أنجز فريق المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا، بالتعاون مع فريق عمل الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، «ورقة إطار» حول خيارات وقف لإطلاق النار في سورية وآليات مراقبته، ستكون بنداً أساسياً في مفاوضات جنيف، بعدما ناقشها خلال الأسابيع الأخيرة مع ممثلي النظام والمعارضة والعواصم المعنية، وفق ديبلوماسيين مواكبين لحركة المبعوث الخاص. وتشكّل هذه الورقة، المفتوحة للبحث، واحداً من أربعة مجالات رئيسية للحل، هي: العملية السياسية (الحكم، عملية صياغة دستور جديد وإجراء انتخابات)، وقف إطلاق النار، وصول المساعدات الإنسانية على الصعيد الوطني ومكافحة الإرهاب. وتتدرج «خيارات» وقف إطلاق النار بموجب «الورقة الإطار» من اتفاقات على نطاق محلّي على وقف إطلاق النار في مناطق محددة، الى اتفاق وطني يشمل كل النزاع في سورية (باستثناء محاربة تنظيمي «داعش» و «جبهة النصرة»)، مع إمكان الانتقال من الخيار الأول الى الثاني تدريجياً. وتؤكد الورقة أن أي مراقبة دولية لوقف النار «لن تكرر تجربة مراقبي العام 2012، وستكون ذات طبيعة مدنية بمشاركة مراقبين ذوي خبرات عسكرية سابقة، بينهم مراقبون عرب من دول مقبولة من أطراف النزاع». ويعطي فريق دي ميستورا «المجموعة الدولية لدعم سورية» دوراً محورياً في التوصل الى اتفاقات وقف النار وتطبيقها ومحاسبة منتهكيها، ويمكن أن يستدعي نشر مراقبين دوليين مشاركة الدول الأعضاء في هذه المجموعة، بإرسال مراقبين أو تدريبهم أو إيجاد آليات للتنسيق اللوجستي وحل الخلافات بين الأطراف في النزاع. كما ستتطلّب هذه الآلية قراراً من مجلس الأمن. وبموجب مسودة «ورقة الإطار»، قال فريق دي ميستورا أن «عملية» وقف النار يجب أن تحظى «بالقبول الواسع، وأن يكون موثوقاً ودائماً ويخضع للمراقبة». واعتبر أن وقف النار يجب أن يتم «بناء على ظروف مستدامة تنشأ في المناطق المناسبة، ويضع أساساً لسلام مستدام وطويل الأجل، ولإصلاح سياسي وتعافٍٍ اقتصادي». ووفق الورقة التي اطلعت «الحياة» على مسودتها، فإن تطبيق وقف النار يتطلب «آليات تنسيق فعالة لتسهيل الدعم الدولي وتمكينه من خلال المجموعة الدولية لدعم سورية»، وأن يكون وقف إطلاق النار «مقبولاً على نطاق واسع بما يعيد الثقة بين أطراف اتفاق وقف النار والأطراف الأساسيين في النزاع». كما حُددت متطلبات أخرى تتضمن «مراقبة من خلال قنوات موثوقة ومتّفق عليها، وآلية لتسوية النزاعات والخلافات، ومبادرات محلية لوقف النار مرتبطة ومتزامنة ضمن إطار أكبر على المستوى الوطني والدولي، وتنسيق عملية وقف النار مع نشاطات أخرى مرتبطة بمسار فيينا». وسيفعّل هذا التصور دور «المجموعة الدولية» لجهة المشاركة في «إنشاء وقف إطلاق النار والتقدم نحو تطبيقه»، وهذا «سيتطلّب إحداث انتقال في عمل مجموعة الدعم الدولية ودورها من راع الى ضامن للاتفاقات المعنية بوقف النار، وهو ما يحتاج إيجاد آلية تنسيق بين الدول الأساسية فيها، مع الحكومة السورية والمجموعات المعارضة». كما سيكون على «المجموعة الدولية» أن «تنشئ آلية عملانية لتلقّي التقارير وتوجيه الرسائل، وعند الحاجة، تهدئة الأطراف المسلّحين ومحاسبتهم»، وهو ما «سيتطلب تشكيل مجموعة مصغرة ضمن مجموعة الدعم، مهمتها دعم هذه العناصر والعمل عن قرب مع مكتب المبعوث الخاص» لمتابعة التطبيق. خياران للمراقبة تنطلق الورقة الإطارية من مبدأ أن «السياق السياسي المحلّي والدولي، والبيئة العملانية في سورية الآن، يؤكدان أن نشر قوات حفظ سلام بجنود دوليين أو مراقبين عسكريين، سيكون إطاراً غير مناسب لمراقبة وقف النار». وتعتبر أنه بناء على «دروس العام 2012 ونشر المراقبين في سورية آنذاك، فإن عملهم لم يكن وسيلة