوتاته. استلهم في بدايته في عشرينات القرن العشرين الفن الأفريقي والبيروفي، وامتدح «حيوية الفن البدائي الفائقة (و) واستجابته المباشرة والآنية للحياة». خالف الفن الكلاسيكي الذي يحاكي الحياة بجعل الوجه قناعاً وأطبق إحدى اليدين على الأخرى دلالة على التكتم وحماية الذات. وجد بعد عنف الحرب ملاذاً في الفن الأفريقي ولخّصه بالدين والجنس، ونحت «أفعى» ملتفة على نفسها بصراحة جنسية بالغة. اختار ل «شكل» من 1923 قناعاً أفريقياً يشبه وجه البطلة في فيلم «أفاتار» وترك الشعر خشناً في إشارة مزدوجة، إثنية وفنية، لمعارضة السطح الأملس للمنحوتة. اتسم عمله منذ البداية بالكتلة الضخمة الصلبة، سواء كان شكلاً أو تعبيراً تجريدياً، وذكّرت نساؤه الخرقاوات بسابحات سيزان المفتقرات الى الأنوثة.
شكّلت العذراء وطفلها فصلاً رئيساً في الفن الغربي، ولئن تبع مور التقليد شكلاً خرج عنه مضموناً. لا حنان أو رعاية في منحوتات الأم والطفل بل تركيز على نفعية الطفل البشعة في علاقته بها. يؤكّد كبر حجمها القوة والصلابة والدعم، كما في سائر أعماله، لكن تجنبها النظر الى طفلها يشير الى مسافة عاطفية بينهما. لفتته المقاربة غير العاطفية للموضوع في أميركا، عزّزه ربما وضعه الشخصي. رزق طفلته ماري بعد ستة عشر عاماً من الزواج عندما اقترب من الخمسين، وكان أصغر أولاد الأسرة السبعة. أصيبت والدته بالروماتزم في ظهرها، وانتظرت عودته من المدرسة لكي يدلّك ظهرها. اطّلع على التحليل النفسي وقال انه كان يفكر بظهر والدته في لا وعيه عندما حقّق سلسلة الطفل والأم. في «طفل يرضع» من 1930 يلخّص الأم بثديين ينقضّ الطفل على أحدهما بفم كبير وهيئة عدائية. لا تتغيّر مقاربته بعد إنجابه، ففي 1953 ينحت أماً وطفلها بزوايا حادة، وإذ تبدو الأم كأنها تخنقه يستعد هو للهجوم على وجبته كأنه يعلن الحرب.
تحوّل في الثلاثينات نحو التجريد والإيحاء والخطوط الهندسية، وتحرر مع السوريالية واللاوعي اللذين وسّعا مساحة العمل الفني. استخدم مواد طبيعية كالحصى والعظام، ولئن منحت الأخيرة عمله بعداً عدمياً، كثرت الزوايا الحادة وانغلقت المنحوتة على نفسها مع بروز الفراغ فيها. في «شكل مستلق» من 1934 ينفصل العمل الى دائرة غير مكتملة تشبه الزر وشبه رجلين وطابة. في «شكلان» من العام نفسه يحيط شكل أجوف يشبه الخوذة فوق آخر متطاول كأنه يبحث عن احتوائه والاكتمال به. خرج في آخر الثلاثينات الى الطبيعة وحقق المنحوتات الضخمة الهندسية، وبرزت الأشكال الطويلة التي حفر عليها دوائر وخطوطاً. عزّزت كتلتها الضخمة الحس بالصلابة والطمأنينة، واخترقها الفراغ المألوف الذي ثبت معه أسلوبه.
أهمل النحت خلال الحرب العالمية الثانية، وأنجز الى رسوم الملجأ رسمات أخرى من تحت الأرض. عمل والده مهندس منجم فرسم عماله في الفسحات الضيقة التي حوصروا فيها كحشرات ضخمة، لكنه أبرز جهدهم وأجسادهم القوية، واعتمد الخطوط الكثيرة التي ظهروا معها مثل أبطال الرسوم. ينتهي المعرض في الخمسينات حين كان أشهر نحاتي عصره، وحقق فيه سلسلة الأسرة من والدين يلاعبان طفلاً. مع ذلك ألحّت الخوذة على مخيلته، ونحت القنبلة الذرية و «الرجل الذي يقع» فنقل مخاوفه على مستقبل البشرية في ظل الحرب الباردة.
شوّه الشكل على طريقة بيكاسو فنحت المرأة بوجه حيواني ويد واحدة ونقل أحد ثدييها الى بطنها، أو جعلها ظهراً ومقعداً مثل كرسي له رأس يشبه الفأس. رأس حيواني آخر في «محارب مع درع» ورجل مقطوعة وصدر مشوّه يترك لدى الناظر حساً غامراً بالقتام والمأساة. وجد سلوى في خشب الدردار الذي أوحى الطبيعة والنمو والولادة المتجددة والجنس، وشق أقسام المنحوتة بالفراغ المألوف. باتت أعماله تميّز منذ الوهلة الأولى بضخامتها وعدم انسجامها وفراغها وغياب ملامحها. بدأ نقد نصبية أعماله وحس الديمومة والأمان فيها، وهوجمت «غرائبه البرونزية». قطعت رؤوس منحوتات له في بريطانيا وأميركا، ولطّخت بالدهان الأزرق وضربت بالسلاسل المعدنية. بقي على انهماكه وتجديده في العقدين الأخيرين من حياته، وأكّد ريادته باعتماد مواد رخيصة، وهشة هذه المرة، كالشمع والجص والبوليسترين. لم يهتم بالجهد الجسدي بل بالعثور على فكرة وتحقيقها، وامتنع عن القراءة في القطار خشية أن تفوته المرئيات ووحيها المحتمل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.