استشاري ل«عكاظ»: قمة «الهلال والنصر» صراع جماهيري يتجدد في الديربي    387 مليون يورو في «ديربي الرياض»    طلبات النصر لقبول فكرة رحيل لابورت    ارتفاع أسعار النفط إلى 83.27 دولارًا للبرميل    تشافي: برشلونة يمتلك فريقاً محترفاً وملتزماً للغاية    «عكاظ» تكشف تفاصيل تمكين المرأة السعودية في التحول الوطني    الفرصة ماتزال مهيأة لهطول أمطار على معظم مناطق المملكة    جامعة الملك خالد تدفع 11 ألف خريج لسوق العمل    1.6 ألف ترخيص ترفيهي بالربع الأول    الطاقة النظيفة مجال جديد للتعاون مع أمريكا    السعودية والأمريكية    «الأقنعة السوداء»    العيسى والحسني يحتفلان بزواج أدهم    احذر أن ينكسر قلبك    5 مخاطر صحية لمكملات البروتين    تقنية تخترق أفكار الناس وتكشفها بدقة عالية !    إلتقاء سفيرة خادم الحرمين الشريفين بطلبة المنتخب السعودي في آيسف.    فتياتنا من ذهب    حلول سعودية في قمة التحديات    تضخم البروستات.. من أهم أسباب كثرة التبول    بريد القراء    الرائد يتغلب على الوحدة في الوقت القاتل ويبتعد عن شبح الهبوط    WhatsApp يحصل على مظهر مشرق    رئيس موريتانيا يزور المسجد النبوي    ابنة الأحساء.. حولت الرفض إلى فرص عالمية    الإطاحة بوافد مصري بتأشيرة زيارة لترويجه حملة حج وهمية وادعاء توفير سكن    الاستشارة النفسية عن بعد لا تناسب جميع الحالات    حراك شامل    الشريك الأدبي وتعزيز الهوية    التعليم في المملكة.. اختصار الزمن    صالح بن غصون.. العِلم والتواضع        الدراسة في زمن الحرب    76 مليون نازح في نهاية 2023    فصّل ملابسك وأنت في بيتك    ولي العهد يلتقي الأمين العام للأمم المتحدة وملك الأردن والرئيس السوري    فوائد صحية للفلفل الأسود    خطر الوجود الغربي    العام والخاص.. ذَنْبَك على جنبك    لماذا يجب تجريم خطاب كراهية النساء ؟    أثقل الناس    حق الدول في استخدام الفضاء الخارجي    كلنا مستهدفون    ايش هذه «اللكاعه» ؟!    البنيان يشارك طلاب ثانوية الفيصل يومًا دراسيًا    أمير القصيم يرفع «عقاله» للخريجين ويسلم «بشت» التخرج لذوي طالب متوفى    النفط يرتفع والذهب يلمع    أمير تبوك يرعى حفل جامعة فهد بن سلطان    بمشاركة السعودية.. «الحياد الصفري للمنتجين»: ملتزمون بالتحول العادل في الطاقة    أمطار على أجزاء من 6 مناطق    صفُّ الواهمين    أمير تبوك يطلع على نسب إنجاز مبنى مجلس المنطقة    سقيا الحاج    السفير الإيراني يزور «الرياض»    أمين العسيري يحتفل بزفاف نجله عبد المجيد    خادم الحرمين الشريفين يصدر عدداً من الأوامر الملكية.. إعفاءات وتعيينات جديدة في عدد من القطاعات    رحالة فرنسي يقطع ثمانية آلاف كلم مشياً على الأقدام لأداء مناسك الحج    رعاية ضيوف الرحمن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محمد حسن فقي.. شاعرية وآفاق أدبية اتسعت بلقاءات الكبار
الشاعر والفيلسوف الذي لا يجلس على كرسي مكتبه أمام ضيف
نشر في عكاظ يوم 26 - 01 - 2012

هناك من رجالات الأدب في بلادنا والشعر تحديدا ممن يحملون إرثا ثقافيا عظيما تنوء عن حمله والاحتفاء به ذاكرتنا ومستودعات وجيوب العاطفة في البطينين الأيمن والأيسر في القلب أو في الخاطر، وربما لم أبالغ إن قلت حتى الذاكرة الجمعية لنا لم تستطع استيعاب ذاك الإبداع الثر لأستاذنا الراحل محمد حسن فقي رحمه الله.. الشاعر الكبير الذي ملأ الدنيا جواهر من أدب وفن وشعر كان هو صائغها الماهر.