مناسبة» للتوصل الى وقف النار والحفاظ عليه. وهو ما يجعل نشر مراقبين عسكريين خياراً محتملاً في «مرحلة لاحقة» فقط بعد التوصل الفعلي الى، والتحقق من، تطبيق وقف النار. وتطرح الورقة خيارين لمراقبة وقف النار يتدرجان من «مراقبة على المستوى المحلي» يتولاها أطراف النزاع أنفسهم، الى «مراقبة دولية» جزئية أو كلية، بمراقبين دوليين. وبموجب النموذج الأول، «يتم التوصل الى اتفاقات لوقف النار على المستوى المحلي» في مناطق معينة في سورية «بوجود مراقبين محليين» يتولون «نقل المعلومات عن تطبيق وقف النار الى مكتب المبعوث الخاص أو هيئة معينة أخرى يتم الاتفاق عليها». ويقضي تطبيق هذا النموذج بأن «يبلغ المراقبون المحليون (أطراف النزاع) مكتب المبعوث الخاص بأي خروقات، وهو يطرحها على الطرف المضاد، أو مع الطرف الوطني (داخل سورية) أو الدولي في الاتفاق، المعني بالوضع المحدّد، للتوصل الى حل». وتعتبر الورقة أن هذا النموذج «سيكون على الأرجح نقطة البداية، وهو سيتطلب جهوداً سياسية لتشجيع الانتقال نحو مقاربة يعمل فيها الأطراف معاً على مراقبة وقف النار وتقديم التقارير في شأنه بناء على ملاحظات يتوصلون الى الاتفاق عليها»، وأن هذه الآلية «إنما تعزز آليات حل النزاعات محلياً». ويتولى مكتب المبعوث الخاص، في حال تطبيق هذا النموذج، «تأمين الدعم التقني واللوجستي والتدريب للمراقبين المحليين، ونقل المعلومات بين الأطراف وتحليلها ونقلها الى مجموعة الدعم الدولية لسورية، وحل الخلافات بين الأطراف التي تشترك في قتال تنظيم داعش، وإعداد الخطط لتطوير انخراط الأممالمتحدة ميدانياً». «مراقبة دوليّة مدعومة بتطبيقات محلية» ويتضمن هذا النموذج «دعماً دولياً لمبادرات وقف النار المحلية بدعم من مكتب المبعوث الخاص. وهذا يعتمد على الوضع الأمني ميدانياً وإمكان تعزيز إجراءات بناء الثقة بما يكفل نشر مراقبين دوليين، مع آليات لحل النزاعات على المستويات المحلية». وتشير الورقة الى أن «انتشار المراقبين الدوليين في سورية سيكون صعباً في المراحل الأولية ويمكن تعزيزه تدريجياً». وعلى رغم تضمّن هذا النموذج نشر مراقبين دوليين، فإنهم لن يكونوا بعثة عسكرية بل «هم مراقبون مدنيون مع قدرة تحرك سريع، وإمكان تقديم تقارير الى مكتب المبعوث الخاص»، مع تأكيد أهمية أن تكون للمراقبين «خبرة سابقة وخلفية عسكرية وقدرة على التواصل باللغة العربية». وتؤكد الورقة ضرورة الحصول على «ضمانات ذات مصداقية من مجموعة الدعم الدولية لسورية وأطراف النزاع» قبل نشر أي مراقبين دوليين، «خصوصاً أنه يجب الأخذ في الاعتبار أنهم معرضون لأخطار» الهجمات والإصابة. وهو ما يتطلب «آليات فعالة لتطبيق المحاسبة، ولحل الخلافات على المستويات المحلية». ووضعت الورقة خيار نشر مراقبين دوليين تحت نموذجين: أولهما، «نشر مراقبين دوليين مستقلين» يكونون مرتبطين بآلية مراقبة مع مكتب المبعوث الخاص واحتمال اتصال مع مجموعة الدعم الدولية لسورية، أو المنظمات الدولية». وبموجب هذه الآلية، «يتولى المراقبون الدوليون المستقلون بأنفسهم مراقبة حالات وقف النار المحلية». النموذج الثاني، «تقديم الدعم التقني ومراقبة مركزية»، أي دعم المراقبين المحليين بالخبرات والتقنيات الدولية، وهو ما يمكن تسميته «مراقبة مراقبي وقف النار». ويمكن تطبيق هذه الآلية من «مواقع مركزية»، أي خارج ميدان العمليات القتالية. واعتبرت أن الخيارات البديلة للمراقبين الدوليين يمكن أن تكون على غرار نماذج مطبقة في السودان (النوبة) وأوكرانيا وسريلانكا، «حيث تتولى مجموعة تنسيق دولية تأمين المراقبين ومواردهم ومعداتهم». وتشدّد الورقة على ضرورة مشاركة مراقبين عرب في أي سيناريو لمراقبة دولية من «دول مقبولة من أطراف النزاع».