قدوس يقود توتنهام للمركز الثاني في الدوري الإنجليزي    600 قطعة سلاح صيد متنوعة بمعرض الصقور 2025    تدشين مشروع بصيرة ب 150 عملية مياه بيضاء في صبيا    تعليم مكة يحتفي بأكثر من 40 ألف معلم ومعلمة في 2496 مدرسة في اليوم العالمي للمعلم    الموافقة على طلب شركة خالد الظافر وإخوانه في السوق الموازي    الدكتورة نوف الفوزان تشارك بكتاب "التلمذة" في معرض الرياض الدولي للكتاب    أمين منطقة الرياض يطلق برنامج "تحوّل الرياض البلدي"    900 شركة ناشئة من 70 دولة حول العالم في بيبان 2025    معرض الدفاع العالمي 2026: نحو تكامل دفاعي تقوده الخبرة والشراكات النوعية    وكالة الفضاء السعودية تطلق بوابة «فضاء المعرفة»    استشهاد تسعة فلسطينيين في غزة    أمطار غزيرة وجريان سيول على 4 مناطق اليوم    ضبط أكثر من 18 ألف مخالف لأنظمة الإقامة والعمل وأمن الحدود    Arabian Heritage Motors تطلق تجربة قيادة حصرية لسيارة EXEED RX PHEV في الرياض    50 صقرًا منغوليًا في معرض الصقور والصيد السعودي الدولي 2025    القرني: أهمية أرشفة "جوجل" عبر الصحف الإلكترونية    "الداخلية" تطلق ختمًا خاصًا بمعرض الصقور والصيد السعودي الدولي 2025    كارينيو: الهلال يمكنه اللعب في أقوى دوريات العالم    جامع فرائد الملاحة في جوامع فوائد الفلاحة ..كتاب العام التراثي بالوطن العربي    من المؤثر الحقيقي    ابدأ يومك بهذه الكلمات    العمل رسالة وأمانة    «فيها إيه يعني» ينطلق بعرض خاص    قواعد بسيطة تحمي قلبك    377 ألف مولود سعودي في عام    اللجنة المنظمة لدورة ألعاب التضامن الإسلامي – الرياض 2025 تطلق شعار "أمة واحدة"    اختتام دورة المدربين لكرة القدم المصغرة بالمنطقة الشرقية وسط حضور لافت        التحالف الدفاعي الإستراتيجي السعودي الباكستاني    ملتقى الصم الصحي": مشاركة واسعة وجهود تكاملية لخدمة فئة الصم    ترمب يطلب من إسرائيل التوقف «فورا» عن قصف غزة    معرض الصقور والصيد السعودي الدولي 2025 يقدّم "السفاري"    الرِّياض تقرأ والكتاب يَطرق أبواب العالم    مستحقو الضمان الاجتماعي ما بين الحاجة والبيروقراطية    الجمعية الخيرية لرعاية الأيتام بنجران تحصد المركز الأول على مستوى الجمعيات الأهليه    أمير جازان ونائبه يطمئنان على صحة الشيخ العامري    سفاري جديد معرض الصقور والصيد السعودي الدولي 2025    طرح الدفعة الثانية من تذاكر مباراتي الأخضر في الملحق الآسيوي    تكريم طلاب الصف الرابع (ج) المشاركين في الإذاعة المدرسية بمدرسة ابتدائية مصعب بن عمير    الشؤون الإسلامية في جازان تنفّذ أكثر من 81 ألف جولة رقابية على المساجد والجوامع خلال الربع الأول من عام 1447ه    إمام المسجد الحرام: تزكية النفوس سبيل السعادة والعيش الطيب    إمام المسجد النبوي: التباهي والتفاخر مظهر كبر وجهل وزيف دنيا    القهوة.. رمز عالمي للتواصل ومورد اقتصادي يفوق 100 مليار دولار سنويًا    97 ألف زائر يتعرفون على تقنيات طباعة المصحف في مجمع الملك فهد بالمدينة المنورة    المقاومة الزائفة    قنديل في مهب العاصفة    وكالة شؤون الأفواج الأمنية