محمد حسن فقي ذلك المتسربل بالإبداع، كان شخصا أكثر من هادىء ويملؤه التواضع قدرة غير متمكنة لحمل كل ذلك العطاء العظيم الذي نثره في ساحة الثقافة، إلى درجة كان فيها من الصعب جدا على النادي الأدبي الثقافي في جدة أن يقبل على نفسه تكريم هذا الطود الذي يفوقه حجما ومكانة واسما.. لكنه فعل في أواخر العام 1414 / 1984. وهب الكبار والذين هم أساتذة الكلمة لمشايعة النادي في خطوته تلك، وسال عرق الكلام والوصف من شرايين النادي يومها ليملأ حبر الكلام أوراق مطبوعاتنا السعودية سوادا مبجلا يحكي عصارة وحي شعري عاشه الناس مع محمد حسن فقي.
وبالنسبة لي كنت واحدا من المحظوظين الذين مكنهم عملهم في ميدان صاحبة الجلالة من الالتقاء بهذا المحمد الحسن الفقي.. الذي لايعلم كثيرون أنه لا يمكن أن يجلس على كرسيه خلف المكتب إذا ما تواجد معه أحد مهما كان هذا الأحد.. صديق أو زميل أو حتى صعلوكا مثلي يزوره بغية إجراء حوار معه لصالح مطبوعة خليجية في ذلك اليوم الذي عشته معه قبل أكثر من ربع قرن من الزمان. وكنت يومها أتحسس الطريق الذي يجمعني بكبار يضيفون لي ضوءا في شارع الصحافة.. فكان.
من هو ؟
وكما يحكي هو في ترجمة عن حياته وجدتها في مركز المعلومات في «عكاظ» وفي حوار قديم دون مصدر.. يقول:
أنا محمد حسن فقي ابن محمد حسين الفقي مكي مولدا ومنشأ وتعليما.
ولدت في السابع عشر من ذي القعدة 1332ه الموافق ل 1902م، تعلمت في مدرسة الفلاح المكية وتخرجت منها وفي فترة من الزمن انتقلت بعدها الأسرة إلى جدة، درست عدة سنوات في مدرستها الفلاحية «نسبة إلى الفلاح» ثم عدت إلى مكة وأتممت دراستي.. كل دراستي كانت في مدارس الفلاح وتخرجت منها ومكثت عدة أشهر وأنا في سن مبكرة أدرس طلبة كان بعضهم أكبر مني سنا كنت أقوم بتدريس الخط العربي والجغرافيا والأدب العربي، أما مصادر معارفي فهي شتى الكتب الأدبية القديمة والحديثة ولا سيما الأمهات منها «أمهات الكتب» والدواوين الشعرية منذ الجاهلية ولدي مجموعة كبيرة من كتب الدكتور طه حسين والعقاد والمازني وأحمد أمين ومصطفى صادق الرافعي وميخائيل نعيمة وجبران خليل جبران وإيليا أبو ماضي ونسيب عريضة والزهاوي والرصافي والجواهري والأخطل الصغير وبدوي الجبل وسواهم ممن هم في هذا المستوى الأدبي أو قريب منه كما تحتوي مكتبي على أمهات المعاجم اللغوية وكتب التاريخ والفلسفة وما إليها من شتى المعارف والعلوم والفنون عربيها ومترجمها» لاحظ اعتزاز الشاعر بمكتبته وإصراره على سرد ماتحويه مكتبته»... وعن الصعاب والعقبات في حياته يقول الراحل الكبير:
