بعد العيد أرسل لي أحد أصدقائي برسالة يقول فيها : "بما أنك ناشراً للتفاؤل والبِشر بين الناس، ساروي لك قصتي مع جاري في الحارة لتنقلها لمتابعيك الكرام في إحدى مقالاتك القادمة".. يقول في رسالته: كان صديقي متحدث لبق ومستمع جيد، ومحاور هادئ، وإنسان اجتماعي ومحبوب لدى الجميع في الحارة ودائما أجده في كل وقت يسلم مبتسمًا مرحبًا بالآخرين.. واتبع حديثه: وفي يوم العيد التقيت بهذا الصديق الخلوق عند باب بيته حيث كان يملأ سيارته بأكثر من عشرين علبة شوكولاتة فاخرة في المقعد الخلفي للسيارة، مما أثار شجوني واستغرابي وتعجبي. سلمت عليه.. سألته: خير يا جاري، إلى أين ستذهب بعلب الشوكولاتة؟. رد علي السلام مبتسمًا ابتسامة جميلة قائلاً: ما رأيك أن ترافقني إلى مشواري؟. قلت: أرافقك لابأس.. قال: حسنًا اصعد معي وإن شاء الله لن نتأخر.. ركبت سيارته وتوجهنا إلى حي فقير جدًا يبعد عن حارتنا مسافة ساعة إلا ربع بالسيارة، أوقف سيارته عند مدخل الحي، ونزلنا مشيًا على الأقدام حاملين معنا مجموعة من علب الشوكلاتة. توجهنا إلى عدد من البيوت الفقيرة، دق صاحبي على الباب الأول، ففتح الباب أولاد صغار ولما شاهدونا قفزوا فرحين مستبشرين ينادون على أمهم: ماما، ماما الرجل حق الشوكولاتة جاء اليوم.. أعطاهم علبة الشوكولاتة وتكلم مع الأطفال واستأذن وذهب إلى البيت الثاني، دق الباب، فتحت الباب امرأة كبيرة بالعمر وعندما رأته دعت له كثيرًا والدمع يقطر من عينيها، الله يفتحها عليك، الله يطعمك من ثمار الجنة. والله يا بني أنت تجبر بخاطرنا في يوم العيد، الله يجبر بخاطرك ويرزقك من حيث لا تحتسب، بعد دعاء المرأة للرجل أعطاها علبة الشوكلاته واستأذن.. وهكذا مع بقية البيوت، كل بيت كان قصة بحد ذاته وفي كل بيت كانت هناك سيمفونية جميلة ورائعة من المشاعر والأحاسيس الرائعة والدعوات المباركة.. انتهينا من توزيع علب الشوكولاتة، ركبنا السيارة راجعين متوجهين إلى حارتنا، دعوت له بكل خير بأن يعطيه الله الصحة والعافية لعطائه وبذله وفعل الخير ومساعدة المحتاجين وإسعاد الفقراء.. ثم سألته سؤالاً آخر وأنا متردد: لماذا لا تعطيهم مالاً أفضل من الشوكولاتة؟ لكي يشتروا احتياجاتهم الضرورية هم بالمال!.. ضحك جاري العزيز ضحكة قوية ومدوية وكأن سؤالي أعجبه، التفت إلى الكرسي الخلفي متناولاً علبة شوكولاتة وقدمها إلي، وقال افتحها وانظر ماذا بها؟. فتحت العلبة وانا مترقب وكلي شوق لأرى ما تحتويه العلبة!! فإذ بي اتفاجأ بالاضافة للشوكولاتة أن هناك ظرف فيه مبلغًا من المال، فزاد استغرابي وحيرتي.. قلت له لماذا لا تعطيهم المبلغ مباشرة؟ ثم مادخل علبة الشوكولاتة بالتبرع بالمال؟ نظر إلي جاري وابتسم كعادته، وقال: أنا إنسان أحب الشوكلاتة كثيراً وآكل منها كل يوم، والله تعالى يقول: (لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون).. يقول أحد علماء النفس: "إن إنفاق المال على الفقراء يزيل الشعور بالخوف والإكتئاب بسبب الإحساس بالسعادة والشعور بالطمأنينة للقيام بعمل رائع والمساهمة في إسعاد الآخرين.. ترويقة: الصدقة والإنفاق والعطاء تجلب السعادة.! فتصدقوا لتجلبوا الراحة النفسية لأنفسكم والصحة بتقوية نظام جهازكم المناعي.. يقول الدكتور والباحث النفسي عبد الدائم الكحيل: "إن المرضى الذين ينفقون أموالهم على الآخرين على سبيل المساعدة والصدقة فإن ذلك يساعدهم على التماثل للشفاء بسرعة أكبر، وهذه نصيحة حبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم عندما قال: (دَاوُوا مَرضاكُمْ بِالصَّدقةِ) !!".. ومضة: الله عزوجل ربط بيانه الإلهي بين إنفاق المال وبين التخلص من الخوف والحزن.. في قوله تعالى: (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ)..