تشارك في معرض الصقور والصيد السعودي الدولي 2025    الأخضر السعودي في مجموعة قوية بكأس آسيا تحت 23 عامًا 2026    الرخص الرياضية استثمار منظم يفتح أبواب الاقتصاد الجديد    "الهجن السعودية" تتصدر قوائم كأس الاتحاد السعودي ب 4 كؤوس و45 شوطاً    الإعلاميان الكبيران : محمد عابس وعبدالعزيز خزام في مهرجان القصيدة الوطنية    مواقف المملكة العربية السعودية «الأفعال تصنع الفرق قبل الأقوال»    تصاعد العدوان الإسرائيلي على الفلسطينيين.. اقتحام الأقصى وتصاعد حصيلة الشهداء في غزة    أمراء ومسؤولون يقدمون التعازي والمواساة في وفاة الأميرة عبطا بنت عبدالعزيز    باحثون يطورون علاجاً يدعم فعالية «المضادات»    شيءٌ من الوعي خيرٌ من قنطار علاج    معتمرة تعود من بلدها لاستلام طفلها الخديج    نائب أمير تبوك يستقبل مدير عام الأحوال المدنية بالمنطقة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«الإرهاب وصنّاعه: المرشد والطاغية والمثقف»
نشر في الحياة يوم 29 - 07 - 2015

في كتاب علي حرب الجديد «الإرهاب وصنّاعه: المرشد، الطاغية، المثقف» (إصدار الدار العربية للعلوم ناشرون، بيروت 2015)، يتابع المفكر اللبناني نقاشه ونقده لمقولات ومفاهيم سائدة في المجتمعات العربية، تمارس موقعاً سلطوياً، سواء أكان فكرياً أم مادياً، وتشكّل منظومة ثقافية موروثة في معظمها ومستجدّة في تقليديتها.
يشكّل صعود الأصولية والتعبير عن نفسها في تيارات متطرفة تمارس العنف وتستولي على الأراضي وتغيِّر في الجغرافيا والديموغرافيا أبرز التحوّلات، خصوصاً أنها تتخذ من الإسلام راية أيديولوجية، تسعى من خلالها إلى الدمج بين الدين ومنظومتها الفكرية، بما يجعل الإسلام في موقع الداعم للإرهاب والمبشّر بالدعوة لممارسته. على امتداد جملة عناوين متفاوتة في تعبيراتها ومضمونها، يتطرق حرب إلى: الأصولية والعنف، التنين الإرهابي من يصنعه؟ التهمة المزدوجة، لبنان بلداً معلقاً، تجديد الخطاب الديني، الإسلام والحداثة، التوسع الإيراني، أين هو الإنسان؟ ولعبة الخلق.
يتساءل حرب عن مدى وجود علاقة بين الإسلام والإرهاب، انطلاقاً من كون هذه المسألة «باتت واحدة من مشكلات الساعة، منذ تفجيرات أيلول الأميركية عام 2001. من هنا يحتدم النقاش حولها ويتجدد، مع كل عملية إرهابية أو غزوة جهادية تصدم الرأي العام الإسلامي والعالمي. ومن هنا هذا الفيض من الكتابات حول النشاط الإرهابي، وفيها يتردد ما تم نحته أو اختراعه من الأسماء والمصطلحات من جانب الحركات والمنظمات الإسلامية. تتحمل المؤسسات الدينية مسؤولية في التصدي لظاهرة الإرهاب من خلال عجزها عن الانخراط في نضال فكري وديني ينزع عن التيارات الأصولية حججها المستخدمة في تبرير الإرهاب، من خلال استخدام النص الديني وفق قراءة حرفية لا تأخذ في الاعتبار تاريخية النص ومكان وزمان صدوره والحاجات التي أوجبت نزوله. فالمؤسسات الدينية تبدو متوجسة من المصارعة الفكرية والنظرية مع التنظيمات المتطرفة، وهي بذلك تقدم لها مساهمة عملية، وتعتبر، في الوقت نفسه، مسؤولة عن هذا الإرهاب الأعمى الذي ضرب بسوط الإسلام في كل مكان في العالم.