الحياة لا تخلو من الصعاب والعقبات وحسبك منها أن والدتي توفيت وعمري سبعة أشهر وحضنتني المربيات والمرضعات حتى كبرت واستقام عودي وفي هذه الفترة المبكرة انتقل والدي إلى رحمة الله في يوم تخرجي من مدرسة الفلاح وكابدت وجاهدت في الحياة حتى صرت إلى ما صرت إليه والحمد والمنة في ذلك لله الكريم المتعال... وعن حال ووصف دخوله عالم الأدب يقول:
الهواية ثم الهواية ثم الهواية فهي وحدها التي قادتني إلى دخول ميادين الأدب والثقافة يوجه عام ومازالت هذه الهواية تلح علي في الاستمرار وسأستمر لأنني لا أستطيع سوى هذا الاستمرار إلى أن أنتقل إلى رحاب الله الكريم.. «رحمه الله»... وعن ما إذا وقف معه في عالم الثقافة شخص ما.. قال :
نعم لقد كان والدي يرحمه الله هو الدافع الأول بعد الهواية التي تسري في كياني مسرى الدم فلقد كان يرحمه الله يشجعني على تثقيف نفسي كل التشجيع وما كان يضن علي بالمال اللازم لشراء الكتب الأدبية والدواوين الشعرية ومختلف كتب الثقافة والعرفان. أما البواكير فكانت وأنا في سن الثانية عشرة من العمر وكنت طالبا وأذكر أنني بدأت بنظم الشعر وكتابة المقال الأدبي منذ تلك السن المبكرة ولدي أمثلة من هذا الشعر احتفظت بها كذكرى لحقبة من حقب عمري الأدبي وضعت بعضها في المجموعة الشعرية الكاملة التي طبعت في مصر، تلك التي طبعت في جدة باسم «مختارات من شعر الصبا»، وأذكر أن أول قصيدة نظمتها كانت بعنوان «فلسفة الطيور» وكنت أرسلها إلى مجلة الحرمين التي كان يصدرها فؤاد شاكر يرحمه الله في القاهرة وما كنت أظن أنها تنشر ولكن المفاجأة أذهلتني بعد أيام قلائل بمظروف كبير باسمي وهو يحتوي على عدد من تلك المجلة وقد نشرت فيها هذه القصيدة مع خطاب من الاستاذ فؤاد شاكر ينعتني فيه بالأستاذ الأمر الذي يظهرني كرجل كبير ويطلب مني أن أواصل النشر في المجلة... وعن الجانب الأدبي في دواخله يقول استاذنا الفقي:
كل الجوانب الأدبية والثقافية شعرا ونثرا قد استولت على اهتمامي فأخذت منها كل ما اطلعت عليه بنصيب يستوى في هذا الثقافة بمضمونها الشامل من قديم وحديث من تأثر من الأدباء والمفكرين ففرق كبير بين التأثر والإعجاب وشخصيا أعجبت بالكثيرين من القدامى والمحدثين وقد أكون تأثرت بهم ولكنه التأثر الذي لا يطمس شخصيتي بحيث أصير ظلا للمتأثر به فأنا بحمد الله مستقل الشخصية وممن تأثرت بهم فمن التاريخ كان الجاحظ وابن زيدون والغزالي وابن خلدون والمتنبي والمعري وابن الرومي والبحتري وأبو تمام وجماعة المهجر في بدايات القرن أو أواخر القرن التاسع عشر وكبار الشعراء في مصر والعراق وسوريا ولبنان وهو تأثير كما قلت لم يجعلني أقلد واحدا منهم بل هو إعجاب عظيم بثقافة عالية وأفكار نيرة وقلوب كبيرة.
