كتب السيد حسين شبكشي مقالا رائعا في صحيفة الشرق الأوسط بعنوان «السعودية والحضارم» يرد فيه على من يريد أن يفرق أبناء الوطن ويذكر فيه نبذة عن تاريخ إخواننا الحضارم الكرام وهو تاريخ قديم وعريق ومشرف في البلاد فبعضهم استقر فيها قبل إعلان الدولة السعودية على يد موحدها ومؤسسها الملك عبد العزيز رحمه الله وبعضهم بعد ذلك، فكونوا جزءا مهما من النسيج الإجتماعي اللامع في البلاد. وذكر السيد الشبكشي إنجازاتهم الرائدة بالبلاد بكافة المجالات اقتصاديا وصناعيا واستثماريا وتجاريا وأدبيا وغيرها، وعدد الكثير من الأسماء الشهيرة التي يحمل لها الجميع كل الاحترام والتقدير. ووجدته مقالا صادقا جدا، فلدي أصدقاء كثيرون من الحضارم الكرام وصادقتهم بالوطن وبالمهجر فوجدت فيهم فعلا صفات نادرة ومتميزة، فكما يقول السيد الشبكشي بأنهم: «عرفوا بالعمل الدؤوب وبالعصامية وبالزهد والتعفف وعدم حب الظهور والمصداقية والأمانة وتوريث القيم والمبادئ ». وهذا وصف دقيق ومحنك للشخصية الحضرمية الراقية فهم فعلا من أكثر الناس حبا للعمل وتفانيا وإخلاصا له، وماشاء الله فمهما كبر شأنهم وزاد ثراؤهم فهم مثابرون ومتواضعون. كانت لدي صديقات حضرميات وكنت أرى والدهن يخرج إلى العمل مبكرا جدا ولا يعود إلا آخر الليل ويشرف على كل تفاصيل عمله بنفسه وهو تبارك الله من المليونيرات الكبار، لم تغيره المادة ولم تؤثر على تواضعه أو مثابرته، وهو رجل عائلة يضع عائلته بالمقام الأول. وهو من أذكى الناس وأعلمهم بالشعر والفن والأدب. كنت أنظر لبناته فأجدهن متوازنات في حياتهن يتمتعن بكل جميل ولكن بلا بذخ أو حب مظاهر، مما يمارسه الأقل منهن بكثير ماديا من قليلي العقل والتدبير. وكنت أرى فيهن صفة جميلة وهي احترام الكبير سنا وتقديره بزيادة. وفيهم الشكر والعرفان بالجميل مهما كان بسيطا وهذا يدل على رقي النفوس وطيب الأصول. ولاحظت في إخواننا الحضارم أيضا صفة أخرى نادرة وهي عدم حب الكلام الزائد ولا الشكوى والتذمر إطلاقا بل الالتفات إلى العمل والإنتاج بإيجابية ونشاط وهي صفات الناجحين. وذكر السيد الشبكشي مثالا عن صديق له من عائلة عريقة ومعروفة من إخواننا الحضارم، فحينما كانوا في المرحلة الابتدائية، وتخيلوا صغر سنه في تلك الفترة، كان زملاؤه في الصف يجتمعون بعد صلاة العصر للعب كرة القدم سويا فيعتذر منهم قائلا: «أنا لازم أكون بالمحل «أمتر» (أي أقيس بالمتر)، وهي عبارة تستخدم لباعة الأقمشة». فتخيلوا هذه التربية الجديرة بالاحترام! هل نتخيل بأن طفلا آخر يقبل أن يحرم من اللعب وهو صغير بالابتدائية ليعمل في محل أهله؟ ربما لو سمع طفل آخر بأن أصدقاءه يلعبون بينما هو يكتب الواجب لاندلعت الحرب في المنزل. ولكن ماذكره السيد الشبكشي يدل على تربية ذكية من جانب الأهل وطاعة نادرة والتزام من ناحية الأبناء. وعلى سيرة القماش، أذكر بأنني في صغري كنت أذهب مع قريباتي لشراء الأقمشة الراقية للحفلات وكان البائع من إخواننا الحضارم مستعدا أن يستعرض كل مالديه في المحل من بضاعة للزبائن بكل صبر وتبسم ودماثة خلق، وكنت رغم أنني طفلة، أتعجب من صبرهم فلو كنت أنا مكانه لفقدت أعصابي تماما، فالسيدة تقول له نزل لي اللفة اللي فوق، فيأتي بسلم طويل ويتعب ليصل للمطلوب، فتلقي عليه نظرة واحدة ثم تقول لا، ماعجبني جيب غيره! وتعاد الحلقة من جديد! وهذا الصبر مفقود لدى معظم الباعة الآخرين فبعضهم يقول لك كل بضاعتنا معروضة وتقريبا يفهمك بأنه لو ما أعجبك شيء فتوكل على الله. وأما لدى إخواننا الحضارم فتجد المعلم أو صاحب المحل متواجدا ونشيطا ويساعد الزبائن مثله مثل أي موظف بالمحل. وترى الموظفين يحترمون المعلم احتراما فائقا، وكل شخص يفخر بعمله مهما كان كبيرا أو صغيرا ويؤديه بأمانة وإقبال. وإخواننا من اليمن عموما وليس فقط الحضارم من أطيب الناس. وهذا من تجربة شخصية فقد كان والدي السفير السعودي في اليمن ولا أذكر عن أهلها إلا كل خير .. فهم كرماء وبسطاء من أكثرهم ثراء لأكثرهم رقة في الحال. ولديهم حب شديد للفن والأدب والشعر والموسيقى، وهم بالمناسبة من أذكى الناس. وصدق رسول الله حينما قال: «الحكمة يمانية»..