أخذ الاهتمام بالاستحقاق الرئاسي اللبناني يشغل المواقف الخارجية من الوضع اللبناني، بموازاة تركيز الجهود الداخلية على محاولة إطفاء الحرائق الأمنية المتنقلة على الحدود مع سورية، خصوصاً في مدينة طرابلس، التي شهدت أمس هدوءاً نسبياً خرقته أعمال قنص تسببت بسقوط جريح بعد اجتماع ليلي لنواب المدينة وفاعلياتها ركّز على ممارسة الضغط من قبل بعض المشايخ على قادة محاور باب التبانة ليلتزموا وقف النار، مقابل تولي الجيش اللبناني الضغط على الحزب العربي الديموقراطي في جبل محسن كي يمتنع المسلحون فيه عن إطلاق النار وممارسة القنص. وليلاً قامت وحدات الجيش بمداهمات في منطقة جبل محسن بحثاً عن مطلقي النار. (للمزيد) ويترقب الوسط السياسي الموقف النهائي ل «حزب الله» من دعوة رئيس الجمهورية ميشال سليمان هيئة الحوار الوطني الى الاجتماع في 31 الجاري، بعد تسريبات إعلامية بأن الحزب مستاء من تصريحات قبل يومين للرئيس سليمان بأن قتال الحزب في سورية كسر ضلع المقاومة (في معادلة الجيش والشعب والمقاومة). وقال وزير الدولة محمد فنيش وهو أحد وزيري الحزب في الحكومة، إن قيادته لم تتخذ قرارها بعد في هذا الشأن. وفي وقت اقتربت بداية المهلة الدستورية لانتخاب الرئيس الجديد بعد غد الثلثاء، فإن هذا الاستحقاق أخذ يشحن همة التحركات الخارجية نحو لبنان، وأبرزها أمس استكمال وزير خارجية مصر نبيل فهمي مروحة لقاءاته السياسية والرسمية التي تناولت هذا الموضوع في سياق محادثاته مع أطياف المشهد السياسي اللبناني حول الرسالة التي قال إنه جاء لإبلاغها بأن مصر ستعود الى لعب دورها الإقليمي، من البوابة اللبنانية، وأن زيارته بيروت هدفها أيضاً دعم قيام الدولة وعرض رؤية والتحاور مع التيارات اللبنانية المختلفة. وإذ تميزت لقاءات فهمي قبل أن يغادر الى الكويت للمشاركة في الوفد المصري الى القمة العربية، باجتماعه مع القيادي في «حزب الله» وزير الصناعة حسين الحاج حسن، فإن تحركاً ديبلوماسياً آخر شهده لبنان أمس بالزيارات المتعددة التي قام بها السفير الأميركي في بيروت ديفيد هيل، الذي اجتمع الى رئيسي المجلس النيابي نبيه بري والحكومة تمام سلام وعدد من القيادات السياسية، ليعلن أن اتصال الرئيس باراك أوباما أول من أمس تناول استحقاقي الانتخابات الرئاسية والانتخابات النيابية. وقال هيل: «دور الولاياتالمتحدة ليس في الاختيار (بين المرشحين) ولكن في المساعدة مع المجتمع الدولي لتمكين اللبنانيين من أن تكون لهم فرصة في هذا الاختيار بعيداً من التدخل الخارجي». وعلمت «الحياة» أن هيل استطلع بري وسلام والقادة السياسيين الذين اجتمع معهم أمس، مرحلة ما بعد نيل الحكومة الثقة، وقالت مصادر بعض من التقاهم إنه أكد على تحبيذ بلاده إجراء الانتخابات الرئاسية وتثبيت الاستقرار اللبناني وعدم تشجيعها تعديل الدستور في الاستحقاق الرئاسي (من أجل فرضية التمديد لرئيس الجمهورية أو انتخاب أحد موظفي الفئة الأولى لإزالة شرط استقالتهم قبل 6 أشهر من موعد الانتخاب). أما الوزير فهمي، فقال خلال لقاء صحافي بعد ظهر أمس عما دار بينه وبين القيادات اللبنانية التي التقاها، إنه سمع منهم الكثير من الجاذبية والترحيب الكبير بعودة مصر للعب دور في المنطقة، وإنهم اعتبروا أن هذا مفيد للبنان، وأن المطلوب أن تملأ الفراغ في ظل المشاكل التي تحيط بلبنان والأزمة السورية. وحين قال رداً على سؤال إنه استمع الى شروحات عن الاستحقاق الرئاسي وهذا يؤيد فلان وذاك يدعم غيره، فسُئل: هل رشحوا أمامك أسماء؟ أجاب: «لا، أنا لا أنتخب». وأوضح فهمي أنه شعر بالقلق الموجود في لبنان جراء تداعيات ما يجري في سورية... وأشار الى أن الرئيس عدلي منصور يلح عليه ليزور لبنان منذ 3 أشهر «وأن أخوض حوارات فكرية، وللأسف كنت مشغولاً، ولم آت صدفة، بل برسالة واضحة هي دعم الاستقرار والحفاظ على الدولة الحضارية وأطرح رؤية، وهذا يحتاج الى مشروع وهو لا ينتهي بيوم أو يومين». وفي مجال آخر، قال فهمي في دردشة مع الصحافيين الذين التقاهم، وبينهم «الحياة»، إن «مصر ستلعب دوراً بقدر الإمكان وتسعى لإنجاز ما في شكل تراكمي ولم أتقدم بوعود لأحد. نحن ملتزمون أن نقوم بدور والنجاح سيتأثر بتطبيق سياستنا». وشرح فهمي خلفيات التحرك الذي يقوم به انطلاقاً في زيارة لبنان بالقول: «الظرف المصري يشغلنا لكنه بحد ذاته دافع لتنشيط دورنا الإقليمي للاعتبارات الآتية: 1 – طموحات المصريين التي لا يمكن تحقيقها إلا إذا كان الوضع المحيط بنا مختلفاً عما هو عليه من اضطراب جنوباً وشرقاً، وهذا لا ينشئ مناخاً يشجع المستثمر الأجنبي كي يأتي الى مصر في وقت نحتاج لنمو اقتصادنا 10 في المئة كل سنة. 2 – صحيح أن طموح المصريين تحسين وضعهم المعيشي لكنهم يحتاجون لدور مضاعف للذي كان قبل 20 سنة ولديهم طروحات ثورية يجب أن نستجيب لها. 3 – حين يقول الناس إن مصر أم الدنيا فعليها مسؤولية قومية تاريخية. المصري لم يكن طموحاً والآن تجاوز هذا الشعور، وهذا حقه أن يطمح لدور بلاده، فهو يمثل ربع العالم العربي». أضاف: «المسؤولية هذه هي الحفاظ على كيان الدولة المهدد لمصلحة كيانات طائفية بينما الدولة بالنسبة إلينا من منطلقات عصرية هي العروبة التي هي هويتنا الواحدة ونريد ترجمة هذا الهدف الى رسالة عربية إقليمية دولية متحضرة، ويجب ألا يبقى فكرنا محدوداً بالمشاكل اليومية... ويجب أن نتحرك فيما نقوم بإعادة تشكيل الواجهة المصرية للقرن ال21 ووجودي هنا لأدفع من أجل توجه عربي متحضر، وسطي يساعد على بناء منطقة فيها تنوّر». وقال: «في قمة الكويت ستسمعون الرئيس المصري يقول إن أكثر ما يهدد العربي هو الطائفية والتطرف والإرهاب وتهديدها لمنظومة الدولة في العالم العربي». وأشار الى أنه جاء الى لبنان «ليس لأقول ما هو الحل والسؤال هو هل نستطيع أن نجذب العقل العربي الى هذه الرؤية؟ فهناك من يريد خطف هويتنا ويحوّلنا الى طائفيين... والعربي بدأ يشكك بمن هو». وأعطى مثلاً في شأن مقاربة بعض الأزمات فقال: «الأزمة بين المملكة العربية السعودية وإيران مثلاً إذا نظرنا إليها طائفياً فإننا ندخل في مشكلة، بينما العقلية الوطنية مختلفة عن الناحية الأيديولوجية في المقاربة...». وشدد فهمي على استقلالية مواقف مصر على رغم كل الضغوط عليها والاعتبارات لكن دولة عمرها 7 آلاف سنة فيها ربع العرب تستند الى تاريخها، تستطيع أن تكون لها استقلالية وقد تحتاج الى صديق هنا أو هناك، وحتى لو اختلفت مع الصديق فهي تثق بأنه سيقدر موقفها لاحقاً. وعن أدوات تنفيذ المشروع الذي يسعى إليه قال فهمي: «ان نبدأ بأن يكون لدينا أطراف شريكة وأن نضمن أن يكون الرأي العام معنا ثم ننشئ أدوات ملموسة». وأضاف: «وجدت في لبنان حليفاً بالمعنى الفكري وليس السياسي». وعن الحل في سورية بعد فشل جنيف – 2 أجاب: «ما كنا نفكر به منذ شهر، وهو لم يكن ناجحاً، بات يتطلب المراجعة مع أزمة أوكرانيا». وعن الخلافات بين دول خليجية وقطر، قال: «نحن أول من أثرنا موضوع الإرهاب. ولم تكن القصة أن مصر زعلانة من قطر، بل كانت ما هو موقع قطر في العالم العربي؟ وأن تسحب 3 دول خليجية سفراءها من قطر بعد أشهر من سحبنا السفير دليل على حجم المشكلة». وشرح فهمي العلاقة بين القاهرة وواشنطن فقال: «زرت مرتين موسكو ووزير الخارجية الروسي زار القاهرة وهذا له معنى سياسي وأنا قلت في الأممالمتحدة إننا نريد ضمان احتياجات الأمن القومي المصري في شكل متواصل ومستقل». وتابع: «أنا أعلنت أنني أتبنى سياسة تعدد الخيارات وتنوعها وهذا ليس عداء لأميركا... ونحن لا نستبدل أميركا بروسيا لأننا بهذا لا نستفيد. وقلنا هذا الكلام في موسكو على مسمع من الوزير لافروف احتراماً لمصر. ومن يعتقد أننا نستبدل هذا وذاك لا يحترم توجهات مصر».