مع هيكل في دار القطان بمكة
أنا بطبعي أوثر العزلة إلا فيما ندر لذلك لم أجتمع بأحد من هؤلاء المحدثين برغم قراءتي لآثارهم ولقد كان الاستاذ الدكتور محمد حسين هيكل يرحمه الله نزيلا بدار آل القطان في مكة المكرمة واجتمعت به هناك مرارا وأخذت مقالات ثلاثة نشرتها في جريدة صوت الحجاز وكنت يومها رئيسا لتحريرها وأبقيت الأصول عندي وماتزال حتى اليوم كأثر أدبي أعتز به بخط صاحبه الكبير كذلك هو الشأن مع الاستاذ العقاد يرحمه الله فقد اطلع على مجموعة من شعري يوم أن كان يزور المملكة وطلب ممن أعطوها له أن أزوره بمصر مع مجموعة من شعري ليقدم لها ولم يشأ الله أن أفعل فلم أزره ولم أقدم له المجموعة الشعرية المطلوبة برغم زياراتي العديدة لمصر الشخصيات غير الأدبية التي تأثرت بها هي أولا والدي يرحمه الله ثم الملك فيصل والشيخ عبد الله السليمان الحمدان يرحمهما الله وآخرون يأتون بعد هؤلاء في التأثير والإعجاب. العزلة التي يؤثرها
أوثر البعد عن العراك لأنه يشغلني عن الإنتاج ولعله إذا ما احتدم أواره واشتد عراكه أن يؤدي إلى الخروج من الأثر الأدبي إلى صاحبه فيؤجج العداوة بين الناقد والمنقود وأنا أوثر المودة والإخاء على العنف الذي يورث النفاق والنفور، وبعد فإن الأدب الحق سيبقى وسيخلد حتى ولو جرمه بعض.
أهم الأعمال والإنجازات
عندي المجموعة الشعرية التي تحتوي شعري منذ ما يقارب خمسين عاما حتى اليوم وقد صدر قبلها ديوان «قدر ورجل»، أسهمت في تحرير جريدة صوت الحجاز ثم البلاد فكنت ثاني رئيس تحرير ل «صوت الحجاز» كما أنني رشحت بالتزكية مديرا عاما لمؤسسة البلاد للصحافة فكنت أول مدير عام لها.
أما المؤلفات النثرية فلم أصدر منها إلا جزءا يسيرا من المقالات الموسومة ب «فيلسوف»، وبادر إلى طبعها أخي عبد العزيز الرفاعي. فيلسوف نشرت منه مجموعة صغيرة ومن آثاره الأدبية «نظرات وأفكار في المجتمع والحياة»، هذه هي مصر، الفلك يدور، ترجمة حياة، مذكرات رمضانية.
الجفري يلخص حياة الفقي
وكان السيد محمد علي الجفري قد لخص حياة شاعرنا محمد حسن فقي بما يلي :
توفيت أمه وعمره سبعة أشهر ثم توفي والده بعدها بنحو عقدين من السنين فأصرت شقيقاته على زواجه مبكرا فتزوج من بيت الموصلي ثم تزوج من بيت الغباشي ثم تزوج من بيت الفداء فرزقه الله البنين والبنات ولكن وفاة ولده عبد العزيز نائب القنصل السعودي في نيويورك ثم وفاة ابنته فوزية بعده بشهور أدمت فؤاده الرقيق. هذا هو الشاعر الكبير محمد حسن فقي حتى أصبح يكتب في صوت الحجاز فلفت الأنظار بمقالاته واستدعاه محمد سرور الصبان وعينه في وزارة المالية براتب مائة ريال بالإضافة إلى مكرمة شهرية من الأرز والحنطة والسكر والشاي والهيل والبن.
لكنه قبل ذلك عمل في مدرسة الفلاح مدرسا رغم صغر سنه ثم أصبح محررا في صحيفة صوت الحجاز فرئيسا لتحريرها عندما حدثت أحداث تتعلق برئيس تحريرها السابق.