لكن علي حرب لا يحصر تبرير الإرهاب والمسؤولية عن عدم التصدي له بالمؤسسة الدينية فقط، بل يمد هذه المسؤولية إلى مكونات ثلاثة أخرى، ساهمت وتساهم في صناعة الإرهاب. المكوّن الأول، يتصل بالمرشد الذي يستخدم اسم الله لتسويغ سلطته وأهوائه ومصالحه، ويرمي كل من لا يوافقه وجهة نظره بتهم من قبيل التكفير والهرطقة والإلحاد، وكلها تعابير تكفي واحدة منها لإهدار دم المعارض. المكوّن الثاني، يتناول الطاغية من الحكام، الذي يتصرف وفق ملكية البلد الذي يحكمه، مسخراً موارده في خدمة موقعه الشخصي وموقع الفئة الصغيرة من حوله. هذا الطاغية، كما بدا من انتفاضات العالم العربي خلال السنوات الماضية، لا يتورع عن تدمير البلد الذي يحكمه، بشراً وحجراً ومجتمعاً، في سبيل البقاء في السلطة. الشواهد عديدة في هذا المجال، وشعار «أنا أو أحرق البلد» تحول شعاراً عملياً ممارساً بأقصى أنواع الوحشية على الشعب بمجمله. هذا الطاغية، تتجسد حصيلة حكمه ب «الاستبداد والفساد والإرهاب، والإطاحة بمكتسبات الدولة الحديثة، في ما يخص مفاهيم المواطنة، والعلمانية، والديموقراطية».
أما المكوّن الثالث فهو الذي يتصل بالمثقّف ودوره وموقعه وكيفية عمله. هذا المثقف، كما يراه حرب، قصّر كثيراً عن القيام بما يتوجّب عليه من حُسن طرح أفكاره ونقد الموروث منها وتجاوز المتخلّف في مفاهيمها، نحو ابتكار مفاهيم تتصل بالواقع، بعيدة عن التصحُّر الأيديولوجي، وخارجة من منطق احتكار الحقيقة أو التكلُّم مع الشعب من برج عاجي. يستوي في هذا المجال المثقف التقليدي، والأيديولوجي والمناضل وصولاً إلى المثقف الحداثي.
هؤلاء ساهموا في شكل أو في آخر في صناعة الإرهاب، من خلال دعم الطاغية والانخراط في خدمته مباشرة، أو عبر المؤسسات الطائفية أو القبلية التي حشر المثقف نفسه داخلها وقام بدور «مثقف السلطان» وتبرير قراراته وإسباغ منظومة فكرية عليها. في هذا المجال يسلّط حرب نقداً لاذعاً على أدوار المثقفين فيقول: «لا أراني أظلم المثقف الحداثي بذلك. فهو بصفته أحد عمّال الفكر، مسؤول، قدراً من المسؤولية، عما حدث ويحدث، ليس فقط لأن الكثيرين من دعاة الحداثة وقفوا إلى جانب الأصوليات الدينية والديكتاتوريات السياسية، بل لأن المثقف أخفق في مهمته الأولى التي هي تجديد الأفكار، بقدر ما تعامل مع قضاياه بصورة سلفية تقليدية ديكتاتورية، بوصفها حقائق نهائية. بهذا المعنى، يبدو المثقف الحداثي خادماً للطاغية السياسي من حيث لا يحتسب. وهو، إلى ذلك، قد شكّل الوجه الآخر للداعية الأصولي من حيث لا يعقل. كلاهما تحوّل إلى ديناصور، المثقف بعناوينه المستهلكة، والداعية بشعاراته البائدة. كلاهما صنيعة الآخر ومتواطئ معه، من حيث يعرف أو لا يعرف».
