سأتحدث عن محمد بن صالح الإنسان ، رب الأسرة والمسئول عنها ، الذي عاش مايقارب الثلاثين شخصا تحت ظله ، وعلى حسه ، ورهن إشارته ، يفرحون لفرحه ويحزنون لحزنه ، وأصابتهم صدمة قوية وفراغ كبير بعد وفاته ، فأنا شخصياً مضيت بضع سنوات أتخيل انه سيخرج من ذلك الباب ليذهب لصلاة المغرب ، حينها أتذكره رحمه الله وهو يخرج بعد الأذان على رجليه مستخدماً عصاه ثم على عربيته التي كان يقودها محمد (السوداني) وكنت أحياناً أقودها بنفسي وأنا في سن صغير دون علمه رحمه الله حتى نصل المسجد المقابل للبيت ورغم ضعف بصره في السنوات الأخيرة من حياته إلا أن ترحيبه بي عند دخولي عليه أو تعريفي بنفسي عند السلام لا مثيل له ، وهداياه ومكافآته لأحفاده كانت مبالغ فيها ، كان دائماً يحاول إسعادنا جميعاً ولعلي أذكر حفلة أقامها لي ولأختي الكبرى نورة لن أنساها ماحييت ، فلم أرَ حفلة في ذلك الوقت مثيلة لها ، وكان يولي رعايتي وأخواتي اهتماماً خاصاً رحمه الله . فكنت ممن يركب معه في نفس السيارة للذهاب لصلاة الجمعة بالإضافة لخالي (بابا) منصور وأبنائه الأخوة عبدالعزيز وخالد ، وبالتأكيد بعد السلام عليه فور الانتهاء من الصلاة كان يأمر محمد السوداني بأخذنا لشراء مانريد من الحلويات وغيرها ، بالطبع تلك الأوامر الجريئة التي لم ترضِ أهالينا كان لها أثر كبير لدينا كأطفال . ومع أن مجلسه كان عامراً وكان يأتيه الناس من كل مكان من المسئولين في الدولة والأصدقاء والمحتاجين ليس فقط الأقارب وكانوا يشاركونه في مأدبة العشاء كل ليلة ، رغم ذلك كان رجلاً أسرياً ، يستمتع بقضاء وقته مع أسرته داخل منزله وفي حريملاء والمزرعة ومكة والطائف ، حيث كان حريصاً على إسعادنا كأطفال في أي مما ذكرت بكل الطرق الممكنة . كان حديثه معي عفويا ومرحا ، لا أزال أتذكر عبارة « من الطارق؟ « عند السلام عليه ، وأول سؤال عند التعريف بنفسي « أي تحب أكثر حريملاء أو الغاط؟ « ، لاشك أن الغريزة السديرية التعصبية أثرت فيني منذ الصغر ، فكنت كثير العناد في صغري ، وأتمنى أن تكون تلك العادة قد ذهبت ، ومن عباراته « تعرف انجليزي؟ عدد الأرقام؟ « وكنت أتسابق معه رحمه الله في عدها حتى العشرة ، تلك الذكريات الجميلة واللحظات السعيدة في حياتي والأمان والشعور بأني محتوى بعناية وتحت ظل آمن لن أنساها ما حييت وإنني أشكر الله الكريم ، أن منحني نعمة في صغري وهي محمد بن صالح بن سلطان . فلوالدي محمد مني الشكر والثناء والدعاء الجزيل ، فجزاه الله عني وعن أخواتي خاصة ، وعن كافة أبنائه وأحفاده ومن حوله كل خير ، رأيت انه من باب رد الجميل ولو بكلمات قليله لا تعادل حجم مافعله رحمه الله لنا في حياته أن أكتب هذا المقال المتواضع . أسأل الله العلي العظيم أن يجمعنا وإياه والغالي الخال خالد بحبيبنا ونبينا محمد –صلى الله عليه وسلم- في الفردوس الأعلى .