وبدأ في وزارة المالية كمساعد مفتش عام ثم ارتحل إلى جدة ليعمل مديرا عاما لمكاتب الوزارة بجدة وقد عمل مع عبد الله السليمان في المالية حتى توفي السليمان ثم أصبح محمد سرور الصبان وزيرا للمالية وعمل الاستاذ محمد حسن فقي معه ولكنه لم يلبث أن استقال فطلب منه الامير فيصل «الملك فيما بعد» ان يعمل معه وبقي عدة شهور مع الفيصل ثم انتقل للعمل مفوضا بالدرجة الأولى في مفوضية المملكة في اندونيسيا، حضر مؤتمر باندونج الشهير الذي اجتمع فيه الرئيس سوكارنو والرئيس جمال عبدالناصر والامير فيصل بن عبد العزيز وسلم الاستاذ الفقي رسالة إلى الرئيس سوركانو من الملك سعود بن عبد العزيز لزيارة المملكة وعاد محمد حسن فقي إلى جدة ليكون مسؤولا في ديوان المراقبة العامة وبقي فيه عدة سنوات ثم تقاعد بموافقة الفيصل وقال محمد حسن فقي إن حنينه إلى الادب هو سبب الاستقالة التي قبلها الفيصل.
كان الفقي هو الشاعر بين والده الفقيه وأبنائه المحبين للادب دون أن تتكون لديهم الملكة الشعرية وكان الفقي معجبا بالشاعر السعودي الراحل حمزة شحاتة قال الفقي «وقد هجس في نفسي أن أساجله على طول باعه وقصر باعي في تلك الايام فساجلته فأجابني بتواضيع وخلق كريم وحب ثم شببت عن الطوق وبدأت المساجلات الحقيقية بيننا بعضها في الحجاز والاخر حينما كان في القاهرة وللأسف فقد فقدت كافة هذه المساجلات الشعرية مع كتب وأوراق عندما هدمت منازلنا في الصفا بمكة المكرمة لتوسعة المسجد الحرام وكنت آنذاك وزيرا مفوضا في السفارة السعودية باندونيسا. وقد كتب محمد حسن فقي شعرا حديثا في أول دواوينه ولكنه عاد عن هذا النهج وله قصائد تزيد الواحدة على مائة بيت وله ملحمة أسماها «في رحاب الاولمب» تزيد أبياتها على ابعمائة بيت، فهو بدون شك من أنصار الشعر العمودي وقد كان شعره متفائلا مرحا حتى مات ولده عبد العزيز ثم ابنته فوزية فأصبح شعره ينز حزنا.
وهو كثير النسيان ولقد كان ذات مرة في سيارة مع الاديب محمد حسن عواد فرأى ورقة فيها أبيات شعرية أعجبته ولما سأل: لمن هي قال العواد إنها لك.
وإنتاجه غزير وله كتابات نثرية منها «ترجمة حياة» وهي مخطوط وكتاب آخر مطبوع هو «فيلسوف».. قال في مقابلة مع صحيفة البلاد نشرت في 7/11/1404ه وهنا يقول الفقي :
«كانت قناعاتي في أول مسيرتي الادبية تتبلور في النثر حتى لقد قال لي أخي الصديق عبد المجيد شبكشي إن كثرا من القراء يرون نثرك أروع من شعرك»..
كما كتب المرحوم الاستاذ أحمد قنديل في بعض كتبه ينعت نثري بسلاسل الذهب ويعتبره إرهاصا بعهد جديد في النثر.
وهنا يواصل السيد الجفري.. ومحمد حسن فقي في حقيقة الامر اشتهر بشعره أكثر من نثره وقد ذكر ذات مرة أنه ينوي أن يكتب مسرحية شعرية عن المعتمد بن عباد تتويجا لإبداعاته في مجال الشعر، هناك جائزة باسمه تمنحها مؤسسة يماني الثقافية في مجالي أفضل ديوان شعر وأفضل مؤلف أدبي في نقد الشعر.