إلى جانب القضايا الساخنة التي يهجس بها كتاب علي حرب حول الأصوليات والإرهاب، يناقش مسألتين جوهريتين في سياق الممارسة السياسية في بلدين هما لبنان وإيران:
في نص بعنوان «الثنائيات الخانقة والتسويات الهشة»، يتساءل حرب، على غرار كثيرين من اللبنانيين، عما إذا كان هناك سبيل للخروج من المأزق الذي يعيشه لبنان وشعبه والواقع بين فكّي كماشة: الصراعات الطائفية المحتدمة في الداخل والتي تشكّل جوهر الممارسة السياسية لمجمل الأطراف اللبنانيين والعنصر المتحكّم بمصيرهم، وبموازاتها التدخلات الخارجية بمنوعاتها المتعددة العربية والإقليمية والدولية، والتي باتت عملياً جزءاً من الداخل اللبناني، حيث يستحيل اليوم الوصول إلى اتفاق أو تسوية أو حل مشكلات ولو كانت طفيفة، من دون تدخُّل هذا الخارج. بحيث يمكن القول إن الخارج والداخل يتقاطعان ويربطان لبنان بحبال غليظة، فيصعب التمييز بين ما هو داخلي وما هو خارجي. يعاني لبنان معضلة كيانية من حيث تركيبته الطائفية وانحكام أبنائه إلى هذه الطوائف وفق الصيغة التي تجاوزت الدستور والتي يمكن اختصارها أن على اللبناني أن يولد ويعيش ويموت طائفياً، وأي خروج عن هذه المعادلة هو بمثابة هرطقة وتمرد غير مقبولين من صنّاع الصيغة الطائفية.
يضيف حرب إلى هذه المشكلة الكيانية «مشكلة سياسية تجسدت في كون الساسة الذين تعاقبوا على حكم البلد منذ نشأته، فشلوا في إدارته، ولم يحسنوا تطوير صيغته الديموقراطية، المدنية. فالقاعدة الذهبية في لبنان كانت دوماً في المكاسب والمفاسد».
وتحت عنوان «التوسُّع الإيراني: ضرر إيراني وخراب عربي»، يتناول حرب التطورات في المنطقة العربية المستجدّة تحت عنوان محاربة الإرهاب، والسعي الغربي لتعويم إيران من خلال المفاوضات على البرنامج النووي، وصولاً إلى اعتبارها عنصراً في محاربة التطرف الأصولي. إن الدولة الإيرانية وثورتها منذ العام 1979 تشكلان عنصراً أساسياً في صناعة الإرهاب ونشره، كما أن مشروعها القومي الفارسي المستند إلى عصبية مذهبية، تسعى من خلاله إلى تصدير الثورة بمنطقها المذهبي هذا إلى مجمل العالم العربي إن استطاعت إلى ذلك سبيلاً. لقد نجح المشروع القومي الإيراني في مد أذرعه إلى أكثر من قطر عربي، ولعل هذا النجاح يستثير اليوم ردات فعل مذهبية تعيد طرح الصراع السني- الشيعي على بساط البحث، من خلال استعادة هذا الصراع الذي اندلع على السلطة بين القبائل العربية منذ وفاة الرسول. لا شك في أن السياسة الإيرانية الراهنة تشكل ضرراً صافياً للشعوب العربية بطوائفها المتنوعة، وهو ضرر لن يبقى محصوراً داخل العالم العربي، إذ قد تمتد نيرانه إلى الداخل الإيراني نفسه.
كتاب علي حرب مفيد في استحضاره القضايا الشائكة والساخنة التي تغرق بعنفها المجتمعات العربية اليوم، وهو في جوهره يشكل دعوة إصلاحية سياسية وفكرية ودينية يحتاجها العالم العربي أكثر من أي وقت مضى.
* كاتب لبناني


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.