قالوا عنه
ويقول العلامة حمد الجاسر إن الشاعر محمد حسن فقي مثال نادر في عصرنا هذا. والشاعر رجل جبل على أن ينأى عن جميع المظاهر وأن لا يكون ممن يحب الظهور.. ولهذا قد يؤخذ عليه الانطواء والعزلة التي بسببها صار الكثير من الادباء لا يعرفون الكثير عنه.. ويواصل :
أول مرة قابلت فيها الاستاذ الفقي كانت سنة 1352ه وكان رئيسا لتحرير صوت الحجاز بمكة المكرمة وكان آنذاك حديث عهد بتخرجه من مدرسة الفلاح وكان من العشرة الاوائل ومن عادة هذه المدرسة أن تبتعث الاوائل إلى الهند وكان منهم.. ولما عاد كان أول عمل له هو رئاسة تحرير تلك الصحيفة.. الفقي منذ أن كان ناشئا كانت كتاباته أقرب إلى حالة التشاؤم وكثيرا ما ينحو باللائمة على الزمن.. ونشر مقالا افتتاحيا وكنت من طلاب المعهد وكان الشيخ عبد الله خياط ختم الله له بالسعادة وتولاه بالرحمة فكتب مقالا بعنوان «لاتسبوا الدهر فإن الله هو الدهر» ردا على رئيس تحريرها، بعد ذلك كتبت مقالا ردا فكان الاستاذ رئيس التحرير هو الاستاذ الفقي ولازلت أذكر حسن مقابلته ولازلت طالبا ولكنه في سن مقاربة فانطبعت هذه المقابلة في ذهني حتى الآن.
أما الشاعر والصحافي الكبير محمود عارف فقد قال في فقي شعرا جاء فيه :
تحدث الناس قبل اليوم يا حسن
بأنك الشاعر العملاق واللسن
ياشاعر الفن والابداع كيف ترى؟
في دولة الشعر ما تلقى وتختزن
كنز الروائع فيما أنت قائله
فيه اللالئ.. والاغلى هو الثمن
ياصاحب الكنز قال لي كيف تحفظه؟
والشعر كنز عليه أنت مؤتمن
ماذا أقول وكل الناس محتفل؟
وليس يخفى احتفاء زانه العلن
المنتدى.. وجميع الناس مستمع
وأنت تدرك ما تصغي له الأذن
الحب عندي في الدنيا له ثمن
ميزان «عارف» حب فوق ما يزن
عشنا معا سنوات كلها أمل
والحب بالحب رفد نبعه الوطن
وعندك القلب كنز من جواهره
ثراء شعرك عقد صانه الزمن
ومن جانبه ترجم الشاعر حمزة شحاتة ما جمعه بالشاعر محمد حسن فقي في قصيدته التي يقول فيها:
صوت المودة لا جرم
والسبق من أدب الكرم
أهلا بداعية الإخاء
جلا مفاتنها القلم
فأتت بمأثور الوفاء
جرى بمروري النغم
تسري به بدع العروض
على السجية من أمم
بيناه بمرح في السفوح
إذا به فرع القمم
فوضى الطبيعة لا نظام
فلا ضياء ولا عتم
لكنه فن البليغ
على قوالبها انسجم
وسجية الطبع القوى
إذا ترفق واحتدم
ولكم يؤلف قادر
بين المسرة والألم
ما الحسن أعضاء توانمها
القرابة في القسم
فلقد يكون على تألف
هذه روحا بذم
وعلى تنافرها جمالا
لا يحس له سأم
ولمثل شأوك لا ينال
إذا تناظرت القيم
ماذا تركت لمقتفيك
ودون همتك الهمم
ماذا يريع وراء اقرن
في ضرابهما اجمانا
ذلك المبهور دونك
ان تطاولت اللم
لظلمتني والظلم اقتل
ان أصابك من حكم
يا صاحبي وخلالك ذم
وهنا يترجم الشاعر العراقي يحيى السماوي حالة الشعر لدى محمد حسن فقي وشخصه:
ايجاري إذا اطل الشهاب
كيف يمشي مع الذهاب الإياب
يامقيما على ربى الشعر صرحا
عبقريا أبعد بابيك باب
تاه في سهلك النضير يراع
وبحور عميقة وشعاب
شل صوت وقد نطقت سكوت
أنا حرف وأنت أنت كتاب
فخطابي إذا تحدثت صمت
رب صمت سعى إليه الخطاب
أين أمضي؟ لقد أنخت قصيدي
أنا نبت وأنت في الشعر غاب
ل «اياس» بما نطقت ذهول
ولليلى بما نسجت طلاب
ولقلبي وقد توطن عشقا
صبوت يلذ فيها المصاب
بين هدبي وبين جفني خصام
حول طيف وجفوة واحتراب
لا «سعاذ» تضيء حقل صباحي
أو بليلي تفيض دفئا رباب
والقوافي عن السطور تناءت
واحتواها كما العراق الغياب
أفأبقى على النوافذ صبا
يتسلى به الأسى والعذاب؟
أيها العاشق المطهر قلبا
وعليه من العفاف الثياب
يا أبانا أكان وهما جميلا
إن مشينا وما ينال السراب؟
يا أبانا وما فضيلة أرض
نكرتها شموسها والسحاب؟
كم حسبنا على الدروب خطانا
فنانيا وقد يخون الحساب
أعقاب هو القصيد أبانا؟
يستبينا فيستطاب العقاب!.
ويقول الأديب الكبير عزيز ضياء رحمه الله :
كنت من صغار ضباط الشرطة وكنت كثيرا ما أفق على ما يسمى «التراس» أو الشرفة التي تتقدم مبنى الحميدية وأنتظر مرور السيد محمد حسن فقي إلى مكتبه في الجريدة ولا بد لي هنا أن أقول إن الصديق كان على جانب من الوسامة ووضاءة السمات مع أناقة الهندام الذي لم يكن أيامها العقال والمشلح وإنما العمامة تخيط بالطلعة من أغلى الأقمشة في تلك الأيام، وأذكر هذا الجانب لأنني كنت ألاحظ من يقفون في انتظاره مرورا معجبين به كاتبا يتمير بكل تلك الأناقة والوضاءة، وقد أشاع أنه رئيس تحرير ومدرس من مدرسي مدرسة الفلاح وهو مايزال في عنفوان صباه..
ويصعب أن أذكر اليوم الشعر الذي كان ينشر للاستاذ في صوت الحجاز ولكني أذكر الاستاذ صالح باخطمة كان من زملائي في الشرطة وكان من حملة الأقلام وينشر في الصحيفة بتوقيع «المقنع» وعلاقة القلم هذه كانت تفتح بيني وبين الاستاذ باخطمة باب الأحاديث عن الجريدة وكتابها ومواضيعها واستدرجنا الحديث يوما إلى السيد محمد حسن فقي، فسألني هل تحب أن تتعرف إليه فرحبت وكانت له علاقة به فأخذنا موعد العشاء في منزل السيد وكان من المنازل الشاهقة المرموقة المجاورة لبيوت آل الشيبي ومنذ تلك الليلة بدأت علاقتي به أبعث إليه المقال الذي أكتبه لينشر وأنتهز الفرص لقضاء بعض الوقت معه وقد لا أنسى أني اقترحت إنشاء مشروع « القرش» يرأسه محمد سرور الصبان رحمه الله، وعين مديرا للمكتب الدائم وكان في عمارة مجاورة لمنازل آل الشيبي في بداية القشاشية، وهذا فتح الباب لتوالي اللقاء بيني وبين كثير من عشاق الحرف في تلك الأيام.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.